"الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية"، جملة قالها ذات يوم بعيد، ياقوت المستعصمي، وهو من أبرز الخطّاطين في العصر العبّاسي. يرى البعض أنّ الجملة هي أفضل تعريف لفن الخط العربي اليدوي، الذي قلّ الاهتمام به في الصحافة العربية في السنوات الأخيرة، رغم القيمة الجمالية العظيمة.
في السطور القادمة، تقدم لكم شبكة الصحفيين الدوليين نصائح لإعادة هذا الفن المنسي مجددًا إلى الواجهة، واجهة الصحافة، التي خسرت قيمة فنية مهمة، حين تصور القائمون عليها أنّ الخطوط الجاهزة المكررة هي بديل أفضل للخط المكتوب يدويًا. لنبدأ رحلتنا مع فن يعد جزءًا مهمًا من اللغة العربية، التي تتميز حروفها بكونها متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة.
حين نشاهد الصحف والمجلات القديمة، سنجد أنها كانت تعتمد بدرجة كبيرة على فن الخط العربي في تقديم عناوين "مانشيتات" كانت قادرة وقتها على جذب أعين القراء. كان لكل إصدار مطبوع شخصية مميزة أعطتها له الخطوط العربية، لكن في العصر الحالي، قلّ الاهتمام باللغة العربية، وأصبح البديل الأسرع، هو خطوط المكتبات الرقمية الجاهزة، بعددها القليل نسبيًا مقارنة بالخطوط الإنجليزية، وبات أمرًا مألوفًا أن تجد العنوان الرئيسي لواحدة من القصص الصحفية المنشورة على منصة إلكترونية معينة، قد كُتبَ بنوع خط معين، هو نفسه المستخدم مع العناوين في منصة أخرى، وأحيانًا تكون منافسة لها.
"الخطوط المكتوبة بخط يدوي هي عمل إنساني أصيل، يصل للإنسان بشكل أسرع وأصدق من الخطوط الجاهزة المكررة، فما يخرج من القلب يصل بالتأكيد للقلب"، هكذا يقول لشبكة الصحفيين الدوليين عبد الغني شعير، الخطاط المصري ومؤسس ستديو شعير للتصميم، والذي يرى أنّ "الصحافة العربية فقدت قيمة فنية عظيمة حين قررت التخلي عن الخط العربي"، معتبرًا أن تجاهل استخدام فن الخط العربي اليدوي في عالم الصحافة هو جزء من مشكلة أكبر تواجهها مجتمعاتنا العربية، وهي التراجع في كل مناحي الحياة الثقافية تقريبًا.
ويوضح شعير أنّ الخط العربي اليدوي لم يعد المقصود به الكتابة بالقلم التقليدي على ورق عادي، إذ تطور الأمر وبات الخطاط يستخدم أقلامًا إلكترونية خاصة يرسم بها على أجهزة لوحية مخصصة تقوم بدور الورق على أكمل وجه، وتجعل جملة "الخط اليدوي الرقمي" هي الأنسب.
وفق شعير، فإنّ السبب الأهم في تراجع الاهتمام بفن الخط العربي هو أن الصحافة الإلكترونية تعتمد على السرعة، ويكمل: "العديد من وسائل الإعلام العربية أصبح يهمها الكم، الأهم لديها السرعة في النشر، وهذا أدى إلى أخطاء لغوية ونحوية بتنا نراها في بعض المنصات الإلكترونية، إلى جانب اختيار خطوط جاهزة مملة للعناوين، غير قادرة على جذب عين القارئ ولا تتناسب ومضمون القصة الصحفية".
"ماذا لو قررت الصحف توظيف خطاط مهمته إبداع خطوط جميلة لعناوين القصص الصحفية؟"، هكذا يتساءل شعير، الذي يؤمن بأن التطور والتكنولوجيا لا يعنيان أبدًا الاستغناء عن الخط العربي، معتبرًا أنّ مزج الخطوط اليدوية بالتكنولوجيا يؤدي في النهاية إلى نتيجة جمالية يفتقدها العالم الرقمي، ويشرح أن الخطاط العصري يجب أن يمتلك مهارات تكنولوجية عالية، كي يستطيع تنفيذ أعماله من خلال الكمبيوتر اللوحي، الذي بات بديلًا عصريًا للورق، وبالقلم المخصص تُكتب النصوص على الشاشة ثم يتمّ تعديلها عبر برامج مخصصة، لتصبح بعد ذلك جزءًا من العالم الرقمي. "العيب ليس في التكنولوجيا أبدًا، لكنه في اعتقاد البعض بأن الخطوط اليدوية لا يمكن مزجها بالتكنولوجيا".
ليتكاتف الإعلام العربي
يرى شعير أنّ واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الصحافة المعتمدة على الخطوط الجاهزة هي النقص الشديد في الخطوط العربية الجاهزة مقارنة باللغة الإنجليزية، ويقول إنّ حل هذه المشكلة ممكن إذا تكاتفت وسائل الإعلام العربية، وتبنت مشروعًا يُجمع فيه فنانو الخط العربي ويتم تكليفهم بصناعة خطوط فنية جديدة تضاف لقائمة الخطوط العربية الرقمية.
