أسلوب ينبض بالحياة.. نصائح لكتابة القصص الإنسانية بلغة أدبية

Dec 18, 2023 en موضوعات متخصصة
صورة

تجربة البدء في كتابة قصة صحفية جديدة تحمل مشاعر متباينة وتأخذنا لمحطات مختلفة من تقنيات شكلت تاريخ الصحافة في عالمنا. لطالما جرت الصحافة في نهر يجاور نهر الأدب، ويصبّ المساران في النهاية في بحر واحد، مياهه المشاعر الإنسانية بغضبها وسعادتها، ومحركه هو الأسلوب الأدبي المميز.

ولتطوير أسلوبنا الصحفي وجعله أرقى وقادرًا على نقل مشاعر البشر بانسيابية وصدق، ستنقل لكم شبكة الصحفيين الدوليين نصائح كتاب أدب نجحوا في جعل الكلمات التي تصف مشاعر البشر حية، تشعر وأنت تقرأها بأنك أمام مشهد متحرك، وستعرفكم كذلك على مصادر مهمة ستساعدكم على تطوير أسلوبكم. 

طريقة مختلفة لرواية الواقع

إذا كنا نتحدث عن قصة إنسانية لا عن تقرير خبري فإنّ "اللغة الأدبية مطلوبة"، هكذا يقول لشبكة الصحفيين الدوليين محمد خير، وهو روائي وشاعر وصحفي مصري، صدرت له عدة كتب، وترجمت واحدة من روايته وهي "إفلات الأصابع" إلى اللغة الإنجليزية، مضيفًا أنّ اللغة الأدبية قادرة على الانتقال بالقصة الإنسانية من اللغة الخبرية الصارمة، إلى لغة أخرى أقل جفافًا وقادرة على نقل التجربة الشعورية لبطل أو شخصيات القصة الإنسانية، لغة تتيح للقارئ أن يتأمل ويتخيل ويشارك شعوريًا، معتبرًا الاستعانة باللغة الأدبية "ضرورة مهنية وليست من أجل منح قيمة أكبر أو أقل للمحتوى". 

ووفق خير الحاصل على عدة جوائز، منها جائزة ساويرس الثقافية لأفضل مجموعة قصصية، فرع شباب الأدباء في العامين 2010 و2015، فإنّ الصحفي يستطيع أن ينمي أسلوبه الأدبي "بالقراءة الغزيرة أولًا، ثم بعدم نسيان أنّ الصحافة هي "مهنة كتابة" في الأساس، لأنك لن تستطيع أن تنقل الخبر بطريقة صحيحة ما لم تكن قادرًا على صياغته بطريقة سليمة، وفقًا للقواعد المهنية للخبر والتقرير والتحقيق". 

ويرى خير أنّ للصحفي ميزة أخرى، وهي أنه يكتب يوميًا بحكم المهنة، وهو ما قد لا تتيحه مهن أخرى، فإذا التزم بالقراءة اليومية مع تلك الكتابة اليومية فإنّ أسلوبه لابد أن يتحسن مع الوقت والتجربة. 

وعن أهمية أن يكون الصحفي قارئًا جيدًا للأدب، يقول خير: "بالتأكيد، لأنّ الأدب في أحد أهم أوصافه هو "طريقة مختلفة لرواية الواقع"، إنها طريقة غير رسمية وغير مباشرة، تتخفى وراء التفاصيل الصغيرة وقصص الأشخاص، وتلك كلها أمور إذا تمعنت فيها ستجد أنها نفس مهام الصحافة، والفارق الوحيد أن الصحفي لابد أن يحصل على الخبر ويذيعه الآن، بينما يتمهل الأديب ويتأخر طويلًا، ويحكي القصة بطريقته بعدما تكتمل، وعبر قراءة الأدب نتعلم أن الأمور ليست دائما كما تبدو على السطح". 

ويرشح لكم محمد خير نماذج من كتاب الأدب، الذي يتميزون بالأسلوب الرشيق والإبداعي: "أرشح للصحفيين قراءة أعمال أدباء عملوا بالصحافة، أو عُرفوا بأسلوب موجز ودقيق كما يفترض بلغة الصحافة أن تكون، لهذا أرشح فتحي غانم وصنع الله إبراهيم وصلاح عيسى وجبور الدويهي ومن الأدب العالمي إرنست همنجواي". 

ويصف خير الصحفي الذي لا يقرأ الأدب بأنه لن يكون قادرًا على تقديم قصص صحفية بأسلوب مميز ويشرح: "إذا كان الصحفي "يستثقل" قراءة الروايات لطولها فعليه على الأقل أن يقرأ القصص القصيرة، ولكن لا ينبغي دائمًا أن تكون قصيرة جدًا. وإذا لم تكن تقرأ فمن أين ستأتي بالأسلوب، والصحفي الذي لا يقرأ الأدب لن يكون عاجزًا فقط عن الإتيان بأسلوب مختلف، بل سيعجز حتى عن إجادة الأسلوب التقليدي". 

حين تصبح الكتابة وجبة شهية! 

