الأسس القانونية للصحافة الاستقصائية وكيفية تفعيل حق الرد

3 août 2021 dans الصحافة الاستقصائية
صورة

يجب على الصحفي ألا يغفل عن أهمية الأسس القانونية والمهنية للصحافة الاستقصائية أو ما يسمى بصحافة "العمق"؛ نسبةً لخوضها بعمق الظواهر التي تستوجب الكشف والتنقيب. أما الجانب المهني لها، فهو يكمن في الأصالة، الفرضية، المنهجية، الانفتاح وتوسيع الصحفي لدائرة اهتمامه وبحثه بحيث تتخطى الحدود الجغرافية والرقمية، ولعلّ أهم الأسس المهنية حفاظه على سلامته الجسدية والقانونية من المخاطر التي تنطوي على العمل الاستقصائي.

في الدول العربية، تكاد تكون الصحافة السلطة رقم ألف، لذا لا تنفك الحكومات العربية عن إصدار القوانين التي تقيد حرية الصحافة. في تقرير حول حقيقة ورمادية الحريات الممنوحة للصحفيين العرب، أشار إلى أن الصّحافة في الدّول الديمقراطية تمثّل سلطة رابعة بالفعل، فهي تبصّر الناس بأمور حياتهم وتطرح القضايا الساخنة على بساط البحث وتسقط الحكومات وتكشف عن الفساد في منابعه. 

على عكس الصّحافة في الدول العربيّة، التي يميل بعضها إلى تقييد هذه الحرية للحد منها، فضلاً عمّا تكشف عنه الممارسات الفعلية في العديد من الدول، من انتهاكات مستمرة سواء بإغلاق بعض الصّحف أو ضبطها ومصادرتها أو بعدم توفر الضمانات الكافية للصحفيين لممارسة عملهم، فهم يتعرضون في كثير من الدول العربية للحبس وتغليظ العقوبات في قضايا الرأي والنشر والتوقيف عن ممارسة المهنة.

تأكيداً للسابق ما جاء في نتائج مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021 الذي أعدته منظمة "مراسلون بلا حدود" مؤخراً فإن الدول العربية حلّت بالمراتب الأخيرة والمتأخرة من بين دول العالم أجمع.

إقرأوا المزيد: تأسيس عيادة قانونية في فلسطين لدعم وحماية الصحفيين

 الأسس القانونية للصحافة الاستقصائية

تضيق الحريات ولا تتوقف المطالبات بتعديل التشريعات القاتمة والتي تُستغل بنودها القانونية ضد الصحفيين أكثر من صون حرياتهم وحقوقهم. ولضمان السلامة القانونية، على الصحفي أن يتسلح بالثقافة القانونية عموماً، لا سيما ما يقع في إطار العمل الصحفي ومحدداته كما وردت في النصوص القانونية دولياً واقليمياً ومحلياً.

في هذا الإطار، يقول الصحفي فادي الحسني عضو الهيئة التنسيقية لشبكة الصحفيين الاستقصائيين الفلسطينيين: "في كثير من الأحيان نجد بعض الصحفيين محبطين نتيجة وقوعهم تحت طائلة المساءلة والملاحقة القانونية، هؤلاء في غالبيتهم لم يقوموا بإجراء مراجعات مع المستشار القانوني، قبل عملية النشر. ذلك لا يعني البتة أن القانون لا يحد من الحريات ويضع الكثير من القيود على العمل الصحفي عموماً، ولكن التحصّن بنصوص القانون من قبل الصحفي، يعني أن الأخير قد أعدّ سلاحاً في مواجهة أي مراجعة سلطوية".

ويضع الحسني مثالاً بين أيدينا لذلك: "لو افترضنا أننا نقوم بالتحقيق في جريمة إهدار المال العام، وذلك انطلاقاً من اتهام بعض الموظفين الحكوميين لمدرائهم بأنهم يهدرون المال العام، من خلال منح أقاربهم بطاقات وقود حكومية لتعبئة خزانات مركباتهم الخاصة. في مثل هذه الحالة، لا بد أن نتعرف على مدى قانونية هذا الإجراء من خلال الاطلاع على النصوص المتعلقة بجريمة إهدار المال العام في القانون الفلسطيني. وسنكتشف أنها وردت في ثلاث مواد: (116أ،116ب،116ج من قانون العقوبات)، وهنا يمكننا البناء على هذه المواد الثلاثة وبخاصة الأقرب إلى الجريمة التي نحقق فيها، وهذا سيساعدنا في صياغة فرضية سليمة من الناحية القانونية".

يتابع الحسني: "ليس مطلوبًا من الصحفيين أن يكونوا خبراء قانون، لكن على الأقل مطلوب منهم جمع القدر الأكبر من المعلومات القانونية المتعلقة بالقضية مثار البحث، وذلك بالتوازي مع جمع الأدلة والشهادات والبراهين.  

يمثل قانون النشر والمطبوعات الفلسطيني رقم "9" لسنة 1995 أرضيةً هامةً للعمل الاستقصائي في الأراضي الفلسطينية، حيث تضمن العديد من المواد التي تتعلق بحرية الصحافة ومن أهمها المادة (4) والتي تشير إلى أن حرية الصحافة تتمثل فيما يلي:

أ‌-إطلاع المواطن على الوقائع والأفكار والاتجاهات والمعلومات على المستوى المحلي والدولي.

ب‌-إفساح المجال للمواطنين لنشر آرائهم.

ت‌- البحث عن المعلومات والأخبار والإحصائيات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة وتحليلها وتداولها ونشرها والتعليق عليها في حدود القانون.

