تجارب استقصائية ضغطت على صانعي القرار لاتخاذ قرارات حاسمة

Dec 23, 2018 en الصحافة الاستقصائية
صحفيون استقصائيون

لا تتوقف وظائف الصحافة الاستقصائية عند البحث في ملفات الفساد والسلوكيات غير السليمة أو نشر الأخبار الدفينة التي تسعى جهة ما إلى إخفائها عن الرأي العام، بل تمتد وظائفها إلى كونها أداة ضغط مهمة على الجهات المسؤولة لاتخاذ قرارات رادعة أو حاسمة.

وفي هذا الصدد، قابلت "شبكة الصحفيين الدوليين" صحفيين استقصائيين وتعرفت منهم على تجاربهم الناجحة في انتاج أعمال استقصائية ضغطت نتائجها على الجهات المسؤولة لاتخاذ إجراءات إصلاحية، بعدما تشكل رأي عام يتبنى نتائج تحقيقاتهم داخل مجتمعاتهم العربية.

تمكنت الصحفية الأردنية حنان خندقجي، صاحبة المركز الأول بجائزة دبي للصحافة فئة التحقيقات الإنسانية وجائزة أريج لعام 2012، من إنجاز عدة أعمال استقصائية كان لها الأثر الأكبر في محاسبة بعض الفاسدين وتشكيل صحوة مجتمعية تجاه قضايا عالجتها في تحقيقاتها.

وكان آخر أعمالها تحقيق "تلال مشعة" الذي يرصد مدى الضرر البيئي والصحي الذي سيلحق بسكان منطقة الرصيفة نتيجة إزالة تلال الفوسفات بطرق بدائية، إضافة لتحقيق يرصد الانتهاكات الجسدية واللفظية والجنسية التي يتعرض لها الأطفال ذوو الإحتياجات الخاصّة بمراكز الرعاية.

وحظي تحقيق دور الرعاية باهتمام خاصة من ملك الأردن الذي عمل على تشكيل لجنة خاصة لمحاسبة المقصرين، وأغلق على إثره العديد من المراكز التي تنتهك حقوق ذوي الإحتياجات الخاصّة.

وأنجزت خندقجي تحقيقًا عن آلية تهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري وكان من نتائجه الفورية تغير مدير المخيم وضبط العملية الأمنية داخله.

ولا ربط بين مجال العمل الاستقصائي سواء كان "حكوميًا، سياسيًا، اقتصاديًا، بيئيًا أو مجتمعيًا..." ومدى استجابة السلطات لنتائجه.

وعلى ذلك تعلق خندقجي بالقول: "تكمن القوة الضاغطة في تأثر المجتمع المحلي بالقضية ثم تشكل جبهة ضغط عامة على صاحب القرار، كذلك قوة الضغط تأتي من قوة المؤسسة التي تتبنى التحقيق على سبيل المثال إعلامًا خارجيًا".

وكان للصحفي الفلسطيني محمود هنية تجربة مثيرة عندما كشف في تحقيقه "الصيد في حوض الميناء" عن مخالفات قانونية يتشارك بتنفيذها جهاز الشرطة البحرية في غزة، فكان من نتائج ذلك أن شكّل المجلس التشريعي لجنة تقصي حقائق أوصت بإحالة مسؤولي الجهاز إلى التحقيق القضائي.

ونال هنية جائزة أريج للصحافة الاستقصائية على مستوى الوطن العربي للعام 2018 ثم جائزة النزاهة ومكافحة الفساد "أمان" محليا.

ويرى هنية أن تمكن الصحافة من ممارسة دورها كسلطة رابعة يشجع السلطات الأخرى على استعادة دورها بالمحاسبة والمراقبة، موضحًا ذلك بالقول: "اليوم السلطة التشريعية تلتقط ما قدمته الصحافة الاستقصائية حول قضية فساد تتعلق بالصيد في المناطق المحظورة صحيا وقانونيا".

