تحوَّل العنفُ المنزلي من شأنٍ عائليٍّ خاص، إلى قضيَّةٍ عامة، إبان ارتفاعِ مُعدلاته في العديد من دول العالم خلال جائحة كوفيد – 19، وبحسب منظمة الصحة العالميّة، فإن البيانات والأرقام ما زالت نادرةً بهذا الشأن، غير أن التقارير الواردة من جميع أنحاء العالم تُشيرُ إلى زيادة كبيرة في حالات العنف المنزلي المتصلة بالجائِحة.
ولمساعدة الصحفيين على تقديم أفضلِ تغطيَّةٍ لهذه القضايا التقت شبكة الصحفيين الدوليين، بنادين النمري، وهبة الله عبيدات، وهُما صحفيتان مختصتانِ بصحافة حقوق الإنسان، وأنجزتا العديد من القِصص المُتعلقة بقضايا المرأةِ والطفل.
- الثقافة القانونيّة:
تقول النمري، والتي حصدت العديد من الجوائز الصحفيّة إنَّ على الصحفيين معرفة القوانين المحليّة والإتفاقيات الدوليّة الدوليّة المتعلقة بالعنف المنزلي، والعنف المبني على النوع الاجتماعي والمعنيّة بالفئات الأكثر ضعفًا؛ ليتمكنوا من تشكيلِ مرجعيَّةٍ قانونيَّةٍ عند الكتابة تُظِهرُ موضع الخلل، سواءً في القانون أو التطبيق.
وتتفق معها عبيدات التي تعمل مع الوكالة الفرنسيّة لتطوير الإعلام بضرورة معرفة الصحفيين بالجانب التشريعي وتسليط الضوء عليه خلال عرض القصة، وتجنب سؤال الناجيين من العنف عن آرائهم في القوانين؛ لأن مثل هذه الأسئلة توجه للمختصين.
- ضع نفسك مكان الناجي:
توضح النمري أن من الضروري تقمص الصحفيّ لدور الناجي أو الناجيّة، وعليه التفكير قبل طرح أي سؤال قبل طرحِ أي سؤال فيما إذا كان سيتقبل هذا السؤال أو الطريقة أو الأسلوب، لو كان مكانه.
- اختر أسئلتك بعنايّة:
ترى عبيدات أنَّ بعض الصحفيين يعجزون عن انتقاء أسئلتهم بعناية؛ مما يدفعهم لتوجيه سؤالٍ مثل "كيف شعرت أثناء تعرضك للعنف؟" أو "ما هو شعورك الآن؟"، وهو ما يجب تجنبه، إضافةً لإعطاء المساحة الكافية للناجية للحديث براحة.
- دع الناجي يحدد مكان وموعد المُقابلة:
تتفق الصحفيتانِ على أنَّ اختيار المكان والوقت سيشعرانه بالارتياح ويساعدانه أثناء المُقابلة، وإن لزِمَ الأمر فقم بإجراء المُقابلةِ عبر الهاتف، اختر المُناسب له، والذي سيساعده على الحديثِ بشكلٍ جيّد.
- لا تنشر أسماءهم أو المعلومات المُضرةِ بهم:
تؤكد عبيدات وجوب عدم نشر أسماء الناجين حتى لو لم وافقوا على ذلك؛ لأنهم قد يجهلون تبعات الإفصاح عنها، على الصحفيين الاكتفاءُ بالأسماء المُستعارة.
وتضيفُ النمري إلى حديثِ زميلتها ضرورة التوقف عن نشر القصة أو تأجيلِ موعد نشرها، أو عدم نشرِ جزئياتٍ منها، في حال كانت تضر بالناجي، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار عدم تأثير المادة أو المعلومات الموجودة فيها بأي طريقة سلبيّة عليه.
- التأكد من موافقة الناجي على إجراء المقابلة:
تشير النمري لضرورة التأكد من وجود إرادة وموافقة حُرة ومستنيرة للشخص على إجراء المُقابلة، وحين إجرائها مع حدث (ما دون السن القانونيّ) علينا التأكد من موافقة وليّ الأمر والناجي نفسه؛ لأن موافقة ولي الأمر لا تكفي، إضافةً لتجنب إجراء المقابلات خلال حالات الصدمة.
