الصحافة التمكينية: دليل لبناء الثقة والشراكة في التقارير المجتمعية

May 15, 2024 in موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

في عالم الإعلام المعاصر، يبرز مفهوم "الصحافة التمكينية" كمنهج فريد يعيد تشكيل العلاقة بين الصحفيين والمجتمعات التي يغطونها.

يقدم "دليل الصحافة التمكينية"، الذي أصدره مركز التقارير العالمية، رؤية جديدة لهذا النوع من الصحافة، مؤكدًا على أهميتها في تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية.

في هذا المقال، سنغطي الدليل ونستكشف مفهوم الصحافة التمكينية بعمق، مع تسليط الضوء على تأثيرها البناء في الإعلام وأهميتها في تمكين المجتمعات. سنعرض الأسس التي تقوم عليها الصحافة التمكينية ونقدم نظرة شاملة على كيفية إشراك الصحفيين بفعالية مع مجتمعاتهم، بما يتماشى مع تحديات العصر الحديث.

بدايةً، يعرّفنا الدليل على مفهوم "الصحافة التمكينية"، الذي طُرح لأول مرة في عام 2016 بواسطة بيتر كلاين، مؤسس مركز التقارير العالمية. يُعد هذا المفهوم بديلاً للأسلوب الصحفي الشائع الذي يعتمد على التنقل السريع بين المجتمعات بدون الغوص في عمقها، وهو ما يُعرف بـ"الصحافة السريعة". وتختلف الصحافة التمكينية بتركيزها على الشراكة والتعاون، وتشمل التدريب والتوجيه، الانخراط مع الرواة غير الصحفيين في العملية الإعلامية، ضمان استمرارية الموافقة، وتفعيل المشاركة التحريرية والمجتمعية.

يوفر "دليل الصحافة التمكينية" نظرة شاملة على كيفية إشراك الصحفيين بفعالية مع مجتمعاتهم ويتناول موضوعات مثل بناء الثقة، وتطوير الشراكات، وأهمية الحصول على الموافقة المستنيرة. ويهدف إلى إرشاد الصحفيين نحو ممارسة صحفية أكثر شمولية وأخلاقية، بما يتماشى مع تحديات العصر. ومن النقاط الأساسية التي يركز عليها الدليل:

  • اللقاء مع الناس في بيئتهم: يشدد الدليل على أهمية فهم وتلبية احتياجات وتجارب المجتمع. على سبيل المثال، تحدثت سارة كونواي عن مبادرة "دليل الشعب لاتفاقيات فوائد المجتمع والبدائل" بالقول: "بدلاً من إعداد قصة، أردنا القيام بشيء يلبي حاجة المعلومات... شرح أمر يعد عائقًا أو يشكل إحباطًا شائعًا للناس وتوطين كيفية تعامل الآخرين معه على المستوى الشعبي"​​.
  • فلسفة الصحافة التمكينية: يصف الدليل الصحافة التمكينية على أنها تدور حول "التشاركية والشراكة، سواء من خلال التدريب والتوجيه أو إدراج قصص من غير الصحفيين في تقاريرنا، والدراية الإعلامية والموافقة المستنيرة والمدخلات التحريرية ونسب الفضل للمشاركين أو الانخراط المجتمعي والتبادلية"​​.

بناء الثقة من خلال المشاركة الفعالة

يُؤكد هذا النهج على أهمية انخراط الصحفيين في المجتمعات التي يعملون بها، ليس كأجانب بل كمشاركين فاعلين. يشمل بناء الثقة الاستماع النشط، حيث لا يقتصر الصحفيون على جمع القصص فقط بل يسعون أيضًا للحصول على التغذية الراجعة وردود الأفعال والملاحظات والنصائح من أفراد المجتمع، للتأكد من أن الروايات المطورة تعكس صوت وتجارب المجتمع. عملية بناء الثقة مستمرة بين الصحفي وأعضاء المجتمع، تتطلب الشفافية والصدق من الصحفيين في تفاعلاتهم وتقاريرهم.

تمكين المجتمعات من خلال السرد القصصي التشاركي

يدافع "دليل الصحافة التمكينية" عن أخلاقيات الصحافة المتجذرة في "التشاركية والشراكة". يمتد هذا المنهج إلى ما هو أبعد من التقارير التقليدية، من خلال إشراك أفراد المجتمع في عملية إعداد السرد القصصي. وتعدّ الأمثلة التي ذكرها الدليل نماذج ممتازة لكيفية تفاعل وسائل الإعلام مع المجتمعات على مستوى أعمق. تُظهر هذه المشاريع قوة إشراك الأصوات والتجارب المتنوعة في الروايات الإعلامية، مما يثري القصص المروية ويعزز شعور الملكية والفخر داخل المجتمعات.

السرد القصصي التشاركي ليس فقط حول إعداد تقارير عن المجتمعات؛ إنه عن التشارك مع الناس لإعداد قصة تمثلهم وتعكس واقعهم. يشمل ذلك توفير التدريب والإرشاد للرواة غير الصحفيين، ضمان الموافقة المستنيرة، وجمع وإدماج المدخلات التحريرية من أفراد المجتمع. يمكن أن يؤدي هذا التعاون إلى قصص أكثر أصالة وصدى وتأثيرًا. على سبيل المثال، يُبرز بودكاست "Ear Hustle" أصوات الأفراد المسجونين، مقدمًا معلومات وروايات تتحدى المفاهيم المسبقة والصور النمطية. يُجسد هذا المستوى من التفاعل والتعاون بين الصحفيين والمجتمعات الإمكانيات الحقيقية للصحافة التمكينية.

الصحافة التمكينية.. مستقبل محتمل للصحافة؟

تقدم الصحافة التمكينية طريقًا إلى الأمام نحو بيئة إعلامية أكثر شمولاً وشفافية وتفاعلًا. تتحدى الصحفيين لإعادة التفكير في دورهم، مؤيدةً لممارسة لا تقتصر فقط على إعداد تقارير عن المجتمعات ولكن أيضًا العمل معها ومن أجلها. يوفر "دليل الصحافة التمكينية" خارطة طريق لهذا النهج، مسلطًا الضوء على أهمية الثقة والتعاون والاحترام المتبادل في العمل الصحفي.

من خلال الالتزام بمبادئ الصحافة التمكينية، يمكن للصحفيين أن يساهموا في بناء مجتمعات أقوى وأكثر تمكينًا. هذا النهج لا يغير فقط طريقة سرد القصص؛ بل يحول الغرض الجوهري للصحافة، مما يجعلها أداة للتغيير الاجتماعي والمشاركة المجتمعية والتفاهم المتبادل.

لتعزيز تأثير الصحافة التمكينية بشكل أكبر، من الضروري للصحفيين البحث باستمرار وجمع آراء المجتمع، للتأكد من أن تقاريرهم تعكس احتياجات ووجهات نظر من يخدمونهم. كما يمكن أن تزود المشاركة في فرص التدريب والإرشاد المستمرة الصحفيين بالمهارات اللازمة للتنقل في تعقيدات إعداد التقارير المجتمعية. في النهاية، من خلال تعزيز ثقافة التعاون والتشارك والانفتاح، يمكن للصحافة التمكينية أن تؤدي إلى سرد قصص أكثر معنى وتأثيراً.

الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ريفاج.