تعاني الصحافة المصرية من التضييق على حرياتها من قبل السلطات المختصة ويعمل الصحفيون المصريون في أجواء صعبة.
جاءت مصر في المركز الأول بين 16 دولة عربية من حيث الإنتهاكات التي وثقها تقرير شهر كانون الثاني/ يناير لشبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي "سند"، برصيد 109 انتهاكات وبنسبة 41٪ من مجموع الانتهاكات التي وثقها التقرير.
إزاء التدهور المستمر دعت نقابة الصحفيين المصرية أعضائها لبدء اعتصام مفتوح تحت شعار "لا للموت البطيء" بمقر النقابة بوسط القاهرة بقيادة نقيب الصحفيين يحي قلاش إحتجاجاً على الأوضاع المتردية للصحفيين داخل السجون والذين بلغ عددهم 27 صحفياً بينهم أكثر من تسعة صحفيين يعانون من أمراض مختلفة وحالتهم الصحية متدهورة بسبب الإنتهاكات التي يتعرضون لها داخل السجون مما دفع عدد منهم لإعلان إضرابهم عن الطعام.
وقال قلاش: "إن أي اعتداء على حرية الصحافة والصحفيين بمثابة اعتداء على الشعب بأكمله وتكبيل لحريته".
خالد البلشي رئيس لجنة الحريات وعضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية المعتصم داخل النقابة قال لشبكة الصحفيين الدوليين أنّه بات لا يمكن السكوت على الإنتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون داخل السجون مشيراً إلى أن النقابة تسعى منذ أكثر من عام للتواصل مع السلطات لوقف التجاوزات بحق الصحفيين المحبوسين وحررت 63 محضراً رسمياً و 35 شكوى للنيابة العامة خلال عام 2015 فقط ضد تلك التجاوزات وطالبت بتجميع الصحفيين في مكان واحد ورعايتهم طبياً ولم يكن هناك أي إستجابة من قبل السلطات التي تصر على مخالفة القانون!
كما طالبت النقابة من قبل الرئاسة المصرية والسلطات المختصة بالعفو عن الزملاء القابعين في السجون وفقاً لقواعد العفو خاصةً وأن معظمهم تم القبض عليهم أثناء آدائهم لعملهم وبعضهم لم يخضع للمحاكمة ومازال رهن الحبس الاحتياطي.
وأضاف البلشي أن النقابة تلقت شكاوى من أسر الصحفيين المحبوسين في سجن العقرب تطالب بالتدخل السريع لإنقاذ حياتهم، وتضمنت:
"حبسهم إنفرادياً وغلق نظارات الزنازين عليهم، وهو ما أدى إلى انعدام التهوئة تماماً، فضلًا عن انتشار الفطريات داخل الزنازين، وتقليل مدة التريض، ومنعها في كثير من الأحيان، وزيادة الرطوبة، وعدم توفير الأغطية، والمياة الساخنة، في ظل برودة الجو، حيث وصلت درجة حرارة الزنزانة - وفقاً لما ورد في الشكوى - إلى أقل من 5 درجات مئوية. كذلك عدم توفير أكواب لهم للشرب ومنع دخول الملابس والطعام وعدم السماح بدخول الكتب والأغراض الشخصية والأدوية".
الأمر الذي أدى الى نقل الصحفيين هشام جعفر وحسام السيد لمستشفى السجن ومنع ذويهم من زيارتهم، فيما تدهورت حالة الصحفي يوسف شعبان الذي يعاني من إصابته بخمول في الكبد، نتيجة عدم تلقيه علاج فيروس (سي) لأكثر من 10 أشهر، وإعلان طبيب السجن حاجته لإجراء تحاليل تتعنت إدارة السجن في إجرائها. كذلك الصحفي هاني صلاح، الذي يحتاج لنقله خارج السجن، لإجراء جراحة عاجلة في الشبكية لوقف تدهور حالته، (بخلاف التقارير) عن إصابته بورم حميد يحتاج لتدخل لإزالته.
أكمل البلشي حديثه مع شبكة الصحفيين الدوليين قائلاً "نحن لدينا مطالب عادلة تتعلق بأبسط الحقوق الإنسانية للصحفيين وهي رعايتهم صحياً واستكمال علاجهم وتحسين أوضاعهم، وتجميع الصحفيين في مكان واحد لسهولة متابعة حالاتهم من قبل مجلس النقابة، والسماح لوفد من النقابة بزيارتهم للاطلاع على أوضاعهم." مشيراً الى أن الحريات في مصر تشهد أسوء عصورها.
متابعةً للقضية، كانت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين قد أطلقت في السابع من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي حملة "هنعالجهم ونخرجهم.. الصحافة مش جريمة" بهدف المطالبة بإطلاق سراح الصحفيين الذين تجاوز حبسهم مدة الحبس الاحتياطي.
الجدير بالذكر أن المادة رقم 71 من الدستور المصري حظرت العقوبات السالبة للحرية للصحفيين بسبب عملهم
تنصّ المادة 71: "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون".
من جانبٍ آخر، أبلغت وزارة الداخلية نقابة الصحفيين رسمياً أنه صدرت تعليمات بتكثيف المتابعة والرعاية الصحية الخاصة بالصحفيين الذين تدهورت أوضاعهم الصحية وتسهيل زيارات أسر الصحفيين المحبوسين، وتحديد لقاء عاجل بين الوزير وممثلي النقابة لمناقشة أوضاع الصحفيين.
وفقا لبيان النقابة، تم نقل الصحفي يوسف شعبان لمستشفى القباري لإجراء التحاليل اللازمة، كما تم نقل الصحفي هاني صلاح الدين لمستشفى المنيل الجامعي، وتم إجراء التحاليل اللازمة لهما مع وعد بعودتهما لاستكمال إجراءات العلاج. كما تم فتح باب الزيارة لزوجتي الصحفيين هشام جعفر، وحسام السيد.
وفي نفس السياق أعلن محمود كامل رئيس اللجنة الثقافية وعضو مجلس نقابة الصحفيين انضمام بعض الشخصيات العامة على رأسهم الدكتورة منى مينا الأمين العام لنقابة الاطباء والنائب البرلماني هيثم الحريري والحقوقي نجاد البرعي للإعتصام مؤكداً الأخير استمراره برغم استجابة السلطات لبعض المطالب في انتظار الإستجابة لجميع المطالب وإخلاء سبيل الصحفيين الذين يخضعون للحبس الإحتياطي دون تهمة محددة مشيراً الى أن خيارات التصعيد ضد انتهاكات السلطات مفتوحة.
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان أعلنت تضامنها مع اعتصام الصحفيين مشيرةً الى وجود 60 صحفياً تقريباً خلف قضبان السجون وفي أماكن الاحتجاز المختلفة بسبب قضايا تتعلق بحرية التعبير وممارسة العمل الصحفي، مطالبةً بالإفراج عنهم.
بدوره المجلس الأعلى للصحافة أصدر بياناً رفض فيه ما أسماه "محاولات الحكومة المصرية للإلتفاف على مشروع قانون الصحافة والإعلام الذي تم إعداده من قبل الجماعة الصحفية " والذي يتضمن قانوناً خاصاً بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر تطبيقاً لأحكام الدستور مؤكداً تمسكه به وبسرعة إصداره.
الصورتان من تصوير عمرو الأنصاري خلال الإعتصام.