صحفية بدرجة "مراسلة حرب".. شيماء عادل: لا خبر يستحق الحياة ولكن!

Aug 4, 2021 in السلامة الرقمية والجسدية
صورة

شيماء عادل هي صحفية مصرية بدرجة "مراسلة حرب"، تمكّنت من صنع تاريخ في تغطية الثورات والنزاعات والمواجهات.

من غزة إلى سوريا إلى ليبيا إلى السودان تعددت الدول والموت واحد، تواجهه في كل مرة بثبات وعزيمة يحركها إيمانها بنفسها وبرسالة مهنتها، وشغفها بالحقيقة وبالإنسان الذي نصبته البطل الأوحد في قصصها بعيدًا عن اعتبارات الأيديولوجيات والأجندات والانتماءات.

استقت شيماء خبرتها كاملة من التجربة وحدها - ما بين هرب وإصابة واعتقال وثقته في كتابها "الكيزان"- فأصبح لديها ما تخبرنا به عمليًا عن السلامة المهنية وقواعد التغطية الصحفية من قلب المعركة بعيدًا عن نظريات الكتب.

شبكة الصحفيين الدوليين التقتها وكان هذا الحوار: 

كيف كانت البداية في مشوار تغطية الحروب والنزاعات؟

كانت بدايتي في العام 2008 كمتدربة في صحيفة المصري اليوم وكنت وقتها في عامي الأخير بكلية الآداب، في قسم الإعلام بجامعة عين شمس.

حدثني أحد الزملاء المدونين عن عزمه للخروج مع قافلة إنسانية متجهة لغزة المحاصرة آنذاك، حينها قفزت إلى ذهني فكرة أن أذهب مع القافلة للتغطية الصحفية ووجدت حينها أنّها فرصتي لإثبات ذاتي.

عرضت الأمر على رؤسائي في الجريدة إلا أن طلبي قوبل بالرفض، وببعض السخرية من صغر عمري، لكنه زاد من تحفيزي. لم أستسلم وقررت السفر بصحبة اثنين من الأصدقاء المسافرين لغرض إنساني مع القافلة، ومن دون تكليف من الجريدة.

في غزة قمت بعملي الصحفي، وكنت أرسل الكثير من الأخبار لكن معظمها لم يجد طريقه للنشر، وعندما استفسرت عن السبب أخبرني رئيس القسم آنذاك أن العمل الخبري سيحصرني، وطلب أن أتجه للقصص الإنسانية، وبالفعل أرسلت بعضًا من التقارير الإنسانية التي نالت الإعجاب فيما بعد وتم نشرها.

ألم تثنك متاعب تجربة غزة عن هذا النوع من التغطيات الصحفية؟

لا لم أفكر في ذلك، في أعقاب ثورة 25 يناير، عملت في التغطيات الميدانية، ومع بدء الثورة الليبية في 17 شباط/فبراير 2011 طلبت من رئيس التحرير الذهاب للتغطية من الحدود المصرية الليبية، بعدما علمت باتجاه قافلة مساعدات طبية للحدود التي كانت مغلقة آنذاك.

بعدما حصلت على موافقة رئيس التحرير الذي كان لا يعلم بنيتي دخول ليبيا، نشرت قصص المصريين العائدين من ليبيا بالجريدة، ثم نجحت في الدخول للأراضي الليبية ومدينة سرت من دون أن يعلم أحد، وبعد أربعة أيام توجهت إلى بني غازي وتحدثت إلى أسرتي ومسؤولي الجريدة بمساعدة المكتب الإعلامي هناك وأخبرتهم بوجودي هناك.

الاشتباكات كانت قوية ولم يكن معي إلا طقم واحد من الملابس وحاسوبي الشخصي. مكثت أسبوعين، كانت تنشر فيهما قصصي الصحفية يوميًا في جريدة المصري اليوم.

سافرت بعدها ثلاث مرات إلى ليبيا وكان آخرها المهمة الصحفية التي كلفني بها الأستاذ مجدي الجلاد رئيس تحرير الجريدة آنذاك بتغطية وقائع القبض على الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. وكان الوضع صعبًا للغاية حينها، والأشلاء في كل مكان. 

