لا شك في أنّ الاستجواب الصحفي يعتبر من الأجناس المهمة في مجال الإعلام بجميع أنواعه، وهو من الأجناس الصحفية النبيلة المستقلة بذاتها، لأنه يقترب من الموضوعية والمصداقية، لخلوه من أي تعليقات يمكن أن تؤثّر في صحته، فالصحفي يستقي المعلومة من المصدر بدون أي وسيط، وهذا بحد ذاته عامل مساعد في تحقيق السبق الصحفي.
من جهة أخرى، فالاستجواب -أي المقابلة الصحفية- له تقنيات عديدة يجب على الصحفي الإلمام بها قصد إنجاح الحوار الذي سيجمعه بضيفه والحصول على إجابات واضحة للأسئلة المطروحة.
سنعرفكم في الأسطر التالية على بعض أهم المهارات العامة المتعلقة بالاستجواب الصحفي، التلفزيوني على وجه التحديد:
مرحلة التحضير للاستجواب:
- يتعين أولا تحديد الهدف من إجراء الاستجواب - اللقاء (تفسير ملابسات قضية تشغل الرأي العام أو يشوبها الغموض، اقتناص معلومات جديدة وحصرية، الحصول على آراء ومواقف وشهادات شخصية من طرف المستجوَب حول إحدى الأحداث الراهنة...)
- الإعداد القبلي يستلزم جمع البيانات المتعلقة بموضوع الاستجواب وترتيبها بحسب التوقيت الزمني إذا اقتضت الضرورة، مع الإحاطة بالمعلومات والأخبار الهامشية التي لديها صلة وثيقة بالموضوع.
- يجب الحرص على الدقة في اختيار الضيوف المستجوَبين ومعرفة مدى قربهم وانفتاحهم على الموضوع المراد مناقشته، حتى يعطوا قيمة مضافة للحوار.
- يتم الاتصال بالشخصية المراد إقامة لقاء معها للاتفاق على موعد ومكان المقابلة (أحيانا يكون التصوير خارج الأستوديو)، ويجب الحصول على تأكيد من طرف الضيف.
- عموما، لا يتم تزويد الضيف بالأسئلة، ويكتفي الصحفي بإطلاعه على المحاور التي سيتطرق إليها خلال المقابلة، ولكن الأمر يتوقف في النهاية على الخط التحريري للقناة، فهناك قنوات تزود الضيوف بالأسئلة والعكس صحيح.
- لا مناص من إعداد "موجه قبلي" conductor وهي وثيقة تحدد المدة الزمنية للقاء، وتقسم فيها الأسئلة إلى محورية وفرعية مع ترتيبها، كما أن الموجه يسهل التنسيق بين المخرج والصحفي.
- يستحسن الاستئناس بالأسئلة التي يطرحها الشارع، ويبقى الصحفي منتدبا من طرف الجمهور، فهو لا يطرح الأسئلة انطلاقا من تصوراته، بل هو ناطق باسم الجمهور ومتحدث باسمه.
- يتحتم تجنب استهلال أسئلة الاستجواب الصحفي بإعطاء حصيلة، وإنما تُدرج ضمن الموضوع المطروح لجعل الضيف يتفاعل مع التقييم وبالتالي خلقُ انطلاقة للاستجواب.
مرحلة القيام بالاستجواب:
- الارتياح في التقديم يخلق وهج الحضور لدى الصحفي، لذا يجب عليه أن يكون واثقا من نفسه بدون أن تظهر عليه علامات الارتباك أو التوتر، ويراعى اختيار الهندام المناسب، فيحرص الصحفي على منظر يجسد الجدية والمهنية.
- يتعين على الصحفي عدم قراءة الأسئلة مباشرة من الورقة، وعليه أن يكون ملما بموضوع الاستجواب، وتبقى الورقة مجرد وثيقة جانبية يعود إليها عند الحاجة الملحة.
- على الصحفي الانتباه والتركيز مع أقوال المستجوَب، لأن أكبر خطأ قد يقع فيه هو الشرود الذهني والسهو اللذان يجعلانه يفوت بعض النقاط المهمة، مما قد يعرضه لموقف محرج.
-الصحفي الذي لا يفرض حضوره أو الغير المتمكن من الموضوع يكون ضحية للمستجوَبين، خصوصا المحنكين منهم وأصحاب التجربة.
- يجب التدرج في طرح الأسئلة خلال الاستجواب، فمن المستحب أن يبدأ الصحفي بسؤال عام له نهاية مفتوحة ثم يخلص إلى أسئلة جوهرية، وهذا يدخل ضمن خانة التمهيد باستعمال الاستنباط.
- يجب أن تكون الأسئلة دقيقة وجريئة بحيث تجعل المستجوَب يعطي المعلومة للصحفي بدون قصد أحيانا.
- لا بد من توخي الطرح والطرح المضاد لخلق حرارة في الحوار، وهذا يعتبر عنصرا مهما خلال الاستجواب.
- يجب الانتباه خلال الاستجواب إلى الإشارات التي تتطلب طرح أسئلة جديدة تخدم الموضوع، لم يكن قد فكر بها الصحفي مسبقا.
- لا ينسى الصحفي طرح السؤال المركزي الذي عُقد الحديث من أجله، مع طرح أسئلة صغيرة تكميلية، ولا يتخلى عن سؤال معين يعتبره محوريا عندما تجيب الشخصية "لا تعليق" أو تحاول التهرب بكيفيات أخرى.
- لا يخشى الصحفي طرح سؤال ما لمجرد اعتقاده أنه قد يسبب إحراجا للضيف، ويمكن اللجوء في بعض المرات إلى تغيير اتجاه الحديث عن طريق تأجيل طرح الأسئلة الحساسة.
- يستحسن أن يختم الصحفي الاستجواب بأسئلة لا تحتمل أكثر من جواب واحد، بطريقة مباشرة و"مستفزة" (مثال: "هل أنت مع أو ضد؟"، "لم يتبقّ لدينا وقت، الرجاء تقديم جواب في ثوان").
تجدر الإشارة في نهاية هذه الأسطر إلى أن الممارسة الفعلية والمتكررة للاستجواب من طرف الصحفيين الناشئين ستمكنهم مع مرور الوقت من تطوير حس نقدي وفطنة عالية لإدارة الحوار بنجاح والوصول إلى الأهداف المرجوة، وسيعينهم في ذلك الاحتكاك بأهل الاختصاص و مخالطة شخصيات من مختلف المشارب السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام المجاني على بيكسهير