من حيث الشكل، فالبلاغ الصحفي يعتبر من الإسهامات الخارجية التي تَرد على هيئة تحرير مؤسسة إعلامية ما، وهو يشكّل مصدراً خصباً للأخبار، حيث تعكف الوزارات والجمعيات المدنية والنوادي الرياضية والمؤسسات الاقتصادية على إرسال بلاغات إلى الصحفيين سواء من أجل الإخبار عن نشاط قادم، أو لإبداء الرأي في حدث معين، أو لإيصال "البيان" لتوضيحٍ ما أو للرّد على شخص أو مؤسسة ما.
وكون البلاغ قادماً من خارج المؤسسة الصحفية فهو يحتمل الكثير من النقاش حول آداب المهنة، كما يقول الأستاذ جمال الدين ناجي في كتاب "موجز آداب المهنة"، فإن إخراج البلاغ بحذافيره أو بنشر مقتطفات منه وما يتطلبه ذلك من مراعاة دقيقة لمسألة الانتقاء، ثم مسألة التثبّت من موثوقية المصادر، كلها عوامل قد تعرّض الصحفي إلى إشكاليات في أخلاقيات المهنة.
إذا ما تأملنا المدوّنة الألمانية لأخلاقيات المهنة، فهي تشدّد على أن كل بلاغ صحفي صادر عن سلطات أو أحزاب أو فيدراليات أو جمعيات أو غيرها من جماعات الدفاع عن المصالح، يجب الإشارة إلى كونه بلاغاً بمجرد نشره من قبل هيئة التحرير من غير معالجته أو التعديل عليه.
إلا أن ما ورد في المدونة الألمانية حول نشر البلاغ دون معالجته، لا ينطبق على الكثير من الصحف المعروفة في العالم العربي، فمثلاً غالبية الجرائد المغربية (المساء- الصباح- هسبريس) وغيرها تقوم بتحرير لغة البلاغ ولا تنشره كما أتى في البداية، والأمر نفسه ينطبق على صحف عربية أخرى كالشرق الأوسط والقدس العربي.
حاورت شبكة الصحفيين الدوليين الصحفي في موقع هسبريس طارق بنهدا لمعرفة رأيه في الموضوع، وقال بنهدا بأنه يتلقى العديد من البلاغات بشكل يومي من جهات مختلفة قد تكون رسمية أو غير رسمية، وأنه يتأكد من موثوقية البلاغ بالعودة إلى البريد الإلكتروني للمرسل، أو عبر التواصل معه هاتفياً من أجل التأكّد، ثم الاطلاع على مضمون البلاغ والتثبت من التوقيع "الذي يجب أن يكون مختوماً" مع مراعاة تاريخ الإصدار.
وبخصوص طريقة تحرير البلاغ، يشير بنهدا إلى ضرورة جرد أهم المواقف التي يتبناها البلاغ والرسائل التي تريد الجهة المرسلة إيصالها إلى الرأي العام، ثم ربط البلاغ بالسياق الحالي من أجل إنتاج مادة إعلامية، وأحياناً كثيرة، يمكن الاتصال بالجهة المرسلة للبلاغ من أجل تأكيد نقط معينة أو إضافة نقط أخرى، فضلاً عن أن طريقة تحرير البلاغ في إطار نوع صحفي معين (استطلاع أو تقرير مركب أو غيره)، قد تفرض لينا الاتصال بأطراف أخرى يعنيها البلاغ من أجل إخراج مادة متكاملة تشمل جميع الآراء.
ومن التحدّيات التي يواجهها الصحفي أثناء تحريره لبلاغ ما، هو اكتشافه أن هذا البلاغ، يحتوي على إشهار أو إعلان صريح سواء لمنتوج ما أو لمؤسسة ما وأحياناً لنشاط تجاري ما. في هذا الصدد تناولت المدونة المغربية لآداب المهنة التي أصدرتها في وقت سابق النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن "رفض الصحفي نشر الإشهار المبطن الذي تحاول الشركات والمؤسسات والخواص تمريره على أنه خبر".
وفي هذا الإطار، تشير مجمل مدونات أخلاقيات المهنة عبر العالم إلى ضرورة الفصل التام بين الإشهار والتحرير، وأن كل مادة إشهارية لا يجب أن تدخل في إطار الأنواع الصحفية المعروفة من خبر وتقرير ومقال إخباري وربورتاج وحوار وما إلى ذلك، وغالبًا ما يشتغل قسم الإشهار في مؤسسة إعلامية ما وحده بمعزل عن قسم التحرير. يمكنكم الاطلاع على "ميثاق الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير"، هنا
ويشير هنا جمال الدين ناجي بأنه من واجب الصحفي أن يعرّف بالمصدر المُرسِل ويحدده، ويحدد صراحة طبيعته إن كانت المادة تدخل في باب إدراج إشهاري. كذلك يجدر بالصحفي أن يكون يقظاً في المعالجة الصحفية بحيث لا يخون مضمون البلاغ ولا يحرّف الاستشهادات المأخوذة منه، مستطرداً أن للصحفي كامل الحق في نشر بلاغ أو عدم نشره، وله كامل الحق كذلك في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالشكل وطريقة المعالجة والنشر.
في الصورة طارق بنهدا، من تصوير منير امحيمدات.