6 توجّهات للتسويق في 2023 على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية معرفتها

Dec 28, 2022 in إشراك الجمهور
صورة

أذكر أنّني قبل سنوات سألت صديقًا خبيرًا في التسويق وريادة الأعمال عن مفهوم التسويق، فأجابني: "لا أعرف! إنّه مفهوم يتغيّر باستمرار ويصبح أوسع كلّ حين". 

بدأ اهتمامي بالتسويق عندما عملت مديرة للإعلام والاتّصال في إحدى المنظمات الحقوقية في تونس. في ذلك الوقت، كانت المنظمة تعتمد على شركة خارجية لتنفيذ خطّتها التسويقية. وعندما قرّرت في نهاية العام 2017 العمل بشكل مستقلّ، زاد اهتمامي بعالم التسويق. كنت أرغب في معرفة الأدوات الأساسية التي يمكنني استخدامها للحصول على عروض عمل أو تعاون. لكن مع إطلاق مشروع منصّة "إنسان"، وافتقار فريقنا إلى مختصّين في التسويق، كان تعميق المعرفة بمهارات التسويق، خاصّة الرقمية منها، أمرًا لا غنى عنه. 

ولأنّ التسويق "يتغيّر ويصبح أوسع كلّ حين" بعبارة صديقي، يهمّنا، كصحفيين.ات (منتسبين.ات أو مستقلين.ات) ومديري.ات مشاريع إعلامية معرفة أبرز التغيّرات والتوجّهات في التسويق للعام 2023. 

أولًا، التّخصيص هو مفتاح القلوب 

في فيلم الخيال العلمي تقرير الأقليّة (Minority report) تتعرّض شخصية جون آندرتون (Tom Cruise) إلى سلسلة من الإعلانات المخصّصة التي تناديه باسمه أثناء مروره بمتاجر المدينة. ما كان يعدّ قبل عقدين من الزمن خيالًا علميًا تفتّقت عنه قريحة ستيفن سبيلبرغ، يوشك أن يكون واقع التسويق في يومنا هذا. 

يقول 80 ٪ من المستهلكين/الجمهور إنهم سيكونون أكثر احتمالًا للحصول على خدمات علامة تجارية ما (أي في سياقنا، المؤسسة الإعلامية أو الصحفي نفسه كصاحب علامة تجارية شخصية) توفر لهم تجربة شخصية. لنأخذ مثلًا التسويق عبر البريد الإلكتروني والّذي يعدّ أحد أفضل طرق التسويق المستخدمة حاليًا والتي من المتوقّع أن يتواصل ازدهارها في العام المقبل. حيث يمتلك كل شخص تقريبًا حسابا بريديًّا إلكترونيًا، مما يجعل التسويق عبر البريد الإلكتروني أداة متاحة بشكل كبير للعلامات التجارية للتواصل مع مستخدميها، والمؤسسات الإعلامية للتواصل مع جمهورها. 

في هذا السّياق، تخلق الرسائل التسويقية المشخّصة أو المخصّصة صلة حقيقية بين العلامة التجارية والجمهور المستهدف. تصلني يوميًا عشرات النشرات الإلكترونية. معظمها تكون عبارتها الافتتاحية "مرحبًا" أو "مرحبًا، جميعًا". لا أقرأ هذه النشرات، لأنّها ببساطة لا تتوجّه لي بشكل خاصّ. مجهود صغير إضافي يجعل النشرة تتوجّه إليّ هكذا "مرحبًا أمل"، سيجعلني أقرأ بكلّ تأكيد. وهذا ليس سوى المستوى الأوّل والأبسط من تخصيص التسويق. 

تمكّن تطوّرات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وزيادة جمع البيانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمصادر الأخرى من تخصيص كل شيء بدءًا من المحتوى إلى التصميم فتوصيات المنتج وكلّ ما بينهما. هذه الأدوات تسمح جميعها باستهداف شخصي أكثر دقّة للجمهور على مستوى محلّي، إذا كانت الوسيلة الإعلامية إقليمية مثلًا، أو مستوى لغوي، إذا كانت تصدر بعدّة لغات.

ثانيًا، التحدّث مع الجمهور: ليس عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط

في العام 2023، سيتعاظم دور منصّات المراسلة الفورية (Real-time messaging platforms) في التواصل مع العملاء/الجمهور. وإذا فكّرنا في علاقتنا بجمهورنا، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي أنستنا أنّ التعليقات كانت تتمّ، قبل عصر السوشيال ميديا، مباشرة على موقع المؤسسة الإعلامية، تحت المقال المنشور. 

