إذاعة الديوان: بدءً بالموقع وصولاً إلى إذاعة أف أم

par عبّاس المسدّي
30 oct 2018 dans الصحافة متعددة الوسائط

فيما مضى وقبل الثورة لم يكن من السّهل أن تقبل الجهات الإعلامية العمومية والخاصة بثقافة التعدّد في الإعلام - وعلى عكس المعتقد السائد - بعد الثورة ازدادت الصّعوبة لإنشاء المؤسسات الإعلامية لأسباب عدّة منها عدم القدرة على التخلّص من إرث كبير من أساليب الإقصاء المدمّرة والاتهام بالانتماء الحزبي أو الانخراط في إيديولوجيات مختلفة، ذلك بالإضافة إلى صعوبة الحصول على التأشيرة، وخوف رجال الأعمال من الاستثمار في مشاريع غامضة.

1- فكرة إنشاء أول إذاعة خاصّة بصفاقس:

في 2013 فكّرت مجموعة من رجال الأعمال في إنشاء مؤسسة إعلامية سمعيّة خاصّة، تطرح إعلاماً بديلاً وحرّاً ومعتدلاً، فانطلقت دراسة الفكرة بجدّية وحزم من قبل ثلّة متحمّسة ومؤمنة بجدوى إنجاز هذا المشروع الإذاعي الجديد. وأمام التّحوّلات السياسية الكبرى التي عاشتها البلاد، ودخولها في تحدّيات جمّة في كلّ المجالات، لم تجد هذه المجموعة الأرضية المناسبة للانطلاق في تنفيذ فكرتها، لأنّها لا تتبنّى غير الطّرق القانونيّة في تحقيق هذا المشروع، فلم تسقط في المغامرة بالبث غير القانونيّ، وتلتزم بتقاليد مؤسسات الدّولة التونسية التي لا تسمح بالبثّ إلاّ عن طريق ديوان الإرسال الإذاعي والتلفزي(O.N.T).

كذلك لم تستطع المضيّ نحو التنفيذ لاستكمال هذه التجربة الجديدة، بعد إقرار المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 المتعلّق بحريّة الاتّصال السّمعي البصري، حتّى اتضحت الرؤية أكثر يوم 3 أيار/ مايو 2013 بعد الإعلان الرّسمي عن إستحداث الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري، والذي يتمثّل دورها المحوري في ضمان حريّة الاتّصال السّمعي البصري وتعدديته.

إلاّ أنّ أغلب الذين عزموا على إنشاء إذاعة الديوان الخاصّة فوجئوا بفرض مجموعة من الشّروط الصّعبة التي تحول دون اكتساب حقّ البثّ. بالإضافة إلى فشل مشروع قناة القلم الفضائية، الذي لم يتجاوز بقاؤها السنة من تاريخ دخولها في تجربة البث ما تسبّب في التّضييق على مشروع إذاعة الدّيوان مادياً وقانونياً.

2- إطلاق شركة الديوان للإنتاج السمعي

إيماناً بإمكانيات الجهة في إنجاز مشروع إذاعي خاص، تمّ بعث شركة الديوان للإنتاج السمعي والبصري بميزانية صغيرة تساهم في تهيئة مقرّها بأدنى المعدّات المناسبة لمرحلة البثّ عبر الإنترنت، مع انتداب صحفيين ومصمّمين للواب، للشروع في إنتاج مادّة إذاعية متنوّعة. ورغم انعدام الموارد أو العائدات المالية، كانت التجربة هامّة من جهة فرض الوجود وإثبات فرص حقيقية لفريق من الشباب المتحمّس لاكتشاف خبايا وخفايا العمل الإذاعي، والعمل المتواصل تمهيداً لتجربة البث على الأف أم بروح وإيقاع جديدين.