"إذا تبنت وسائل الإعلام العربية مشروع صناعة نماذج جديدة من الخطوط العربية، فهذا سيضيف قيمة كبيرة للمكتبة الرقمية، وسيوفر لوسائل الإعلام مئات الاختيارات الجديدة التي تتناسب ومضمون المحتوى الصحفي، إلى جانب فتح الباب من جديد للخطاطين ليقتربوا أكثر من الصحافة"، يقول شعير.
وبحسب المصمم والخطاط فإنّ عودة الصحافة العربية للاهتمام بالخطوط العربية سيعطيها الكثير من المكاسب؛ منها أن يكون لها هوية مختلفة بين باقي المنصات، إلى جانب نشر قيمة جمالية تجذب القارئ وتجعله حريصًا على متابعتها إذا كانت إلكترونية أو شراء إصدارتها المطبوعة، بالإضافة إلى أن تقديم خطوط يدوية جميلة في الصحافة هو دور مجتمعي مهم سيزيد من حجم احترام الجمهور للمنصات التي تتبنى ذلك.
خطاط صديق للصحافة
يرى شعير أن هناك عدة شروط تجعل الخطاط مناسبًا للعمل في مجال الصحافة، منها أن يكون دارسًا للتصميم، ومدركًا الفرق بين الفن والتصميم، فالفنان يصنع ما يريده بدون حدود أو قيود، لكن المصمم ينفذ ما يطلب منه بأفضل شكل فني مناسب لسياسة المنصة، سواء التحريرية أو البصرية، كما يجب أن يكون لدى هذا الخطاط فهم لعالم الصحافة، ولطبيعتها الخاصة ولاحتياجها للسرعة، وأن يكون قارئًا، ما يعني أن يقرأ القصة المطلوب عمل عنوان بخط يدوي لها حتى يصنع خطًا مناسبًا للمضمون وفي الوقت نفسه يتناسب وهوية المنصة، إضافة إلى إتقانه لبرامج الكمبيوتر التي تسهل له صناعة الخطوط رقميًا.
أدوات ومصادر مهمة لتعلم فن الخط العربي
توفر لكم منصة الخطاط الفرصة لتعلم الخط العربي والزخرفة عبر الإنترنت، على يد نخبة من الخطاطين المحترفين، وهي إحدى المبادرات الفائزة بعام الخط العربي 2020-2021.
كذلك توفر لكم منصة نفهم مساحة خاصة لتعلم خط النسخ، بداية من الأدوات المستخدمة مرورًا بالقواعد الأساسية، ووصولًا إلى فهم هذا الفن بشكل سليم.
أما منصة حروفيات، فهي تقدم خدمات الفنون العربية بشكل عام، والخط العربي بشكل خاص، وتقدم الكثير من دورات التعليم أونلاين بمقابل ماديّ.
كما توفر منصة إدراك مساقًا فنيًا مجانيًا يعلمكم طرق تحويل الأفكار لتصاميم، ويتضمن هذا المساق جزءًا خاصًا بتصميم الخط العربي.
لدينا أيضًا قناة محمد أبو الليل على يوتيوب، التي تعد من أفضل المنصات في مجال الخط العربي، والتي تعلمكم مجانًا الكثير من أنواع الخطوط العربية، كما تفيد القناة أيضًا المهتمين بصناعة الشعارات بالخط العربي، وتشمل القناة كذلك دورات تعليم كتابة الخط العربي على الأجهزة الإلكترونية.
معنا أيضًا قناة الخطاطة خلود القرني، هي إحدى القنوات المميزة التي تهتم بكل ما يخص الخط العربي وتعلمه، فتعرض القناة مجموعة فيديوهات تعليمية لخطوطٍ مختلفة.
وهناك أدوات مهمة سيحتاجها دائمًا فنان الخط العربي في العصر الرقمي، أبرزها Procreate، وهو أحد أهم تطبيقات التصميم والرسم التي تساعد المستخدمين على عمل تصميماتهم، إذ يحتوي على العديد من الأدوات التي يستخدمها الفنانون في مجال الرسم والتصميم الرقمي، وهو تطبيق يتيح للمستخدمين عددًا كبيرًا من الفرش كأداة رئيسية للرسم تناسب أي تصميم.
إلى جانب Adobe Illustrator، وهو برنامج إبداعي أنتجته شركة أدوبي ليساعد المصممين على تنفيذ تصميمات محترفة، من خلال قائمة كبيرة من الأدوات.
بالإضافة إلى Adobe Fresco، وهو محرر رسومات طورته Adobe بشكل أساسي للرسم الرقمي.
الصورة الرئيسية لخط عربي صممه عبد الغني شعير لشبكة الصحفيين الدوليين.