مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان.. بين حريّة التعبير والقوانين

Dec 29, 2020 en الإعلام الإجتماعي
صورة

اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان منذ مطلع العام 2020 بسبب الأحداث المتتالية والتراجع الكبير في وضع البلاد اقتصادياً واجتماعياً. ومع تدهور الاحداث على الأرض ازدادت حدّية الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر وغيرها من المنصّات الالكترونية التي سمحت للناشطين وللصحفّيين بالتعبير عن رأيهم حيال ما يحدث حولهم.

وهنا برزت إشكالية كبيرة تمثلّت في الصراع ما بين حريّة التعبير وخرق القوانين والدساتير. فقد نصّ الدستور اللبناني في مقدمّته وتحديدًا في البند "ج" على أنّ "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد". في حين ينصّ قانون العقوبات اللبناني في المادّة 384 منه على التالي: "من حقّر رئيس الدولة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين". وتفرض العقوبة نفسها على من حقر العلم أو الشعار الوطني علانية بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209، التي ذكرت أنه "تعدّ وسائل نشر الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل".

وهنا يقع الإلتباس الكبير، إذ أنّ بعض الناشطين والصحفيّين والمدوّنين يعتمدون على هذه المادة للقول إن وسائل التواصل الإجتماعي ليست واردة في المادّة المذكورة وبالتالي فإن سقف الحريّة عالٍ جدًا على المواقع الإلكترونية، غير أنه وما لا يعرفه كثر هو أنه في العام 2018 أضيف على تلك المادّة الجملة التالية: "بما فيها الوسائل الالكترونية".  وقد عدلّت بتاريخ 18-10-2018 ونشرت في الجريدة الرسمية.

وبهذا أصبح القضاء اللبناني يعتمد على هذه المواد القانونية لتجريم مواقع التواصل الإجتماعي وسط غياب قانون ونصّ يرعى هذا المجال الإلكتروني بشكل حاسم. الأمر الذي يترك الغالبية العظمى من المدوّنين والناشطين والصحفّيين في حالة من التحفّظ على إقرار هكذا قانون من شأنه الحدّ من حريّة التعبير والصحافة.

بناءً على هذا الواقع، كيف نكتب وكيف نعبّر عن آرائنا من دون التعرّض للملاحقة القضائية؟ وهل التعرّض لرأس الدولة أو لرئيس الجمهورية يحمل العقاب نفسه في كل الدول؟

إذا نظرنا الى مقدّمة الدستور الأميركي على سبيل المثال لا الحصر لرأينا مثلاً أن لا ضوابط للحريّة وأن الدستور يحمي هذا الحقّ المطلق وفي الممارسة نرى أن التعرّض لرئيس الجمهورية أمر عادي لا بل سخيف في بعض الأحيان، فنجد في تغريدات فنّانين ومشاهير على موقع تويتر مثلاً تعرّضاً بالمباشر للرئيس دونالد ترامب واتّهامه بألفاظ ونعته بصفاتٍ عادة لا يجرؤ أحد على التوجّه بها الى رأس الدولة.

في الدول العربية الأمر يختلف إذ أن الدساتير نصّت على احترام المواقع العليا للبلاد حفاظاً على هيبتها وهناك أمثلة عديدة حصلت في هذا السياق عرّضت أصحابها إلى عواقب كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلى الأحكام بالسجن مدى الحياة.

وفي هذا السياق، أوضح  رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية، الخبير القانوني والمحامي اللبناني بول مرقص، في حديث لشبكة الصحفيين الدوليين أنّ "معدّل الإستدعاءات لمواضيع تتصّل بحريّة الرأي والتعبير والإعلام ارتفعت من 6% في العام 2015 إلى 34% في العام 2019 وانخفضت قليلاً في العام 2020 بسبب كورونا والإقفال وغيره". وأضاف: "كان العام 2020 من بين أكثر السنوات تراجعاً لناحية الحرّيات العامّة في لبنان خاصة في الفترة الممتدّة بين تشرين الأول/أكتوبر 2019 والشهر نفسه من العام 2020. بسبب زيادة الإستداعاءات الناتجة عن المظاهرات والسخط الشعبي على وسائل التواصل من الوضع المعيشي". 

أما حول الأسباب الرئيسية للإستدعاءات فهي: القدح والذمّ، تحقير رئيس الدولة، إثارة النعرات الدينية والطائفية.

والجدير ذكره أنّ لبنان خسر نتيجة هذه الإستدعاءات والممارسات مراتب عديدة لناحية مؤشّر الحريّات العامة وحرّيات الصحافة في البلاد، ويمكن الإطلاع على جدول التقييمات بحسب أربعة مؤشرات لمعظم دول العالم.

وفيما يلي بعض الإرشادات للكتّاب والمدوّنين من أجل إدراك كيفية الكتابة من دون تعريض أنفسهم للملاحقة:

أولاً: قبل الكتابة عن أي ملفّ، يجب تكوين قاعدة واسعة من البيانات حوله وإجراء بحث معمّق للحصول على الوثائق والمعلومات الوافية والشاملة في حال تمّت مراجعتهم القانونية في هذا الخصوص.

ثانيًا: الإطّلاع على القوانين والنصوص في كل دولة قبل الكتابة عنها أو فيها. فالثقافة القانونية هي مسألة ضرورية لكلّ كاتب أو مدوّن.

ثالثًا: التعبير عن الرأي قولاً وفعلاً لا يعني بالضرورة التعرّض للكرامات أو المقامات بشكل شخصي. فالدخول في متاهات التسميات من دون وثائق ودلائل دامغة يعرّض الكاتب(ة) للمساءلة أمام القانون.

رابعاً: استشارة أحد الخبراء في القانون عند الكتابة في ملفّ شائك قد يعرّض الكاتب للملاحقة القانونية والتأكد من كيفية التطرّق إلى هذا الملف وكيفية الإستعانة بالنصوص القانونية والشواهد العلمية.

خامساً: استخدام المراجع وذكرها والتحصّن بالقانون الذي يرعى الحرّيات العامّة قولاً وكتابةً في البلد الذي ستتّم عملية النشر فيه والتأكد من عدم تعريض صاحب المقال إلى الملاحقة القانونية في حال الكتابة في هذا الملفّ.

سادساً: الإنضمام الى جمعيات أو مؤسسات غير حكومية يكون هدفها العمل على صون الحريّات العامة والحريّات الصحفية والإنخراط في أنشطة هذه المنظمات ممّا يعزّز الثقافة القانونية للصحفي أو الكاتب أو المدّون ويخلق نوعاً من التحالف بينه وبين زملاء في المهنة.

بإمكان هذه الخطوات أن تجنّب صاحبها الكثير من التبعات القانونية والملاحقات كما تحفظ حقّ الناشر وتحصّنه في وجه أي ملاحقات أو مضايقات.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة ميراكيست