جعلت السويشل ميديا التواصل مع الجمهور يتمّ فقط عبر حساباتها الشخصية ومن خلال موظف واحد (أو أكثر) يعمل مديرًا للتواصل الاجتماعي، ومكلّفا بالإجابة عن تعليقات الجمهور والتفاعل معها. لكن ماذا لو عدنا (بالتوازي مع ذلك) إلى التخاطب مع جمهورنا على موقعنا نفسه، من خلال أصحاب المقال نفسه؟

تعدّ تجربة Swissinfo نموذجية في هذا الصّدد، حيث لا تزال تفتح لجمهورها باب التفاعل الفوري مع عدد كبير من مقالاتها مباشرة على الموقع في خدمة "شارك في الحوار". وباعتبار الشبكة تنشر بـ10 لغات مختلفة، فإنّ النقاشات التي تديرها عبر موقعها الإلكتروني، ويكون الصحفيون.ات طرفًا فيها، تسمح بتواصل أفضل وأوسع مع الجمهور. فبينما تتوجّه صفحة الشبكة بالعربية للناطقين باللغة العربية وحدها، مثلًا، يجمع الموقع ناطقين بعدّة لغات في مكان واحد، أين يكون التعرّف على وجهات نظر شعوب أخرى وتجاربها وآراء الأشخاص من ذوي خلفيات متنوّعة تجربة مثرية للجميع. 

وهنا، ليس بالضرورة أن نطوّر منصّات مراسلة فورية للمراسلة ولا روبوتات دردشة ستكون مكلفة وتتطلّب فريقًا مجنّدًا لإدارتها، ولكن يكفي أن نعود إلى مخاطبة جمهورنا في "ملعبنا" وداخل "عريننا" لنخلق هذه الصّلة معه مجدّدًا. 

ثالثًا، ثقافة الرّجل الواحد أو المرأة الواحدة لا تقنع الجيل الجديد

لا يخفى على أحد أنّ كثيرًا من المؤسسات، خاصّة الأقدم منها، تقوم على ثقافة التسويق للرجل الواحد أو المرأة الواحدة. ويكون هذا عادة مدير الشركة أو مديرتها. في حين يبقى الموظّفون مجهولين لعموم الجمهور غائبين (أو مغيّبين) عن قنوات المؤسسة الاتّصالية. 

أعرف مديرًا لإحدى المنظمات كان يمنع نشر أيّ صور للموظفين.ات على حسابات المؤسسة. ليس بطلب منهم أو حفاظًا على خصوصياتهم، بل لأنه يريد أن تنشر صوره هو فقط! وإذا كان هذا المثال صعب التصديق، فخذ هذا، من عالم الصحافة نفسه. تخيّل أنّك صحفي، وأنّك أنجزت تحقيقًا استقصائيًا، لكن مديرك هو من سيذهب لوسائل الإعلام للحديث عن التحقيق. ليس بطلب منك، ولا حفاظًا على هويتك، ولا لأنّك عاجز لسبب صحّي أو نفسي أو لغويّ عن الحديث في تلك المناسبة. بل لأنّه المدير!

الجيل الجديد من الجمهور يهمّه أن يعرف وجوه موظفي العلامة التجارية -هنا المؤسسة الإعلامية. كيف يفكّرون، كيف ينجزون موادّهم، كيف يتفاعلون مع المستجدّات، ما هي الصعوبات التي تواجههم في عملهم. يريد الجمهور أن يرى أكثر من شخص واحد في حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن يسمع أصوات أكثر من شخص واحد في الندوات الإلكترونية والمؤتمرات.

يتضمّن تنشيط الموظّفين مجموعة متنوّعة من الأدوات على غرار التدريب المستمرّ، وتشريكهم في نشر المحتوى وإنشاء مدوّنات ومقاطع فيديو للتعريف أكثر بالعلامة التجارية للمؤسسة. 

رابعًا، التسويق عبر المؤثّرين.. شرّ لا بدّ منه؟ 

في زخم الجدل منقطع النظير الّذي يحدثه المؤثّرون في عالمنا اليوم، والّذي يقابله استهجان كبير وحتى "ازدراء" لهم من قبل كثير من الصحفيين.ات، سيواصل التسويق عبر المؤثّرين افتكاك نصيبه من السّوق والجمهور. وهذا ليس أمرًا غريبًا إذا ما علمنا بالأرقام أنّ هذا النّوع من التسويق مسؤول عن جلب 5.20 دولارًا في المتوسط ​​لكلّ 1 دولار يتم إنفاقه!

وهكذا، فإنّ هذا التسويق الّذي كان يستخدمه عدد قليل من العلامات التجارية صار اليوم أداة شبه أساسية لدى معظم الأعمال التجارية الموجودة رقميًا. وفي عالم الصحافة والإعلام، يمكننا أن نذكر مثالًا جيّدا على ذلك من واقع تجربة منصّة صوت التي أدخلت التسويق عبر المؤثرين في مجال عملها، حيث أنها تتعاون مع صانعة المحتوى سمية جمال بلقيس (Soumaya.be) في إنتاج سلسلة بودكاست قصصية تروي فيها هذه الأخيرة تجاربها في السّفر واستكشاف الذّات.

وهذا مثال على أنّ عالم المؤثّرين، مثل كل العوالم الأخرى، ليس شرًّا مطلقًا، بل مزيجًا من الغثّ والسّمين. فهناك مؤثرون.ات يصنعون محتوى حول حقوق الإنسان، والقضايا الاجتماعية والشؤون النفسية والصحية والبيئية، وريادة الأعمال والتنمية إلخ.. وليس كلّ المؤثّرين يبيعون الحقائب وموادّ التجميل!

