إرشادات للصحفيين لكتابة قصص حول التمويل البيئي والمناخي

porهدير الحضريNov 27, 2023 en تغطية قضايا البيئة
صورة تعبيرية

في نهاية شهر أغسطس/آب 2023، حظيت بفرصة لتغطية الجمعية السابعة لمرفق البيئة العالمية، والذي يعد من أكبر الجهات المسؤولة عن التمويل البيئي والمناخي في العالم، إذ تم إنشاؤه عام 1991، ويتكون من شراكة 183 دولة و18 وكالة دولية، كما يضم مجموعة من الصناديق المخصصة لمواجهة فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، والتلوث، ومواجهة المخاطر التي تهدد صحة الأرض والمحيطات.

ويختص المرفق بتقديم المنح والتمويل لدعم البلدان النامية لمعالجة مشكلاتها البيئية والالتزام بالاتفاقيات البيئية الدولية، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، قدم تمويلًا بيئيًا قيمته أكثر من 23 مليار دولار أميركي، كما قام بتعبئة 129 مليار دولار أميركي في هيئة تمويل مشترك من مصادر أخرى لصالح خمسة آلاف مشروع بيئي على مستوى العالم.

كصحفية عربية قادمة من دولة نامية، كان لدي عدّة تساؤلات أبحث عن إجابتها، إذ تضمنت الجمعية الكثير من الجلسات عن التمويل البيئي من زوايا مختلفة، ولكن النتيجة الأبرز كانت الإعلان عن إطلاق الصندوق العالمي الجديد لتمويل التنوع البيولوجي في العالم، والذي يستهدف حشد 200 مليار دولار سنوياً بحلول 2030، وهنا كان سؤالي الأوّل: إذا كان المرفق يقدم بالفعل تمويلًا للتنوع البيولوجي منذ عقود، فما الفائدة المرجوة من إنشاء صندوق جديد؟ وكيف سيسهل ذلك وصول التمويل البيئي للبلدان المستحقة؟، هل سترتفع النسبة المخصصة التي ستحصل عليها بعض الدول وبعض المجتمعات عن غيرها؟ كيف سيتم توزيع المخصصات؟ وهنا قرّرت أن تكون تغطياتي الصحفية للجمعية من منظور هذه الأسئلة.

وكنتُ برفقة عدد من الصحفيين داخل الجمعية، لكن كان لكل منّا أولويات مختلفة في التغطية الصحفية وفقًا للبلد الذي ننتمي إليه، واحتياجاته من التمويل المناخي. على سبيل المثال، كانت الزوايا التي أتناول منها القصص تركّز على احتياجات الدول النامية من التمويل البيئي، ومدى استفادتها من التمويل الجديد، ومن هذا المنظور المحدّد تمتد التغطية إلى المنظور الأوسع وهو حماية التنوع البيولوجي كقضية عالمية تهم جميع البلدان بلا استثناء، بينما اختلفت زوايا المعالجة لزملائي الصحفيين القادمين من أميركا أو كندا، وأيضاً للقادمين من دول نامية أخرى، لكن تواجههم تحديات بيئية مختلفة.

إذًا، ستكون القصّة التي تكتبها كصحفي عن التمويل البيئي تعتمد في المقام الأوّل على الجمهور الذي تكتب له، ما هي احتياجاته وتطلعاته، وما هي القطاعات في بلدك التي تحتاج إلى دعم التمويل البيئي لها كأولوية؟ هل ستكون المبالغ المخصّصة كافية؟ وما هو الشكل الذي ستتلقى به الدولة التمويل، هل سيكون على هيئة منح أو قروض؟ وغيرها من عشرات الأسئلة.

