الصحافة الاستقصائية في اليمن: عوائق عدة ومحاولات محفوفة بالمخاطر

Oct 30, 2018 in مواضيع متنوّعة

تعاني اليمن من فقدان شبه كامل للصحافة الاستقصائية في ظل الصراع الدائر في البلاد، كما يعتبر عدد من الصحفيين المتابعين للشأن اليمني أن ضعف الصحافة الاستقصائية في اليمن يعود أساساً إلى تقاعس الصحافيين من ناحية، وعدم الجهد في التقصّي من أجل الوصول للمعلومة والوثيقة، فضلاً عن مشكلة التمويل التي يفتقر إليها كثيرون من الصحافيين، إضافة لحالة الاستقطاب السياسي والتحشيد الإيديولوجي، التي تمارسها الأطراف المتصارعة في البلاد.

وعن هذا الموضوع، أكدت مديرة مؤسسة "المراسل للإعلام" اليمنية، الصحفية الاستقصائية كفى الهاشلي في حديثٍ لشبكة الصحفيين الدوليين أن "الصحفيين في اليمن انقسموا الى عدة اطراف حسب الجهات المتصارعة، فيما غادر جزء من الصحفيين المشهد ولم يقف بصف أي طرف، ومع ذلك ظلت منشوراتهم تميل مع وضد طرف على آخر، وهذه طبيعية الحروب تخلق موالين وقناعات او تظهر ميولاً وتعاطفًا".

وترى الهاشلي أنّ "واقع الصحافة الاستقصائية اليوم صعب جداً خاصة مع استمرار الحرب، ورغم وجود تسريبات ووثائق تثبت وجود انتهاكات وبشكل واضح من جميع أطراف الصراع في اليمن، إلا أن العديد من الصحفيين الاستقصائيين لم يستطعوا إنجاز تحقيقات استقصائية لما قد يتعرضون له من تهديد بالقتل أو السجن من هذه الأطراف المتصارعة".

 

وتضيف أنّ "هناك غيابًا كاملاً للمحاسبة من جميع الأطراف المسيطرة، لذا غاب دور الصحافة الاستقصائية في اليمن، بل وباتت الصحافة اليوم عبارة عن إعلام حرب وإعلام مدفوع الأجر".

انتشار الفوضى وتقويض سلطة القانون

ويرى مختصون أن انتشار الفوضى وتقويض سلطة القانون وعدم وجود قوانين لليوم في معظم الدول العربية تشرع للصحفيين حق الحصول على المعلومة ومن بينها اليمن، إضافة لانتشار معلومات ليست دقيقة وتداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع وجود حالة الرغبة بالاستحواذ والسيطرة المتوفرين عند السلطات الحاكمة في البلاد العربية، كانت من أبرز المعوقات في البلاد العربية والتي تقف عائقاً لانتشار هذا النوع من الصحافة في البلاد العربية.

ويعتبر الصحفي الاستقصائي محمد الأحمدي أن المشكلة لا تكمن في حدة الاستقطاب السياسي فحسب، بل في اتساع دائرة الاستقطاب السياسي لتشمل العنف المسلح، وانخراط بعض القوى السياسية في خدمة مشاريع العنف، وصولا إلى تصدّر الجماعات العنيفة والطائفية للمشهد السياسي وغياب هامش الفعل المدني وبالتالي عسكرة كل مظاهر الحياة في البلاد، وأصبحت جماعات العنف التي تعتبر الصحافة والنشاط المدني والحقوقي سلطة أمر واقع بقوة السلاح".

وحول أبرز العقبات والصعوبات التي يواجهها الصحفيون في اليمن، يؤكد الأحمدي أن هناك غيابًا للحماية اللازمة للصحفيين توازيًا مع غياب سيادة القانون إثر انتشار جماعات العنف المسلح.

وحول الأسباب وراء عدم استكمال تحقيقات استقصائية وصولاً لنشرها في اليمن رغم محاولات العمل عليها  من قبل صحفيين، يضيف الأحمدي أنّ "اشتعال الحرب في البلاد، وانشغال الكثير من الصحافيين بالنزوح هروبا من بطش الجماعات المسلحة، إضافة لغياب الحماية اللازمة للصحفيين الاستقصائيين، خصوصا في الملفات الخطيرة، التي يمثل الاقتراب منها وسبر أغوارها مساسا بمصالح شبكات الفساد والنافذين وبعض القوى المحلية التي تعمل لمصلحة قوى دولية والتي لا ترى أي اعتبار للقانون في البلدان المنكوبة كان السبب وراء ذلك".

تجارب استقصائية هامة رغم المخاطر

ورغم حالة الاستقطاب السياسي والتحشيد الإيديولوجي، التي تمارسها الأطراف المتصارعة في البلاد، وصعوبة العمل الاستقصائي، إلا أن بعض الصحفيين في اليمن خاضوا مجال الصحافة الاستقصائية، وكشفوا حقائق وقضايا تهم الرأي العام إلا إن مصيرهم كان محفوفاً بالمخاطر، وذلك لمحاولة العمل على قضايا فساد وانتهاكات بحق المدنيين ومنهم الصحفي اليمني معد الزكري والذي نال جائزة شبكة أريج عن فئة ملتميديا عن تحقيق حول السجون السرية. حيث كشف التقرير عن اختفاء مئات المعتقلين في سجون سرية باليمن، وتعرضهم للتعذيب في غمرة حملات محاسبة مقاتلي تنظيم القاعدة هناك. كما يوثق التقرير مشاركة قوات أمريكية في عمليات الاستجواب.