خامسًا، الترجمة الآلية صديقة المؤسّسات للعام المقبل والسنوات القادمة 

إذا ما عدنا إلى نموذج Swissinfo سنجد أنّ المحتوى التحريري عمومًا يتمّ ترجمته من قبل الصحفيين والمحرّرين أنفسهم، أمّا التعليقات الموجودة على الموقع فيتمّ فيها استخدام الترجمة الآلية. وعدا عن التعليقات يمكن لوسائل الإعلام بفضل تطوّر الذكاء الاصطناعي اليوم الاستفادة أكثر من الترجمة الآلية في سائر محتوياتها التسويقية. 

من المعلوم أنّ أدوات الترجمة عبر الإنترنت (مثلًا جوجل) ليست فعّالة بشكل تامّ، حيث كثيرًا ما تكون الترجمة حرفية أو خاطئة حتّى، ممّا يسيء إلى الرسالة المرغوب تسويقها ومن ثمّ للعلامة التجارية نفسها. 

وتبعًا لذلك، تزايد إنشاء المحتوى متعدّد اللغات (multilingual content creation) مستفيدًا من التطوّر السريع للترجمة الآلية وإمكانية الوصول إليها. ومع ذلك، قد يسبّب الاعتماد المفرط على الترجمة الآلية نفس نتائج أدوات الترجمة عبر الإنترنت. ولذلك، جاءت الترجمة الآلية بعد التحرير (المعروفة اختصارا بـ MTPE) لتدمج التكنولوجيا المتطوّرة مع مهارات المترجمين الأصليين قصد نتاج محتوى متعدد اللغات تستفيد منه المؤسسات في نقل رسالتها بكلّ دقّة وتجنّب الأخطاء التسويقية. 

سادسًا، التسويق عبر الفيديو 

ليس هذا توجّهًا جديدًا، بل متجدّدًا. فمنذ سنوات يهيمن الفيديو على "سوق الاستهلاك" في العالم الرقمي. وقد وجد تقرير سيسكو السنوي للإنترنت (2018-2023) أن الفيديو سيمثل 82٪ من إجمالي حركة التدفّقات عبر الإنترنت للعام 2022. كما أنّ دراسة كشفت أنّ 88 % من المستخدمين اقتنعوا بشراء منتج أو خدمة ما بعد مشاهدة مقطع فيديو حوله.ا. الفيديو إذن، من الأدوات التسويقية التي ستواصل تألقّها وسيطرتها في العام المقبل وعلى العلامات التجارية والمؤسسات الإعلامية أن تدمج المحتوى المصوّر في موادّها المنشورة عبر الإنترنت. 

ومن المتوقّع أن تتواصل هيمنة الفيديو القصير (مثل ريل الإنستجرام وفيسبوك وفيديوهات التيك توك) على سائر الفيديوهات المنشورة مع تزايد أعداد المستخدمين لهذا النوع من المحتوى المصوّر وإتاحة أدوات صناعتها بشكل جماهيري للجميع. 

لا ريب، أنّ هناك توجّهات أكثر للتسويق في العام المقبل والسنوات التي تليه. لكنّني اخترت أكثرها ملاءمة، حسب رأيي، لاستخدامات المؤسسات الإعلامية والصحفيين.ات المستقلّين.ات. 

وعلى الرّغم من أنّ بعضًا من الزملاء والزميلات لا يوافقني الرّأي في أنّ التسويق مهارة (أو معرفة) مهمّة لنا في عملنا، فإنّ الواقع يكشف أنّ الصحافة والتسويق يلتقيان أكثر ممّا يفترقان.

في مقال بعنوان "هل يمكن للمهارات الصحفية أن تجعلك مسوّقًا أفضل؟" يقدّم مايكل سابا، وهو كاتب رئيسي للمحتوى التسويقي، 5 مبادئ صحفية من شأنها أن تجعلك تصنع محتوى تسويقيًا تنافسيًا. وهي: 

-أهمية القراءة والبحث المتعمّق في عملنا الصحفي.

-القدرة على الاختزال اللغوي (الأقلّ هو الأكثر - Less is more).

-القدرة على العمل ضمن مواعيد تسليم محدّدة (وهو الأمر نفسه لدى المسوّقين). 

-القدرة على الذهاب أبعد من البيانات لرواية قصّة. 

-القدرة على ملامسة وجدان القارئ/المشاهد.

ومن هنا نستشفّ أنّ مهارات الصحافة والتسويق مفيدة جميعها في عملنا من حيث تكاملها في خلق محتوى صحفي ذي جودة والقدرة على التسويق له بشكل جيّد. 

في الختام، إذا كنت تعمل في مؤسسة إعلامية لديها فريقها التسويقي الخاصّ بها أو شركات خارجية تقدّم لها هذه الخدمات، فقد لا تكون مهتمًّا كثيرًا بتطوير مهاراتك التسويقية. أمّا إذا كنت صحفيًا أو صحفية مستقلّا.ة، مثلي، فستجد.ين في هذا العرض مجموعة من النصائح العملية لتطوير علامتك التجارية في العام 2023.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على بيكسيباي.