وفيما يلي بعض العناصر الأساسية التي ينبغي على الصحفيين معرفتها قبل كتابة قصّة عن التمويل المناخي:

-ما هو التمويل المناخي ومن الذي يقدمه؟

التمويل المناخي جزء من التمويل البيئي الموجه لحماية البيئة والتنوع البيولوجي ومواجهة التلوث وتغير المناخ، وتعرفه الأمم المتحدة بأنه دعم الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو لمساعدة المجتمعات على التكيف مع آثار تغير المناخ.

ويتدفق التمويل البيئي والمناخي من الدول المتقدّمة التي لديها صناعات ضخمة، لصالح الدول النامية الأكثر فقراً وضعفًا، وضخ التمويل هنا ليس تطوعاً، بل يرتبط بشكل أساسي بمفهوم "العدالة المناخية" وتحمّل كل دولة لعواقب أفعالها، إذ أنّ الدول الصناعية المتقدمة هي المسؤولة في المقام الأول عن الانبعاثات الكربونية المسببة بشكل أساسي لأزمة تغير المناخ العالمية، بينما في المقابل هي الأقل تضررًا من الكوارث المصاحبة لتغير المناخ لأن لديها بنية تحتية قوية وإمكانيات مادية واجتماعية تساعدها على مواجهتها. وفي المقابل، تتحمّل الدول النامية العبء الأكبر لأضرار تغير المناخ نظراً لهشاشتها وضعف بنيتها ومقوماتها.

وتشير الإحصائيات الأخيرة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية - إحدى منظمات الأمم المتحدة - إلى أنّ أكثر من 91 % من وفيات تغير المناخ تحدث في الدول النامية، إضافة إلى تحملها النصيب الأكبر من الإصابات والخسائر الاقتصادية والاجتماعية، وهنا النقطة الأهم في معالجة قصص التمويل المناخي من منظور الدول النامية، إذ تحتاج إلى المال للتكيف مع "الخسائر والأضرار" التي تهدّد شعوبها، إذ أنّ هناك  10 دول متقدمة فقط تساهم في تصدير أكثر من ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تتقدمها الصين والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، في مقابل 3% فقط من الانبعاثات تصدر عن 100 دولة أخرى.

هل يفي العالم بتعهداته من التمويل المناخي؟

للأسف لا.

بدأت القصّة في عام 2009 في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، حين تعهدت الدول المتقدمة بتقديم تمويل مناخي قيمته 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية للتخفيف بحلول عام 2020، لكن التقارير والدراسات تشير إلى أنه لم يتم الإيفاء بهذا المبلغ حتى الآن.

على سبيل المثال، أفريقيا هي القارة الأكثر تأثرًا بنتائج تغيّر المناخ، ومع ذلك، وجد تقرير أصدرته مبادرة سياسة المناخ في العام الماضي، أن إجمالي التدفقات السنوية لتمويل المناخ في أفريقيا لعام 2020، لم تتجاوز 30 مليار دولار أميركي، أي 11٪ فقط من احتياجاتها، من أصل 277 مليار دولار أميركي مطلوبة سنويًا لتحقيق أهداف القارة المناخية.

ووجد تقرير "فجوة التكيف" الذي أطلقته الأمم المتحدة العام الماضي، أن احتياجات التكيف في العالم النامي تحتاج إلى تمويل مقداره 340 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، ومع ذلك، فإن التمويل الفعلي بلغ أقل من عُشر هذا المبلغ، وبالتالي تدفع المجتمعات الأكثر ضعفًا الثمن.

-ما هو الفرق بين تمويل التخفيف والتكيف؟

لا يذهب التمويل المناخي إلى هدف واحد، فهناك تمويل مناخي مخصص لـ"التخفيف" أي تقليل الانبعاثات الكربونية، وتمويل مخصص لـ"التكيف"، أي التأقلم مع المناخ الفعلي أو المتوقع وتقليل أضرار التغيرات المناخية واستغلال الفرص المفيدة.

