خلال فترات الانتخابات، تشكل خطابات المرشحين والمعلومات المقدمة منهم إحدى الوسائل المهمة في التأثير على الناخبين، ولكون المرشحين على دراية بأهمية استخدام المعلومات كقوة فاعلة في الإقناع ودفع المواطنات والمواطنين إلى تعديل وجهات نظرهم، نجد أنه يتم استخدام هذه القوة في الخطابات السياسية بطريقة مضللة أحيانًا.
لهذا يجب تحري الدقة دائمًا فيما يقوله السياسيون سواء خلال فترات الانتخابات أو خارجها، في حين أنه قد يصعب على المواطن العادي معرفة مكامن التضليل في هذه الخطابات وبالتالي سيتم جره للتصويت على أساس المعلومات المضللة.
وهنا يأتي دور مدققي المعلومات والصحفيين في كشف المعلومات الزائفة والمضللة وتقديمها للناخبين من أجل تقييم عملية التصويت بناء على الحقائق، خصوصًا مع التحول الشامل في قنوات الاتصال التي يستخدمها السياسيون في الدعاية لبرامجهم الانتخابية، والذي يظهر بشكل مكثف على منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلال الإعلانات المدفوعة المباشرة من السياسيين والأحزاب التابعة لهم، أو من خلال وكالات التسويق المتخصصة التي تستخدم أشكالًا متعددة وطرقًا متنوعة لإقناع الرأي العام لفائدة الأحزاب السياسية ومرشحيها.
وكمثال على ذلك، فقد بلغ حجم الإنفاق على دعاية الانتخابات التي جرت في المغرب عام 2021 أرقامًا غير مسبوقة، كما أنّ التقرير الإخباري الرقمي الذي نشره معهد رويترز، أوردَ أنّ الشبكات الاجتماعية أضحت تحلّ محل المواقع الإخبارية كمصدر أساسي للجمهور الأصغر سنًا، حيث يستخدم 39% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، وهو ما يعني إمكانية استغلال هذه الأرقام بشكل سلبي في الدعاية السياسية بشكل عام والانتخابية بشكل خاص، وهو ما أكده أيضًا تقرير موزيلا حول استخدام منصة تيك توك في الحملة الانتخابية بكينيا وتأثير المعلومات المضللة، وذلك بعد تحليل 130 مقطع فيديو من 33 حسابًا، حيثُ أوضح التقرير بعض النماذج التي استخدمها السياسيون للتأثير على الناخبين، ونشر أخبار كاذبة عن تزوير الانتخابات، مما أجّج الرأي العام وخلف مظاهرات عارمة أثرت على سير العملية الانتخابية.
وأمام هذه المعطيات، لا يسع مدققي المعلومات إلا بذل المزيد من الجهود للتحقق من الدعايات السياسية ومن المعلومات الواردة في الخطابات التي يلقيها السياسيون. وخلال نقاش حول تدقيق المعلومات في الانتخابات النصفية لسنة 2022 بالولايات المتحدة الأميركية، أوصت رئيسة تحرير منصة POLITIFACT الصحفية ومدققة المعلومات أنجي هولان، وهي من الصحفيين الحاصلين على جائزة بوليتزر حول جهودهم في تقصي الحقائق في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 في الولايات المتحدة، بأهمية الرجوع إلى مصادر الأخبار الموثوقة والتقليدية منها، كالقنوات الإخبارية التي لديها سجل حافل في الموثوقية، أكثر من الحصول على الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي. وشدّدت هولان على الحاجة لبناء التحالفات بين منصات التحقق وتعزيز قدرات جيل جديد من مدققي المعلومات للمساعدة باكتشاف حملات التضليل الهادفة إلى تغيير آراء الناخبين والسيطرة على العملية الانتخابية.
ويستخدم الصحفيون والمؤسسات الصحفية والبحثية طرقًا عديدة للتحقق من خطابات المسؤولين والمرشحين من بينها ما يلي:
- تحليل البيانات والأرقام والمصادر الواردة في الخطابات ومقارتنها بالحقائق الرسمية أو الأرشيف، في حالة عرض السياسيين لأرقام في خطاباتهم.
- البحث عن الدلائل داخل المحتوى من خلال تحري الدقة قي المعطيات التي يقدمها السياسيون في عرض حصيلتهم، التي قد تتعارض مع قاموا بتحقيقه فعليًا في الواقع.
- التواصل مع المصادر مباشرة، حينما يتعلق الأمر بإمكانية التحقق من أكثر من مصدر من المعلومات والإنجازات التي يقدمها المسؤولون.
- التحقق من الإعلانات الرسمية التي تنسب للسياسيين أو صفحاتهم عبر مراجعة تواريخ الإصدار، وطريقة الصياغة إن كانت تبدو غير رسمية ومقارنة التوقيع مع بيانات رسمية سابقة، ويتم التحقق أيضًا من نوع الخط المستخدم الذي قد يكون مختلفًا عن الخط الذي يتم استخدامه عادة في البيانات الرسمية.