كما انجزت الصحفية اليمنية نوال المقحفي والتي تعمل اليوم مع شبكة بي بي سي على عدة تحقيقات وأفلام وثائقية من اليمن وحققت ضجة كبيرة في المجتمع اليمني لما كشفته من انتهاكات تحصل بحق المدنيين. وقدمت الصحفية الاستقصائية نوال المقحفي في حديثٍ مع شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة من النصائح للصحفيين وخاصة لمن يود العمل على تحقيقات استقصائية في اليمن، ومن أبرز النصائح:

- القيام ببحث أولي معمق للفرضية التي تود العمل عليها قبل عرض فكرة التحقيق على وسيلتك الإعلامية، إضافة لتحديد نقاط القوة التي تمتلكها وسوف تعرضها في التحقيق.

-التخطيط الجيد، والاهتمام بحسابات المخاطر ووضع سيناريوهات بديلة لتنفيذ التحقيق.

- أدعم البحث الأولي والتحقيق بالوثائق والأدلة والبراهين، والتي ستغني القصة والتي من خلالها يمكن كشف الحقائق.

- احصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل تحديد موعد المقابلة مع الجهة التي تود مواجهتها.

- تحقق من كل المعلومات والوثائق الواردة إليك من خلال المصادر، مع ضرورة الحفاظ على سلامة هذه المصادر.

-تجنب التحقيقات السرية أو عمليات التصوير السري ما لم تكن هناك ضرورة قصوى.

-أعطي مساحة وفرصة عادلة للرد من جميع الأطراف.

-الاهتمام الدائم بتطوير الأدوات المهنية، ومواكبة كل جديد في الصحافة الاستقصائية، والتعامل مع منهجية الاستقصاء باعتبارها طريقة تفكير، وليست قوالب مسبقة التجهيز.

كما أن بعض الصحفيين اليمنيين الذين تم التواصل معهم طالبوا بوضع آلية يمكن من خلالها الخروج في تحقيقات استقصائية في اليمن بعيداً عن التوجه ومنها:

- تنظيم حملة إعلامية وتوعوية للجمهور لإطلاعه على مخاطر استمرار الفساد وأهمية تشجيع الصحافة الاستقصائية لكشف المستور.

- إشراك الضحايا والجهات المعنية في الحفاظ على حيوية طرح الموضوع بأشكال مختلفة.

- مبادرة المؤسسات الشريكة والمعنية وخاصة الحقوقية منها بعقد جلسات المساءلة والمحاسبة والاستماع للأطراف المختلفة ذات العلاقة بالقضية المطروحة.

-نظّم حملات عامة لإيقاظ الجمهور وزيادة قدرته على كشف وتمييز الأخبار الملفقة والاعتماد على شبكات موثوقة لتبادل البحوث والمعلومات، للتحقق من الوقائع.

انتهاكات كبيرة بحق الصحفيين اليمنيين

وثق تقرير حقوقي  منذ أيام أكثر من 400 صحافي يمني على الأقل شردتهم الحرب الدائرة في البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ اضطروا إلى الانتقال داخل البلاد وخارجها، "حفاظاً على حياتهم وهروباً من الملاحقات والانتهاكات.

وأكد تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي غير الحكومي أن حالة التشرد والتهجير القسري التي تعرض لها الصحافيون اليمنيون في المرحلة الراهنة تعد الأكبر في تاريخ البلاد. وأشار مركز الإعلام الاقتصادي إلى أنه استهدف 726 صحافياً مسجلاً رسمياً في نقابة الصحافيين اليمنيين لتسليط الضوء على حجم التشرد الذي تعرض له الصحافيون اليمنيون بحثاً عن الأمان أو باللجوء إلى الخارج.

وتوصل التقرير إلى أن العاصمة صنعاء كانت المنطقة الأكثر طرداً للصحافيين، نظراً لحجم الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الصحافية بنسبة 86 في المائة من إجمالي عدد الصحافيين المشردين داخل اليمن وخارجها. وأضاف أن نسبة الصحافيين الذين نزحوا من محافظة تعز بلغت 5 في المائة، وسجلت محافظة عدن 3 في المائة، ثم الحديدة بنسبة 2 في المائة، ومحافظة حضرموت بنسبة 1 في المائة من إجمالي عدد الصحافيين المشردين.

وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين أشارت مطلع مايو/أيار الحالي إلى أن 26 صحافياً يمنياً قتلوا خلال السنوات الأربع الماضية، ولا يزال 12 آخرون مختطفين. 

الصورة الرئيسية لـنوال المقحفي أثناء عملها على تحقيق.


Read more articles by

IJNet contributor

Ali Al Ibrahim

Ali Al Ibrahim is an investigative journalist and co-founder of SIRAJ. He has won the 2018 BBC Young Reporter award, the GIJN award for investigative journalists, and the Samir Kassir Award for Freedom of the Press. Al Ibrahim is also a researcher and trainer in investigative journalism, and TED global fellow.