لم يكن خياراً لخليل العشاوي أن يصبح مصوراً متخصصاً في تغطية الحروب، فقد بدأ حياته المهنية كمصور صحفي في عام 2006 بعدما تخرج من كلية الإعلام بدمشق ينقل تفاصيل الحياة اليومية، ولكن بعد مضي سنوات وجد نفسه على الخطوط الأمامية لتوثيق الأحداث في بلاده مصوراً مع وكالة رويترز.
يقدم لنا خليل مؤسس وكالة Frontline in focus xr المتخصصة بإنتاج مواد إعلامية عالية الجودة للمنظمات والمؤسسات الإعلامية والحاصل على جائزة جوجل للابتكار 2021، مجموعة من الإرشادات للمصورين الصحفيين العاملين في مناطق الحروب والنزاعات.
يفرض الواقع على أرض الحروب اعتبارات أخلاقية مهمة نظراً للصور الحساسة والمؤلمة التي قد تتضمنها. بالنسبة لخليل، عندما ينوي تصوير موقع ما، يقوم أولاً بفحص المكان بعناية. هل الوقت والمكان مناسبين لدخول الموقع بالكاميرا والتصوير؟ هل هناك خصوصية في المكان تستدعي توخي الحذر؟ على سبيل المثال، قد يكون المكان المستهدف يضم عددًا من النساء، وللعنصر النسائي خصوصية كبيرة. وفي بعض الحالات، عندما يكون هناك شخص متأثر بشكل كبير بالحدث الذي يتم تصويره، وغير ذلك من الحساسيات التي تفرض على المصور الابتعاد عن المكان وعدم التقدم للتصوير عن كثب.
يقول خليل: "في هذه الحالات، يمكن التقاط الصور عن بُعد بدون التسبب في زيادة الألم للشخص المتأثر، أو أن نلتقط صورًا عامة للمكان، ونعطي هنا اهتمامًا خاصًا للأطفال، حيث يجب احترام خصوصيتهم والتعامل معهم بعناية". وهنا يظهر عنصر أخلاقي مهم، بحسب ما يوضح خليل وهو ضرورة الحصول على موافقة من الأشخاص الذين يتم تصويرهم. يجب على المصور أن يتأكد من أنّ هؤلاء الأشخاص موافقون على نشر صورهم وأنهم يدركون الأهمية الإعلامية لهذه الصور".
تحقيق التوازن بين توثيق الحقيقة وخصوصية الأفراد
في عام 2023، شهدنا مجموعة من الأحداث القاسية التي أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. هذه الأحداث وضعت الصحفيين أمام تحديات أخلاقية كبيرة بين توثيق الحقيقة والحفاظ على خصوصية الأفراد الذين تتم تغطية قضاياهم. وفي هذا السياق، يشير خليل إلى ضرورة توخي الحذر والاحترام خلال التصوير، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتصوير الوجوه، ولا سيما في حالات مقتل أشخاص. في مثل تلك الحالات، يمكن التقاط صور عامة تعكس الوضع بدون التركيز على وجوه الأشخاص بشكل مباشر.
يوضح لنا بقوله: "من أخلاقيات العمل الصحفي عدم تصوير شخص مقتول ملطخ بالدماء أو آخر وهو يموت، للميت خصوصيته ويجب احترامها، هذا الأمر توصلت إليه نتيجة الخبرة، ربما في بداية العمل الصحفي قد يقع المصور بالخطأ لكن عليه تدارك ذلك لاحقاً وعدم الاستمرار بذلك".
وبحال وقعت مجزرة وعليك توثيقها بالصور، يمكنك في مثل هذه الحالات التقاط صور رمزية لما حصل من خلال تصوير يد أو قدم شخص مقتول، وصور لملابس ملطخة بالدماء، ألعاب أو أحذية أطفال إضافة لالتقاط صور عامة للمكان الذي وقعت فيه المجزرة، قد تجد حائطًا عليه طبعة يد ملطخة بالدم، وغيرها من الرموز التي تساعد على إيصال الفكرة القاسية بدون المساس بكرامة وخصوصية الضحايا وأهاليهم، إضافةً إلى أن لقطات الدرون لها دور كبير في تسليط الضوء على حجم الدمار والكارثة في منطقة ما.