ماذا عن تجربتك في سوريا؟

ذهبت إلى سوريا في نهاية عام 2011 لتغطية مرور عام على الثورة السورية، ولم يسمحوا لي بالدخول من المطار وتم ترحيلي من حلب في اليوم نفسه إلى مصر بعد ساعات من الاحتجاز.

عاودت الكرة مرة أخرى ولكن بصحبة زميلتي سارة نور الدين في آذار/مارس 2012، بعدما تواصلنا مع وكالات الأنباء الدولية، وأبلغنا الزملاء أنه لا سبيل لدخول سوريا في ظل حالة التعتيم الإعلامية المفروضة هناك، إلا عن طريق تركيا وحدودها.

وبالفعل سافرنا إلى تركيا وتسللنا من إدلب، وكان ذلك عقب استهداف الصحفية الأمريكية ماري كولفين التي قتلت في حمص، وبعد يوم واحد من وجودنا هناك اكتشف الأمن السوري وجود صحفيين في المدينة وكنا نقيم وقتها مع عائلة سورية استضافتنا هناك.

نجح الأمن في الوصول للمكان وتم استهدافه وإطلاق النار، وقام السوريون المصاحبون لنا بإخفائنا وتهريبنا من باب خلفي، وظللنا مطاردين ليوم كامل نسير فيه مع مهرب حصل منا على ضعف الأموال -استغلالاً للظروف- عبر طرق داخل مزارع زيتون مخصصة لتهريب المصابين والأسلحة.

ساعدنا في ذلك ارتداؤنا للزي السوري، وأصبت في قدمي يومها نتيجة سقوطي أثناء الهرب.

في آب/أغسطس، عدت بمفردي لحلب في مهمة لصالح جريدة الوطن التي كنت قد انتقلت إليها. وكان هناك حرب شوارع في سوريا آنذاك.

في مهامك الصحفية السابقة كيف كان يتم اختيار المسكن، وما هي الدروس المستقاة من تجاربك؟

اختيارنا للسكن كان دائمًا بحسب الظروف على الأرض، في المرة الأولى في ليبيا أقمت في فندق مخصص للصحفيين ومجاور لفندق الأطباء، وهو تصرف خاطئ لأن وجود الصحفيين في فندق واحد يسهل استهدافه وهو ما حدث بالفعل، ونجحنا في الهرب من الموت واستضافتني عائلة ليبية في منزلها.

في سوريا، كان السكن يتم بواسطة العاملين في المراكز الإعلامية والذين كانوا يعهدون للعائلات السورية بنا. أقمت بصحبة زميلتي في بيت قديم من دور واحد تحيطه مبانٍ سكنية مرتفعة، وهو وضع مثالي وملائم لقواعد الأمن والسلامة كونه محمي من الاستهداف بالقصف ولا يثير الريبة.

إقرأوا أيضًا: خارطة الطريق للصحفيين في رحلتهم لتغطية الحروب والنزاعات والإحتجاجات

وعن إقناع الأسرة بفكرة عملك في المناطق الأكثر خطورة؟

لم أجد اعتراضًا من أسرتي، فقد تحدثت معهم أن هذه فرصتي الوحيدة للإعلان عن نفسي كصحفية بعملي.

ماذا عن تدريبات السلامة المهنية قبل خوضك للمهام الصحفية؟

لم أتلق أي تدريب وهذا كان تصرفًا خاطئًا دفعتني له حماسة البدايات، استدركته عقب اعتقالي بالسودان وعودتي، وحصلت بالفعل على دورة في السلامة المهنية من إحدى المؤسسات في لندن، وأصبحت مدربة للسلامة المهنية.

هل هناك مواصفات للمراسل الحربي أو الصحفي الذي يغطي المواجهات؟

بالطبع يجب أن يتحلى ببعض السمات الشخصية بجانب التدريب المهني، أهمها أن يكون مؤمنًا بما يفعله، ولديه من الشغف والفضول الصحفي ما يقوده لقصصه الصحفية.

ويوجد زملاء مهنيون، خاصة من المصورين الذين قاموا بعمل عظيم في التغطيات الميدانية للمواجهات في مصر بعد الثورة، لا سيما في الفترة ما بين 2012 و2013، منهم من لقي حتفه ومنهم من أصيب وما زال يعالج من إصاباته. هؤلاء أعتبرهم مراسلين حرب بامتياز.