- رافق الأخصائيّ الاجتماعيّ:
وتتابع أنه في بعض حالات العنف الأسري الشديدة يُفضَل وجود الأخصائي الاجتماعي؛ للتمهيد للموضوع ولفت نظر الصحفي في حال طرح أسئلة تضر بالناجي أو بحالته النفسيّة، وفي بعض الحالات إذا ذهبت لبيت الضحيّة يفضل أن ترافق مُقدم خدمة، حتى لا تتعرض للخطر، ولكسر جمود العلاقة مع هؤلاء الأشخاص.
- ابنِ ثقةً بينك وبينهم:
توضح عبيدات أنَّ على الصحفيين بناء الثقة مع الناجيين؛ ليتمكنوا من الحديثِ بشكلٍ مريحٍ وواضح؛ وتجنب طابع (السؤال والجواب)، إضافةً للتحدث بلهجة الناجي وبالطريقة التي تُريحه.
- تحلى بالأخلاقيات:
تُذكّر الصحفيتان أنَّ من غير الأخلاقيّ مقابلة الأشخاص أثناء مرورهم بمرحلة الصدمة؛ وتمييز الصحفيين بين أسئلة الناجية والمسؤول وعدم الخلطِ بينهما والتحلي بالأخلاقيات أثناء طرحها.
- لا تسعَ للسبق:
تشدد النمري على ضرورة ربط القضيّة الخاصة بالوضع العام؛ لأن الهدف ليس نشر الإثارة أو طلب الشهرة، وإنما تسليط الضوء على مشكلة مُعينة قانونيّة أو إجرائيّة لتعديلها، من المهم البحث في القوانين ، والتركيز على تحقيق المصلحة الاجتماعيّة، وعدم استخدام أوجاع البشر لجلب القراءات.
وتؤيدها عبيدات بقولها إنّ هناك فرق بين من يبحث عن السبق وبين الصحفي الذي يسعى لنشر الحقيقة وبيانها، كما أنَّ الهدف الرئيسي ليس تحقيق السبق الصحفي.
- احذر وأنسِّن المادة:
تعتقد النمري أنَّ على الصحفيين أن يكونوا حذرين حين عرض وجهة النظر الأُخرى، حتى لا تُعطى منصة للجاني لتبرير عنفه.
وتلفت عبيدات إلى وجوب أنسنة المادة، إذ أنه لا يوجد حياد في مثل هذه القضايا، "كُن إنسانًا بطرح هذه القصة".
- احمِ نفسك وانتقِ مصطلحاتك:
تُبيّن النمري أنَّ على الصحفي حماية نفسه والحرص على سلامته وسلامة ومصلحة الناجي وانتقاء المصطلحات في التقرير بحيث لا تُسبب وصم للمعنفين.
- عُد لحياتك الطبيعيّة:
وترى أن من الممكن أن تؤثر مقابلة أشخاصين معنفين على الحالة النفسيّة للصحفي، ويبدأ بإسقاطات على نفسه؛ لذا فإن من المهم أن يهتم بحالته النفسيّة ويحاول الفصل، وعليه العودة لحياته الطبيعيّة إبان إنهاء عمله؛ لأن عيش الحالةِ بشكلٍ كبير قد يؤثر على مهنيّة قصته.
وتلخص الصحفيتان المعيقات التي قد تواجه الصحفيين أثناء العمل على تغطيَّةِ قضايا من هذا النوع بـ:
- التعرض لهجوم من عائلة الناجي، أو مضايقات هاتفية لعدم نشر القصة؛ لذا حافظ على السريّة أثناء العمل.
- بعض الأرقام قد لا تكون متوفرة.
- صعوبة إيجاد الحالات أو الوصول لها.
وتزداد المشاكل وصعوبة الوصول لهؤلاء الأشخاص خلال الأزمات، وهناك استعجال أكثر خلف القضايا والسبق، مما يدفع بعض الصحفيين للتخلي عن مهنيتهم ومبادئهم أثناء تغطيّة قضيا العنف المنزلي، بحسب النمري.
الصورة الرئيسية عن العنف المنزلي حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش