مع التطور الذي يعرفه الفطاع الإعلامي العالمي، واستمرار إبداع الإبتكارات والطفرات التكنولوجية لتطوير عمل الإعلاميين، كانت استخدام الطائرات بدون طيار "درون" في المجال الصحفي إحدى أبرز هذه الطفرات، فبعدما كان دور الطائرات بدون طيار مقتصرا على الإستخدامات العسكرية، أصبح الإعتماد عليها في المجال الصحفي ضرورة لما توفره من إمكانيات هائلة سواء في جودة الصورة أو زوايا التصوير واستطلاع أماكن كان الوصول لها من قبل صعبا بالمعدات التقليدية.
ومع انتشار استخدام تقنية "الدرون" في المجال الإعلامي، كان حريا على القطاع الإعلامي العربي مواكبة هذا التطور والإعتماد على هذه التقنية بالرغم من التحديات الأمنية التي تواجه الكثير من مستخدمي أجهزة الدرون، وتعد التجربة المغربية من بين التجارب العربية السباقة التي اعتمدت على هذه التقنية.
وتنوعت استخدامات هذه التقنية ما بين الإعتماد عليها في البرامج الوثائقية، أو في الإعلانات الترويجية وقد استخدمها حتى بعض المدونين Vlog في إنتاج المحتوى الخاص بهم.
"الدرون" في البرامج الوثائقية المغربية
برنامج أمودو الوثائقي المغربي الذي يهتم بعوالم السفر والإستكشاف الذي يبث على القناة الأولى المغربية الرسمية كان من أوائل البرامج المغربية التي اعتمدت على هذه التقنية في التصوير واستكشاف المناطق الوعرة، خلال تواصلنا مع مخرج البرنامج حسن بوفوس وعضو فريق التصوير خالد أيت ناصر حدثانا عن تجربهتما في البرنامج مع هذه التقنية.
وقد حدثنا خالد عن صعوبة استخدام درون بالنسبة للأفراد في الوقت الحالي بعد صدور قرار لتنظيم استخدام الجهاز سنة 2015 عكس ما كان معمولاً به قبل صدور القرار، حيث لم تكن هناك رقابة مفروضة، وكان بإمكان الأفراد التصوير بالدرون، لكن القرار الذي جاء لدواع أمنية فرض على استخدامها قيود مشددة، ويمنع بالمغرب استخدام طائرات "درون" أو استيرادها إلا بوجود ترخيص من السلطات المعنية ومجموعة من الإجراءات مع إلزامية الحصول على الترخيص من قبل المركز السينمائي المغربي. ملخصا الفكرة أنه بالنسبة للأفراد الآن يصعب العمل بالدرون وفق القرار، لكن بالنسبة لشركات الإنتاج يعد الأمر متاحا بعد الحصول على التراخيص طبعا، وهي النقطة التي أكد عليها مخرج البرنامج حسن بوفوس الذي قال إن استخدام التقنية متاح لشركات الإنتاج التي تمتلك الترخيص لاستيراد واستخدام الجهاز، وبرغم صعوبة هذه الإجراءات استطاعت الشركة المنتجة لبرنامج "أمودو" توفير هذه التقنية لفريق العمل رغبة منها لتحسين ظروف العمل وجودة المنتج النهائي، خصوصا وأن البرنامج عرف منذ بدايته سنة 2002 إلى حدود اليوم بالإعتماد على التكنولوجيا الحديثة مثل كاميرات Phantom، وكان من أوائل البرامج المغربية التي اعتمدت تقنية الصور العالية الجودة HD في التصوير.
وبما أن البرنامج معروف بتصوير المناطق الجبلية الوعرة والغابات الكثيفة والتي كان الوصول لها من قبل جد صعب أمام المعدات التقليدية ثقيلة الوزن، كما كان التصوير بهذه المناطق جد مكلف باستخدام طائرات مروحية "الهيلكوبتر" التي كانت تكلف فريق الإنتاج قرابة 900 دولار للساعة، ومع استخدام تقنية درون انخفضت تكلفة التصوير بشكل كبير جدا، كما أنها وفرت إمكانية التقاط مقاطع فيديو بجودة أفضل ودرجة ثبات أكبر، واستخدام التقنية ساهم أيضا في اعتماد معدي البرنامج أكثر على اللقطات التصوير من الأعلى الشاملة للمناظر المراد تصويرها، بعدما كانوا يعتمدون من قبل على اللقطات الأفقية أكثر لتفادي التكاليف المرتفعة للطائرات المروحية "الهيلكوبتر".
ومن النقاط الإيجابية لاستخدام تقنية "درون" التي ذكرها مخرج البرنامج التي لا تنحصر فقط في جودة الصورة لا تتعداها إلى ما هو أبعد، حيث أن فريق العمل اكتشف خلال بعض مرات التصوير والتقاط لقطات شاملة لمناظر طبيعية من الأعلى، مخاطر بيئية كالتصحر وزحف رمال الصحراء، وهي أمور لم يكن بالإمكان ملاحظتها بالتصوير الأفقي الذي يوفر مساحة تصوير صغيرة مما أعطى لفريق العمل أفكارا حديدة عن مواضيع لحلقات يمكن العمل عليها.
وعن التحديات التي تواجه فريق العمل في استخدام التقنية فبالإضافة إلى ضرورة استخراح التراخيص في كل مرة يجب فيها استخدام الجهاز، هناك ضرورة تفادي التصوير بالمناطق المحظورة حيث سبق وتم توقيف فريق العمل وحجز الجهاز لدى المصالح الأمنية بعد تصوير إحدى المناطق المحظورة بمدينة "وجدة" شرق المغرب، مما حتم على فريق العمل مستقبلا الإبتعاد عن المناطق المحظورة وهنا يكمن التحدي الأكبر حيث أن العديد من الأماكن التاريخية والتي تحتاج لرؤية من أعلى لإبراز جماليتها غالبا ما تتجاور مع مناطق أمنية محظورة التصوير من الأعلى مما قد يضيع على فريق العمل لقطات مهمة لا يمكن عرضها في حلقات البرنامج.
كما أن توجيه الجهاز يحتاج لكفاءة عالية وقد يحتاج في بعض الأجهزة لشخصين: واحد مكلف بقيادة درون وواحد للتحكم في الكاميرا وهو ما يعني وجوب تناغم كبير بين الموجهين للحصول على نتائج ممتازة.
وأكد مخرج البرنامج على الراغبين في استخدام هذه التقنية على اختيار "درون" المناسب وأن الأعلى ثمنا لا يعني الأفضل دائما بل هناك أجهزة بأثمنة جيدة وتؤدي الى نتائج رائعة، كما ان استخدام الجهاز يحتاج للتعلم وللتمرن وهو ما توفره العديد من الفيديوهات على يوتيوب.
قناة أمودو على يوتيوب https://www.youtube.com/user/amouddoutv
المدونون يستخدمون الدرون أيضا في أعمالهم
استخدام الدرون بالمغرب لم يكن مقتصرا على البرامح التلفزيونية، فقبل صدور قرار تنظيم استخدام "الدرون" بالمغرب عمل العديد من المدونين المغاربة على استيراد الجهاز واستخدامه في فيديوهاتهم وأعمالهم المتنوعة وكان أحد هؤلاء المدونين مروان المحرزي العلوي قد استخدمه في عدة أعمال من بينها فيديو ترويجي لمدينة "الراشيدية" التي تقع في الجنوب الشرقي للمغرب، وهو الفيديو الذي حقق انتشارا واسعا بل وقاد قامت أشهر القنوات التلفزيونية الخاصة بالأطفال بالإعتماد على مقاطع منه في بعض أعمالها.
وسبق وتحدث المدون المغربي الشهير بالمحترف أمين رغيب في عدة حلقات على قناته في يوتيوب التي يتابعه عليها الملايين من المتابعين عن استخدام الجهاز وأسباب منعها واستغرب من العواقب التي قد يتعرض لها أي شخص يفكر في استيراد الجهاز بدون ترخيص مسبق، حيث أن العواقب التي قد تصل للسجن وغرامة مالية.
وكان العديد من المدونين قد طالبوا بضرورة إعادة النظر في مثل هذه القرارات خصوصا وأن المغرب يروج لرغبته في التطور كوجهة سياحية، والفيديوهات الملتقطة بالجهاز دائما تكون بلمسة فنية تساهم في جذب السياح للبلد، مبررين ذلك بمثال الفيلم الوثائقي لمصور فرنسي أظهر معالم المغرب بتصوير من أعلى باستخدام الدرون وكان قد حقق انتشارا واسعا، وحفز العديد من السياح لزيارة المغرب.
ولكن لحد الآن لا زال كثيرون يتعرضون لحجز أجهزتهم بعد إحضارها للمغرب سواء كانوا مغاربة أو أجانب كما حدث مع سياح مكسيكيين تعرضوا للإعتقال وحجز جهاز الدرون الخاص بهم بعد استخدامهم للجهاز في منطقة ممنوعة.
الصورة تحمل رخصة الإستخدام المجاني على موقع Pexels