ويشير هنية إلى أن دور الصحفي الاستقصائي هو تقديم بلاغ للرأي العام حول قضية ما وعندما يتبنى الجمهور القضية يصبح من واجب السلطات التعامل معها، وإذا لم تتعامل فستصبح في موطن المواجهة والاتهام أمام المجتمع المحلي.

وكذلك نجح الصحفي السوري مختار الإبراهيم من تنفيذ تحقيقات ذات نتائج قوية كان أبرزها تحقيق "أطفال بلا نسب" الذي أنجزه مع زميلته نسرين علاء الدين بعام 2016، فبعد نحو شهرين من نشره شرعت الحكومة السورية قانونًا لرعاية مجهولي النسب.

ويقول الإبراهيم: "أحيانا تعالج التحقيقات خللاً تشريعيًا كما في أطفال بلا نسب، وأحيانا كشف فساد كما تحقيق الاغتراب المزدوج، وفي كلا التحقيقين كان هناك رجع صدى مؤثر في إحداث تغيير إيجابي من خلال تغيير تشريعات تخدم المواطن.. وهذا ما يجب أن يطمح له الصحفي الاستقصائي".

"كلما كانت فكرة التحقيق دقيقة وفرضيته مصاغة بشكل محكم، تكون النتائج المتوقعة أشد وطأة على المتسببين بالمشكلة، وأقصد هنا صناع القرار والفاسدين"، يضيف الإبراهيم، مبينا أنه بإمكان الصحفي أن ينجز عملاً استقصائيًا قويًا إذا لم يرسم لنفسه خطوطًا حمراء وامتلك الحد الأدنى من الشجاعة.

يذكر أن تحقيق الاغتراب المزدوج قد نال جائزة أفضل تحقيق استقصائي عربي 2014، أما أطفال بلا نسب فنال المركز الثاني 2016، وذلك بجائزة أريج السنوية.

إنجاز غير مسبوق

ولا تزال أصداء تحقيق "S17 ضحايا مزاج الداخلية" الذي أنجزته الصحفيّة أمل المكي، تتردد في الشارع التونسي إذ كشفت بتحقيقها انتهاك وزارة الداخلية لحق عشرات الآلاف من التونسيين في التنقل بالسفر خارج البلاد أو التنقل بين محافظات الجمهورية.

وتقول: "كان للتحقيق صدى إعلاميًا وشعبيًا كبيرًا باعتباره أول عمل صحفي يتناول الموضوع في ظل حالة الطوارئ المستمرة في البلاد وخوف الصحفيين من تناول مواضيع قد تعرّضهم للاتهام بالإخلال بالأمن العام".

وأيضا تعتبر المكي أول صحفية تونسية تستخدم حق النفاذ إلى المعلومة، إذ كسبت قضية ضد وزارة الداخلية عندما حكمت هيئة النفاذ إلى المعلومة لصالح الملكي بإلزام الداخلية بتزويد الصحيفة من الإحصائيات الرقمية المتعلقة بعدد المواطنين المعنيين بإجراء S17.

وقد حصل التحقيق مؤخرًا على جائزة أفضل تحقيق استقصائي لعام 2018 عن فئة الملتميديا في المؤتمر الثالث لمكافحة الفساد في تونس.

ومن أجل الخروج بعمل استقصائي قوي تنصح المكي بداية بالبحث عمّا لم يقل أو لم يخض فيه الإعلام مسبقا بشكل جيد، ثم البحث عن التفاصيل التي تحول الموضوع لقضية تشغل الرأي العام المحلي.

وثالثا تنصح المكي بالتحلي بالصبر والتثبت من كل المعلومات ومقابلة المصادر، "فيمكن لسهو بسيط أو معلومة واحدة خاطئة أن تضيع عمل أشهر فتجرّح في التحقيق وتفقد صاحبه مصداقيته".

وختاما تؤكد المكي على ضرورة تنويع المصادر والبحث عن الأرقام بما يضمن إضفاء الشمولية على التحقيق.

اقرأ أيضًا على شبكة الصحفيين الدوليين تعلّم قواعد الصحافة الاستقصائية مع دليل مهني جديد