هذا النوع من التغطيات الإعلامية يضع المصورين في مواقف لا يمكن نسيانها بسهولة وترافقهم لفترات طويلة. وهنا يطرح لنا خليل مثالًا عن إحدى التغطيات الإعلامية التي كانت في معرة النعمان بريف إدلب العام 2015، حينها تعرض أحد المواقع العامة للقصف، يقول خليل: "كنت قريباً جداً من الموقع إلى حد أنني وصلت إليه خلال دقيقة واحدة مشياً على الأقدام، وعندما دخلت، وجدت القتلى عند الباب بسبب الضغط الكبير الذي دفعهم نحو الباب الخارجي للمكان. في البداية، لم أتمكن من التصوير، بل بقيت جالساً لمدة عشر دقائق ثم بدأت التصوير".
المعدات الأساسية في العمل
يجب أن يكون المصور مجهزاً بالمعدات التي تحميه، وتشمل الدروع والخوذات، وعدة الإسعافات الأولية. يجب أيضاً أن تكون لديه وسيلة اتصال احتياطية في حالة فقدان الاتصال بالإنترنت. ويجب عليه التحقق من أن جميع معدات التصوير لديه مشحونة بشكل كاف، وأن تكون لديه بطاقات ذاكرة احتياطية.
وعلى الصعيدين التقني والميكانيكي، يجب أن تكون السيارة التي يستخدمها للتنقل جاهزة وخالية من أي مشكلة تقنية، حتى لا يجد نفسه محاصراً في مكان خاطئ.
المرحلة التالية بعد الانتهاء من عملية التصوير وجمع اللقطات والصور اللازمة لنقل الأحداث على الأرض هي مرحلة اختيار الصور وإرسالها إلى الجهات الإعلامية التي يتعاون معها المصور الصحفي.
وفي هذا السياق، يشدد خليل على أهمية الامتثال إلى مجموعة من الإرشادات الأخلاقية خلال عملية تحرير الصور. أهم هذه الإرشادات هو عدم التلاعب بأي شكل من الأشكال بالصور، بما في ذلك عمليات الاقتصاص (Cropping)، التي لا ينبغي أبدًا القيام بها على تلك الصور.
قد تواجه بعض الصور لأشخاص قد طلبوا منك عدم نشر صورهم، وهنا يجب عليك الالتزام بهذا الطلب. وفي بعض الأحيان قد تقوم بأخذ موافقة مسبقة لتصوير مكان معين والتعهد بعدم نشر صور للنساء، وهذا أمر يجب أيضًا الامتثال له قبل إرسال تلك الصور لأي وسيلة إعلامية.
تأثير الصور الكبير وعملية الإقناع
للصور التي يتم التقاطها من مناطق الحروب أهمية كبيرة، وقد تواجه المصورين تحديات كبيرة في بعض الأحيان في عملية إقناع الأشخاص بذلك، حيث يمكن أن يتعرضوا لمعارضة من قبل الأفراد الذين يتم تصويرهم. في هذا السياق يقول خليل: "أرغب في تقديم مثال على أهمية الصور وتأثيرها، حيث يمكن لصورة واحدة إيصال رسالة كبيرة عن حجم الكارثة".
وهذا الأمر الذي لمسه خليل خلال عمله في تغطية الأحداث في سوريا على مدار الثلاثة عشرة عاماً الماضية، يقول: "لدي قصتان مؤثرتان عملت عليهما تلقيان الضوء على أهمية التصوير الصحفي وتأثيره على حياة الأشخاص. القصة الأولى تروي قصة طفلة سورية فقدت قدمها جراء القصف ولكن بفضل صورة تم التقاطها لها، تغيرت حياتها تماماً. تم شراء منزل لعائلتها وتركيب طرف صناعي لتمكينها من الحركة واستعادة جزء من حياتها".
القصة الثانية تتحدث عن طفل عمل مع عائلته في معمل نتيجة الظروف الصعبة التي كانوا يعيشونها. بفضل صورة تم التقاطها لهذا الصبي، استجاب الناس وقدموا تبرعاتهم لمساعدته وعائلته. هذا الدعم أتاح للصبي العودة إلى المدرسة وفتح محل لعائلته، مما قدم لهم فرصًا جديدة في الحياة.
