ركائز المعالجة الإعلامية للوثائق التاريخية المسربة

Jun 16, 2022 en موضوعات متخصصة
صورة تظهر مكتبة

إنّ إفراط مؤسسات الدولة في إضفاء طابع السريّة على عدد من الملفات التاريخية أو القضايا التي تهمّ الرأي العام، يفتح المجال أمام وسائل الإعلام في النبش عن الحقائق وكشفها، وذلك عبر تسريب الوثائق التاريخية أو التسجيلات وغيرها من الأدلة غير المتاحة للعموم. إلاّ أنه في كثير من الأحيان قد تُستغلّ هذه الوثائق على نحو خاطئ، الأمر الذي يضاعف من مسؤولية وسائل الإعلام في التحقق من صحتها ومصدرها، كي لا تكون عرضة للمساءلة القضائية أو مجرد أداة لخدمة أجندات جهات أخرى.

يفرض التناول الإعلامي للوثائق التاريخية المسربة، على الصحفي أن يكون ملمًا بمناهج البحث التاريخي، بسبب استحالة التحقق المباشر من الأحداث والمعطيات المرتبطة بهذا النوع من القضايا، بالإضافة إلى تباين المواقف والمعطيات، ما يفرض على الصحفي منهجيات دقيقة والاعتماد على مصادر موثوقة.

 الصحافة والتاريخ.. علاقة جدلية ومتداخلة

في حديثٍ مع شبكة الصحفيين الدوليين، يقول الباحث في التاريخ وعلوم الآثار والتراث يوسف المساتي إنّ "العلاقة بين الصحافة والتاريخ جدلية ومتداخلة، إذ أنهما يلتقيان في عدد من العناصر، فمادتهما الأساسية هي الخبر/الحدث والوثيقة، كما أنّ المؤرخين القدماء يُعرفون بالإخباريين أو كتاب الحوليات، حتى أصبح يقال إنّ الصحفي مؤرخ اللحظة"، مضيفًا: "على هذا الأساس فإنّ أول دور لوسائل الإعلام فيما يتعلق بالمواد المرتبطة بالتاريخ، هو تسليط الضوء عليها والاهتمام بها، من خلال النبش في التاريخ ووثائقه، والمساهمة في صناعة نوع من الوعي التاريخي، على اعتبار أنّ وسائل الإعلام تلعب دورًا أساسيًا في صناعة الرأي العام، وبالتالي الوعي العام، خاصة أنّها تصل لشرائح أوسع، في حين أنّ الاهتمام بالتاريخ يظل نخبويًا او محصورًا. وبالتالي تكمن مسؤوليات وسائل الإعلام بالمساهمة في صناعة وعي تاريخي، عبر النبش في قضايا التاريخ، وتسليط الضوء على ما يسمى بتاريخ الهامش والمهمشين، وقضايا كثيرة ومن ثم نشرها".

أما الدور الثاني بحسب الباحث، فيتعلّق بالقاعدة الأساسية للعمل الصحفي، أي تحري المصداقية، فلا بد للصحفي عند التعاطي مع مواد أو وثائق تاريخية أن يتأكد من مصداقيتها، خاصة في ظلّ ما تعج به وسائل الإعلام خاصة الرقمية من مواد تاريخية "مفبركة" أو ملفقة، والحديث عن المصداقية يجب أن يحيل على الموضوعية، فالصحفي عادة ما يسعى للإثارة وهذا ما يجعله يركز على عنصر أو عناصر دون أخرى، بل قد يهمل بعضها ويضخم من شأن أخرى، الأمر الذي قد يضرّ بالمادة التاريخية أو يحرفها عن غايتها ومبتغاها، أو يشكل فكرة خاطئة عنها.
 

 لكلّ تسريب ظروفه وخصوصياته

يجيب الباحث عن سؤال مفاده: "ما الغاية من تسريب وثائق تاريخية؟" بالقول: "يصعب إعطاء حكم شامل لأنّ لكل تسريب ظروفه وخصوصياته، ولكن في الغالب الأعم فإنّ التسريبات تختلف باختلاف المسرب والظرف والمضمون". وهنا شدّد المساتي أنّ "الصحفي كالمؤرخ، عليه أن يحارب -بالمعنى المعرفي والأخلاقي المهني- من أجل الابتعاد عن التأثيرات وتقديم الحقيقة كما تبدو".

ويؤكد الباحث في التاريخ أنّ "التعاطي مع الوثائق التاريخية، يجب أن يكون:

  • مؤطرًا بأخلاقيات الصحافة، وفي مقدّمتها التأكد من مصداقية الوثيقة وألا تكون "مفبركة".
  • إدراك الهدف من التسريب وهل يرتبط الأمر بغايات معينة، ولا يعني هذا عدم النشر، أو طي الأمر، ولكن فقط إدراك السياق وبسطه أمام الرأي العام.
  •  من الضروري أخذ رأي كل الأطراف الواردة في الوثيقة بشكل مباشر أو غير مباشر، والاستماع إليها.
  •  البحث عن وثائق مضادة أو مفندة ومقارنتها. وهنا يقول الباحث: "أعتقد أنها تتقاطع في شق منها مع التحقيق الصحفي، وترتبط بشكل وثيق بأخلاقيات العمل الصحفي".

وبناءً على ما سبق، تقدّم شبكة الصحفيين الدوليين الإرشادات التالية:

أولًا: أن يتم الاهتمام والتوجه لما هو تاريخي، لأننا فعلا نحتاج لصناعة وعي تاريخي في المنطقة العربية، والمواد التاريخية، يمكن أن تسهم في تسليط الضوء على مراحل مهمة في تشكيل المجتمعات وبعض أزماتها المعاصرة، ورد الاعتبار للمهمشين.

ثانيًا: النشر وفق ما تقتضيه أخلاقيات المهنة والضمير المهني والإنساني عمومًا، والحرص على تقديم الحقيقية مع التحلي بعقل نقدي لا يقبل الجاهز بل ينتقده ويفككه.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على بيكسيلز.