وتشير الكثير من تقارير الأمم المتحدة والمنظمات البيئية إلى أنّ تمويل التخفيف لا زال يحتل الأولوية لدى الممولين، وبالتالي لم يتحقق بعد التوازن المطلوب بينه وبين تمويل التكيف.

كيف أختار زاوية للكتابة عن التمويل البيئي والمناخي؟

الأزمات البيئية وتغير المناخ أزمات عالمية تطال كل دول العالم، ولكن ليس بنفس الشكل والحجم، لذا إذا كنت صحفياً تعيش أو تكتب من دولة تتلقّى التمويل، ستعتمد قصتك على عدّة عناصر، مثل: ما أهمية هذه القصة لبلدك؟ ما المشروعات التي تحتاج إلى التمويل؟ كيف سيخدم هذا التمويل القطاعات الأكثر تعرضًا للمخاطر البيئية ويحمي السكان المتضررين؟ كيف سيدعم أهداف دولتك المناخية، هل سيكون على هيئة منح أم يثقلها بالديون، إلخ.

هذا لا يعني أنّ هذه هي الزوايا الوحيدة للكتابة عن التمويل المناخي، بل مجرد أفكار لزوايا قصص أكثر تحديداً واتصالًا بمجتمعك المحلّي.

-ما هي أنواع التمويل المناخي؟

ينقسم التمويل المناخي إلى ثلاثة أنواع، الأول هو التمويل العام، أي المقدم من خلال الحكومات وغالبًا يستهدف الاستثمارات والمشروعات التي تساهم في الصالح العام مثل تعزيز حماية السواحل  لحماية بعض المدن الساحلية من الغرق. والنوع الثاني هو التمويل الخاص الذي تساهم فيه المنظمات الدولية أو القطاع الخاص.

والنوع الثالث هو تمويل المنافع المناخية المشتركة الذي يعرفه البنك الدولي بأنه يدعم العمل المناخي وفي الوقت نفسه يعزز الأهداف الإنمائية، واحتل هذا النوع 62% من مشروعات البنك العام الماضي.

هل تواجه الدول النامية صعوبات في طلب التمويل؟

نعم، فالدول النامية تعاني من ضعف المبالغ المخصصة للتمويل البيئي والمناخي، لكن هذا ليس هو العائق الوحيد، إذ تواجه مشكلات أخرى تتعلق بعدم قدرة بعض الدول على تحديد حجم احتياجاتها التمويلية، وغياب كيان مركزي لحصر غازات الدفيئة فيها، وصعوبة الوصول إلى بيانات دقيقة، وبالتالي يصعب إعداد مقترحات التمويل المقبولة لدى المانحين، وهو ما ذكرته مصر في التقرير الذي قدمته لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ في عام 2018.

-ما هي أهم الدورات التدريبية التي تقدم محتوى عن التمويل المناخي؟

دورة الأمم المتحدة حول أساسيات التمويل المناخي، من موقع UNcclearn وهناك دورات أخرى متقدمة عن أنواع أخرى من التمويل الأخضر.

دورة تدريبية عن "الإبلاغ عن قصص المناخ" مقدمة من بي بي سي.

دورة تدريبية متقدمة توفرها جامعة أكسفورد للصحفيين عن "التمويل المستدام"، وتضم جزءًأ كاملًا عن التمويل المناخي وتمويل التنوع البيولوجي، ولكن هذا التدريب ليس متاحاً على الدوام بل يحتاج إلى التقديم المسبق.

دورة صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد الكلي لتغير المناخ .

ما هي أهم المنظمات التي يجب أن أتابعها لأحصل على معلومات محدثة عن تمويل المناخ؟

-موقع مراقبة التمويل المناخي climate fund update.

-مبادرة سياسة المناخ، وتقدم تقارير دورية عن حالة التمويل المناخي.

-الأمم المتحدة: تقرير فجوة الانبعاثات السنوي.

-الأمم المتحدة: تقرير فجوة التكيف.

-تقارير البنك الدولي.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة مات بالمير.