- استخدام أدوات مفتوحة المصدر في البحث العكسي للصور، وتتبع بيانات الصور و مقاطع الفيديو، وكذا تتبع رحلات الطائرات والسفن لرصد المعلومات حول السفر وتواريخها لتتبع رحلات السياسيين لتحليل صحة قيامهم برحلات لبعض المناطق، أو كذلك لتحليل تأثير هذه الرحلات على الوضع السياسي وهنا بعض من هذه الأدوات: فلايت رادار، بايدو، 29a.ch ،yandex ،citizenevidence ،satellites.pro ،tineye وfotoforensics.
ومع صعوبة بعض هذه العمليات وتطلبها للوقت بين لحظات بث الخطابات ونشر الحقائق تعمل مؤسسات متخصصة في مجال التحقق على تطوير أدوات جديدة لمساعدة الصحفيين في مهامهم، وكمثال على ذلك تجربة جامعة دوك التي طوّرت أداة تستخدم تقنيات الذكاء الإصطناعي للتحقق الآني وفي نفس وقت إلقاء السياسيين خطاباتهم، وذلك بالاعتماد على قواعد بيانات مؤسسات عاملة في مجال التحقق، وجرت تجربة هذه التقنية على خطاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وأثبتت فاعليتها.
ولإنجاح عملية التحقق من خطابات السياسيين، على الصحفيين الالتزام بالحياد، تجنب المقارنة أو التفضيل بين السياسيين وعدم استخدام أسلوب تهجمي، كإطلاق أحكام حول مدى مصداقية أو كذب المسؤول أو السياسي، والاكتفاء بعرض الحقائق.
وفي هذا السياق، نفذت بعض منصات التحقق حملات توعية على مواقع التواصل الاجتماعي حول مخاطر استخدام المعلومات المضللة في الدعايات الانتخابية، مثل تجربة منصة تحقق بالمغرب التي أطلقت حملة #عين_على_الإنتخابات، واكبت من خلالها الانتخابات التشريعية عام 2021، كما قامت بنشر بعض البنود القانونية التي تؤطر الاستحقاقات الانتخابية خصوصًا فيما يتعلق بالعقوبات المنصوص عليها في استخدام الأخبار الزائفة أو الإشاعات التي تؤثر على آراء الناخبين.
كما دأبت المنصة على تدريب العديد من المهتمين بمجال تدقيق المعلومات من خلال عقد شراكات مع مؤسسات عالمية هادفة إلى الحد من انتشار الأخبار الزائفة عبر الإنترنت مثل الشراكة التي تم عقدها مع منصة TED وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والتي هدفت من خلالها منصة تحقق كذلك إلى تطوير إضافات مثبتة أو ما يعرف ب Extension لمتصفحات Chrome وAddon لمتصفحات Firefox، التي تسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن الأخبار الزائفة المتداولة على الإنترنت من أجل التحقق منها من طرف فريق عمل تحقق.
إلى جانب ذلك، قدّمت الشبكة العربية لمدققي المعلومات بعض النصائح لمحاربة التضليل خلال الانتخابات لمدققي الحقائق في العراق وذلك خلال الانتخابات التي جرت عام 2021 وشملت هذه الإرشادات معلومات للتفريق بين التضليل المتعمد وغير المتعمد وأنواع المعلومات الضارة بناءً على أمثلة من الحملات الانتخابية، وقدّمت الشبكة بعض الطرق والأدوات المفتوحة المصدر للتحقق من البيانات الرسمية المتداولة. ومن بين هذه الأدوات، هناك تقنيات ينصح بها الخبراء لكشف الصور المزيفة، ومقاطع الفيديو المزيفة، والتي تساعد في كشف زيف بعض المعطيات التي يكون الهدف منها إما الإضرار بالمنافسين في الانتخابات أو التشويش على الناخبين، وهو ما قامت بتطبيقه كذلك منصة فالصو لمكافحة الأخبار الزائفة والإشاعات بتونس خلال متابعة عملية التصويت على الدستور وكشفت عبر عدد من المنشورات زيف بعض الصور أو التصريحات واستخدامها في سياقات للتأثير على عملية التصويت، وذلك عبر الاستعانة بتقنيات البحث العكسي والتواصل المباشر مع المصادر.
أما بأستراليا فقد عمل فريق من الصحفيين والخبراء بشراكة مع مشروع ميتا للصحافة على التدقيق في العديد من المنشورات والأخبار المتعلقة بالانتخابات الفيديرالية بأستراليا شهر مايو/أيار 2022، خصوصًا تلك المتداولة على صفحات فيسبوك أو عبر تطبيق واتسآب، وقد عملت خوارزميات شركة ميتا على التقليل من ظهور المحتوى الذي يتم التبليغ عنه من قبل الخبراء بأنه مضلل أو كاذب، بحيث يراه عدد أقل من الأشخاص، ويتم إخطار الأشخاص الذين يحاولون مشاركة هذا المحتوى المصنف برسالة تحذر من أنه قد يحمل معلومات مضللة حول الانتخابات.
الصورة الرئيسية تحمل رخصة الاستخدام المجاني على أنسبلاش بواسطة باركر جونسون.