وهنا يشدد خليل على نقطة مهمة: هذا لا يعني أن على المصور تقديم وعود للأشخاص الذين يقوم بتصويرهم وينقل قصصهم بأن حياتهم سوف تتغير في حال تم تصوير قصتهم. لذلك، يجب على المصور الصحفي بناء الثقة والعلاقات الجيدة مع الناس في المناطق التي يغطيها. يجب عليه أن يعرّفهم بشكل واضح بأنه مصور صحفي، وأن مهمته تتمثل في نقل الواقع بمهنية وموضوعية تامة. هذا الاحترام للخصوصية والكرامة الإنسانية أمر بالغ الأهمية.
ومن خلال تجربته، يقدم خليل نصيحة للمصورين الصحفيين الناشئين الذين يهتمون بهذا المجال. يشدد على أنهم لا يجب أن يعتقدوا أنهم قد أتقنوا المهنة بالفعل، لأن كل يوم يحمل معه تحديات وتجارب جديدة يجب التعامل معها. ومن الناحية الأخلاقية، يجب أن يتذكروا دائماً أن التعامل مع الأشخاص الذين يصورونهم هو أهم من الصورة نفسها.
"حياتك أهم من الصورة"
في السياق الإعلامي السريع التطور، تغير دور التصوير الصحفي في الحروب والصراعات. يقول خليل: "كانت الصورة تُنشر في الجريدة وتُنسى، ولكن اليوم، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للصور أن تصل إلى أماكن لم نكن نتوقعها، وهذا يضع على عاتقنا مسؤولية مهنية كبيرة. الصورة لها تأثير مهم". ويتابع: "أهم ما تعلمته من هذه التجربة في توثيق الصراعات بالصورة هو أنه لا يوجد أي صورة تستحق حياة المصور. حياتك هي الأهم. حياتك تأتي في المقام الأول".
ويعتبر خليل احترام أخلاقيات المهنة لا يقل شأناً عن ذلك، يجب على المصور أن يكون على علم بأن عمله سيكون له تأثير على الأشخاص، سواء بطريقة إيجابية أو سلبية. هذا هو الطريق الصحيح للتعامل مع هذه المهنة.
أخيراً يقدّم خليل هذه النصائح لكل مصور صحفي في مناطق الحروب والنزاعات:
١- إعطاء الأولوية للسلامة: أعط الأولوية لسلامتك وسلامة من حولك، يجب أن تكون على معرفة تامة بالبيئة من حولك، وإرشادات وبروتوكولات السلامة.
٢- الحفاظ على الموضوعية: علينا كمصورين صحفيين عدم تمييز شخص عن آخر في موقع الحدث.
٣- دورك هو التوثيق وليس المشاركة.
٤- الاعتبارات الأخلاقية: احترم كرامة وخصوصية الأشخاص الذين تقوم بتصويرهم.
٥- مواقع الصراع لا يمكن التنبؤ بها، كن مستعداً للتكيف مع المواقف والظروف المختلفة والمتغيرة بسرعة.
٦- احترم القوانين المحلية: كن على دراية بالقوانين واللوائح المحلية واحترمها، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتصوير الفوتوغرافي وأوراق الاعتماد الصحفية والتصاريح.
٧- المعدات: استثمر في معدات التصوير المتينة والموثوقة. احمل معك معدات احتياطية، بما في ذلك البطاريات الاحتياطية وبطاقات الذاكرة.
٨- متابعة الأخبار والتطورات: ابق على اطلاع على آخر الأخبار والتطورات في المنطقة التي تغطيها. سيساعدك هذا على توقع الأحداث والبقاء آمناً.
٩- الصحة النفسية: كن على دراية بالأثر النفسي الذي يمكن أن يحدثه عليك تغطية الصراع. اطلب الدعم والمشورة عند الحاجة لمعالجة الصدمة المحتملة.
١٠- التدريب في حالات الطوارئ: يجب الحصول على دورات تدريبية في الإسعافات الأولية والاستجابة لحالات الطوارئ والتدريب في مناطق النزاع للاستعداد لما هو غير متوقع.
الصورة الرئيسية بعدسة خليل العشاوي.