وفق أحمد مجدي همام، وهو روائي وصحفي مصري، عمل مديرًا لتحرير مجلة "عالم الكتاب"، ووصلت روايته "خدعة هيمنجواي" للقائمة القصيرة لجائزة Arablit، فإنّ الأسلوب هو ما يمكن أن يضيف قيمة أكبر للقصص الصحفية الإنسانية. ويكمل همام الحاصل على عدة جوائز منها جائزة ساويرس الثقافية لعام 2016، أنّ للأسلوب عناصر كثيرة، إلا أن اللغة تأتي على رأس تلك العناصر، ويشرح أكثر: "أظن أن تنوع مستويات اللغة، أداة من ضمن أدوات أي كاتب، سواء كان كاتبًا صحفيًا أو أديبًا. في بعض الأحيان قد لا يكفي الوصف التقريري المحايد، لنقل الحقيقة إلى القارئ بكامل وقعها. هنا يأتي دور اللغة، دور انتقاء المفردات، ثم صكها في جمل لها مفعول مضاعف، بحيث تكون كافية لنقل الحقيقة بكل ثقلها". 

لكن كيف ينمي الصحفي أسلوبه الأدبي؟ يجيب همام على السؤال قائلًا: "المسألة هنا تتوقف على حجم "المعلومات المدخلة"، والمقصود هنا بالمعلومات الثقافة التي يتشربها الصحفي الراغب في تطوير أسلوبه. لن يجني أحد أسلوبًا جيدًا ما لم يحصل على غذاء ثقافي كاف. وبالتالي أقول إن القراءة أولًا، ثم التطرق إلى أنواع أخرى من الفنون كالسينما والفن التشكيلي وغيرهما، درجات سُلم يصعد عليها الأسلوب". 

ويكمل: "عندما أقول قراءة فأنا لا أعني مجرد المرور بالعينين على السطور. وإنما أقصد، أن يقف هذا القارئ، عند كل كلمة وكل جملة لفتته، ومن ثم عليه أن يقوم بتفكيك تلك الجملة إلى عناصرها الأولية، ليعرف مكمن السحر. هل جاء من "مفارقة" أم "تضاد" أم "تناص" أو "تكثيف" أو غير ذلك من الحيل البلاغية. إذا أحببت طعامًا معينًا، فعليك أن تعرف مكوناته كافة، لا أقول لتصنع لنفسك وجبة مماثلة، وإنما على الأقل، لتحاول مضاهاتها، ومن يدري، ربما بعد ذلك، تدخل أنت، عنصرًا جديدا إلى الوجبة، فتتحول من أكلة شهية، إلى طبق لا مثيل له". 

وينصح همام كل صحفي بقراءة الأدب، لأنّ الصحفي -من وجهة نظره- إذا لم يقرأ الأدب "ستتوقف لغته عند حدود معينة، حدود بدائية على الأرجح"، ويشرح: "سأشبه اللغة هنا بالأسلاك والكابلات التي تنقل التيار الكهربائي. لو كان هذا السلك دقيقًا وله قطر محدود، فلن ينقل إلا شحنة بسيطة من الكهرباء. بالكاد تكفي لإيقاد مصباح صغير أو مروحة سقف. أما لو كان هذا السلك قويًا ويتسع لشحنات كهربائية أكبر فيستمكن من إضاءة بلد كامل، الأمر نفسه يسري على لغة الصحفي، فهناك لغة بالكاد تستطيع نقل معلومات بسيطة، وهناك مستويات لغوية أخرى بوسعها أن تدهش القارئ بما فيها من سعة وتنوع". 

وعن ترشيحاته لأدباء مميزين يمكن أن يفيدوا الصحفيين في تنمية أساليبهم الصحفية، يقول همام: "أحب لغة الروائي طارق إمام، وبالمثل أحب لغة محمد عبد النبي، وقبلهما الأستاذ الكاتب الكبير محمد المنسي قنديل. وعربيًا أرى أن المغربي محمد بنميلود، والجزائري واسيني الأعرج، واللبناني رشيد الضعيف، يكتبون بأسلوب سحري مميز". 

مصادر ستثري لغتك العربية 

هناك إصدارات عربية عديدة ستساعدكم على الكتابة بأسلوب لغوي متميز يجمع بين السهولة والمرونة والوضوح، منها كتاب "وحي القلم" لمصطفى صادق الرافعي، والذي يعده كثير من النقاد أحد أهم وأرقى الأعمال الأدبية العربية، هناك كذلك رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، والتي تعد من أهم أعمال "محفوظ" والتي ساهمت في حصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988، ولا تفوتكم قراءة "المعذبون في الأرض" لعميد الأدب العربي طه حسين، ومن الكتب المهمة كذلك "كلمات تشبه الكلمات" لناصر عبد العزيز، وهو أقرب لمعجم يحوي ألفاظًا ومرادفات من اللغة العربية ستساعدكم على تطوير مهاراتكم اللغوية، وكذلك كتاب "الألفاظ الكتابية في اللغة العربية" لعبد الرحمن الهمذاني، والذي يعده الكثيرون من المتخصصين واحدًا من أهم كنوز لغتنا العربية حين يتعلق الأمر بفن الكتابة. 

ومن الإصدارات الحديثة، نرشح لكم كتابَي محمود عبد الرازق جمعة "الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية"، و"عزيزي المحرر.. دليلك إلى صياغة احترافية"، واللذين يهدفان إلى تطوير الأسلوب الصحفي. 

وجميع الكتب السابقة متاحة للبيع في أغلب المكتبات العربية. 

هناك كذلك مقالات اطلعنا عليها ووجدناها مهمة لذا ننصحكم بقراءتها، منها "أخطاء شائعة في اللغة العربية لم يخبرك بها أحد من قبل"، و"أنواع الأخطاء في اللغة العربية" و"الكتابة الوظيفية والكتابة الإبداعية"، و"كيف تتجنب الوقوع في الأخطاء عند الكتابة بالعربية؟". 

الصورة الرئيسية لمقعد نُحت بالخط العربي في دبي، بعدسة سارة عبدالله.