ث‌-حق المطبوعة الصحفية ووكالة الأنباء والمحرر والصحفي في إبقاء مصادر المعلومات أو الأخبار التي يتم الحصول عليها سرية إلا إذا قررت المحكمة غير ذلك أثناء النظر بالدعاوي الجزائية حماية لأمن الدولة أو لمنع الجريمة أو تحقيقاً للعدالة.

ج‌-حق المواطنين والأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والنقابات في التعبير عن الرأي والفكر والإنجازات في مجالات نشاطاتها المختلفة من خلال المطبوعات.

أما المادة (6) والتي تخاطب الجهات الرسمية في فلسطين بالعمل على تسهيل مهمة الصحفي والباحث في الاطلاع على برامجها ومشاريعها، لم تتضمن حق الصحفي في الحصول على المعلومة". 

 ولتسهيل الحصول على الثقافة القانونية يمكن للصحفيين الاطلاع على هذه القائمة من القوانين والتي تعتبر الأهم، مع مراعاة القوانين المحلية لدولته أيضاً، وما يرتبط بمواضيع عمله الاستقصائي:

حق الرد وكيفية مواجهة تحدياته

وهو حق المستمع والمشاهد في إيضاح حقيقة ما أُذيع حولهما، ويأتي الرد سواء بإيضاح ما تم عرضه، أو بتكذيبه، أو بإضافة بعض المعلومات على الخبر، أو طلب حذف بعضها، كما أن حقّ الردّ مقرّرٌ للنّاس كافّة بلا تمييز.

يقول الحسني: "واحدة من أهم مكونات التحقيق الاستقصائي والتي لا يكتمل التحقيق إلا بها بصفتها معياراً أساسياً لموضوعية وتوزان الطرح، هي مواجهة الأشخاص المتهمين بشبهات الفساد، أو المتقاعسين عن إنفاذ القانون، أو ممن يستغلون المنصب العام لخدمة المصالح الخاصة. لا يفترض أن يتجاهل الصحفيون الاستقصائيون، الأشخاص المتهمين أي كان شكل التهم الموجهة إليهم، ومهما كان حجم الأدلة الدامغة التي يمتلكها الصحفيون وتثبت تورط المتهمين"، وأضاف: "يفترض في التحقيقات الاستقصائية، أنها بمثابة بلاغ للنائب العام حتى يحقق في نتائجها ويستدعي المتورطين للتحقيق معهم وبخاصة إذا كانوا رجال دولة، غير أن ذلك لا ينفي أن يواجه الصحفيون الأشخاص موضع الاتهام".

ويؤكد أن حق الرد هو حق مكفول قانوناً، وإغفاله يعد تشهيراً بالأشخاص. ولهذا فإنه من حق الأشخاص الذين تدور حولهم التهم أن يقدموا رداً على ما ورد بحقهم خلال التحقيق، وذلك من خلال طرق مختلفة:

  • اللقاء الوجاهي.
  • الاتصال الهاتفي- الاتصال الالكتروني.
  • المراسلة عبر البريد الإلكتروني.  

تتطلب الطرق الآنفة، من الصحفيين ذكاء وحنكة ودبلوماسية عالية في ترتيب مواعيدهم لمقابلة الأشخاص المتهمين وبخاصة أصحاب المواقع الحساسة، ولهذا فإن خلق الاستعداد المسبق –أثناء التعريف بأنفسنا بأننا صحفيين استقصائيين ونرغب في التحقيق في قضية ما- غالبا ما يؤدي إلى فشل إجراء المقابلة، وتعذر الحصول على الرد. لذلك يمكننا طلب مقابلة هؤلاء الأشخاص من دون الإفصاح عن الكثير من القضايا المنوي طرحها على الطاولة".

إقرأوا المزيد: كيف يحمي الصحفيون أنفسهم من الهندسة الإجتماعية والقرصنة الرقمية؟

أما في حالة الرفض، يقول الحسني: "كيف يمكن أن نواجه هؤلاء الأشخاص إذا استنفذت الطرق الثلاثة السابقة، ورفضوا تقديم الرد؟

تحتم علينا الموضوعية في الطرح، أن نحاول ما استطعنا الحصول على الرد، غير أنه في حال تعذر ذلك، علينا المحاولة بالحصول على إقرار خطي من الشخص ذاته يفيد بامتناعه عن الرد، وعلى الصحفي أن يوضح ذلك أثناء التحقيق، وذلك لضمان نزاهة وشفافية التحقيق من ناحية، وعدم التعرض للملاحقة القانونية من ناحية ثانية.

ويُرجح الصحفي الحسني احتمالية أن يرفض الشخص المتهم منح الصحفي إقرارا خطياً بالامتناع عن الرد، وهنا تصبح الأمور أكثر تعقيدا، ما الحل إذاً؟

 يُجيب:" مر بعض الصحفيين الاستقصائيين في مواقف مشابهة، غير أنهم تصرفوا بفطنة عالية، إذ أنهم قاموا باتباع سياسة ما يعرف بـ "الأمر الواقع"، حيث واجهوا الأشخاص المتهمين فجأة ومن دون سابق إنذار أو ترتيب موعد أثناء حضورهم أو مغادرتهم لمؤسساتهم، وبوضعهم في مواجهة مباشرة مع الكاميرا للتوثيق.   

لم يسبق أن فشلت قصة استقصائية نتيجة امتناع المصدر عن الحديث، وبخاصة إذا ما قمنا بإقناعه بضرورة أن يقدم وجهة نظره حيال ما يوجه إليه من تهم، لأن غيابه سيعطي فرصة ومساحة أوسع للآخرين لأن يقولوا كل شيء.  

ولكن ذلك يعتمد بشكل أساسي، على قدرة وأسلوب الصحفي على إقناع المصدر".

أماني شنينو هي صحفية مستقلة من قطاع غزة، فلسطين وتهتمّ بالإعلام الرقمي 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ترانت إروين.