وكانت تجربة لا تخلو من الثراء إذ واجهت كلّ الصّعوبات وتجاوزت كلّ التحديات لتكون أوّل إذاعة افتراضية ميدانيّة تبثّ على الإنترنت عبر محطّة خارجية في قلب مدينة صفاقس. وازداد ثراء التجربة في الكتابة الصحفية الإلكترونية على الواب، باعتماد كلّ الوسائل المتاحة، كالصّوتيات المسجلة والفيديوهات المصاحبة للتغطيات الإخبارية، والتصوير الصّحفي والتقارير والروبرتاج المتنوع... كلّ ذلك كان بداية من 28 نيسان/ أبريل 2014.

تفانى في هذا المجال الافتراضي فريق الواب، رغم قلّة عدد العاملين فيه حيث لم يتجاوز في البداية شخصين. لكن تمّ الحرص على المواكبة وتفعيل المنتوج الإذاعي وإعادة الفرصة للمستمعين عبر أيقونات الــ Podcast. كلّ ذلك كان استعداداً منا لكسب رهان البث على الآف آم الذي كان صعب المنال وطريقه محفوفاً بشتّى الصّعاب. ورغم كلّ ذلك، لم يكن في النهاية حاجزاً لتحقيق الانتشار الشّعبي المحلّي، والفوز بالرخصة القانونية.

3- الرخصة وما بعدها:

بعد سنة ونصف من إطلاق شركة الديوان للإنتاج السمعي والبصري تحصّلت إذاعة الدّيوان على رخصة البثّ على أمواج الآف آم، وأفضى هذا الحدث بالقوة إلى مرحلة إدراك قيمة التصرّف في الموارد البشرية، حيث لا بدّ من إضافة العدد المناسب للتوفيق بين العمل على الواب والبثّ على الآف آم. وكان يوم 01 تشريم الأول/ أكتوبر 2015، يومَ المصافحة المباشرة للمستمعين عبر البث المباشر على الآف آم، بداية قصوى لتحقيق النّجاح، ومواصلة العمل الجدّي، لكسب كلّ الرهانات للتواصل الحقيقي.

لم نعد نشكّ في هذه المرحلة بأن التّركيز على الانترنت والمحتوى الرقمي أصبح من الضرورات لتحقيق الإنتشار للإذاعة بعد انطلاقها على الأف أم، وأصبح المستمع للإذاعة، يختار ما يناسبه من أجهزة تقبّل: جهاز الراديو/ الحاسوب/ الهاتف الجوّال... هذه الهواتف أو هذه الحواسيب، ذات النوافذ المفتوحة، ضاعفت من امتيازات إذاعة الدّيوان لدى المتابعين والمستمعين، فجعلت منها مادّة مسموعة ومقروءة ومرئية... مع تقديم خدمات مجّانيّة، وإمكانيّة الاستماع إلى مختارات إذاعية بعينها خارج توقيت برمجتها الإذاعية: المواد المسجلة، البرامج المعادة، التحقيقات... إلخ.

باتت إذاعة الدّيوان بعد انطلاق بثّها على الآف آم أكثر تركيزاً على الإنترنت فهي لا تستطيع أن تتخلّى عن استغلال الواب لتسويق موادها ومحتوها بل لا تقدر أن تقلّص في ميزانيتها المالية المخصصة للغرض الافتراضي.

نهايةً، يبقى نجاح إذاعة الديوان مرتبطاً بمدى إفادتها من الخبرات في المجال الإعلامي والوسائط المتعددة والصحافة الرقمية، لتقديم التدريب اللازم والمأمول لكامل فريق العمل في شتى الاختصاصات، وهذا ما يستدعي مزيد من الحرص على انضمامنا واستكمالنا لمشروع التدريب في شبكة الصحفيين الدوليين لتطوير المهارات وتجويد المنتوج الإذاعي الخاص وفق المعايير الدولية.

الصور لفريق عمل موقع وإذاعة الديوان.

عبّاس المسدّي من تونس، هو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه بدورته الثانية التابع لشبكة الصحفيين الدوليين بنسختها العربية بهدف تطوير مشروعه الإعلامي من ضمن مشاريع أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.