أنت هنا تضعين تغطية الحروب والمواجهات في كفة واحدة؟

نعم أرى أنه من الخطأ إقصار لقب مراسل حربي على الصحفيين المتواجدين في مناطق الحروب.

هناك نوعان من التغطيات، تغطية حرب نظامية -بين جيشين- يكون الصحفي فيها ملمًا بأطراف النزاع، وقادرًا على وضع تصور واضح لخطة التغطية.

والنوع الثاني هو تغطية المواجهات بين طرفي نزاع في نفس البلد، والتي تصل في بعض الأحيان لحرب الشوارع -مثل ما واجهته في سوريا- وهذا النوع أصعب في تقديري من تغطية الحروب، لأن الصحفي يصبح معرضًا للموت من طرفي المواجهة.

ما هي الأخطاء خلال تجربتك في تغطية الحروب والنزاعات؟

من أهم الأخطاء التي ارتكبتها، كان استقلالي في ليبيا لسيارة محملة للسلاح المضاد للطيران، وإمساكي للسلاح والتقاطي الصور به، وهو أمر يعرض حياة الصحفي للخطر.

خطأ آخر قمت به في السودان عندما تم القبض علي، كنت ما زلت محتفظة بأرشيفي على اللابتوب الخاص بي، وهو ما ساهم في تعقيد الأمر.

لا يوجد خبر يستحق الحياة.. ما رأيك بهذه العبارة؟

عبارة أوافق عليها تمامًا ومقتنعة بها، ولكن الواقع على الأرض في بعض الأحيان يكون له كلمة أخرى. في رأيي أن الصحفي يجب أن يكون بوصلة نفسه وهو أقدر الناس على تقييم الموقف واتخاذ القرار المناسب.

حدثينا عن تجربة اعتقالك في السودان؟

عقب انطلاق المظاهرات في السودان، ذهبت للتغطية الصحفية ودخلت بشكل رسمي وبصفتي الصحفية هذه المرة.

بعد أربعة أيام من وصولي وعملي هناك جلست في مركز للإنترنت لإرسال عملي في تغطية مظاهرة كانت قد انتهت لتوها، بينما اقتحمت مجموعة من رجال الأمن المركز، بحثًا عن المتظاهرين وتم القبض علي مع جميع الفتيات المتواجدات، وكان معنا زميل صحفي سوداني يساعدني منذ وصولي، أنكرنا معرفتنا به ليتمكن من إبلاغ مؤسساتنا الصحفية بالقبض علينا.

كنت أتوقع أن يتمّ ترحيلي للمطار، لكن بعد ساعات من الانتظار في مكتب الأمن ورفض طلبي بالتواصل مع السفارة المصرية، تم إرسالنا لمعتقل سياسي كان قد تم استحداثه للسيدات وسط المعتقلين الجنائيين. وبعد خضوعي للتفتيش، تم حبسي مع مجموعة من الناشطات السياسيات من ضمنهم وزيرة صحة سابقة، وكانوا لا يسمحون لنا بالخروج أو الذهاب للمرحاض إلا في أوقات الصلاة، حتى أن إحدى المعتقلات المريضة بالسكر كانت تقضي حاجتها في إناء للطبخ.

كانوا يأخذوننا كل يومين معصوبي العينين لإجراء تحقيق ثم يعيدوننا مرة أخرى للمعتقل. حاولوا معي كثيرًا الوصول لما كنت قد صورته ووثقته منذ وصولي للسودان، لكنهم لم يجدوا شيئًا لأني تخلصت بمجرد القبض علي من الكارت في المرحاض، حتى لا يصلوا للمصادر والمواطنين، وبعضهم من دارفور وجبال النوبة لأنني وعدتهم بسرية اللقاءات خشية عليهم.

ذات يوم طلب منا رجل الأمن النظر للحائط ورفع أيدينا وقدم للأعلى، لكني رفضت بشدة، فأغلظ علي القول وواجهته بقوة حتى جاء رئيسه واعتذر. اكتشفت فيما بعد أن لائحة اتهامات معلبة قد ألصقت بي تتضمن التجسس وقلب نظام الحكم وتصدير الثورة المصرية للسودان.

في المعتقل، كنت حريصة على أن أتكيف مع الأوضاع الصعبة وكنت ألف جسدي برداء أسود منحته لي إحدى المعتقلات لأحمي نفسي من الحشرات، وأغذي نفسي بشكل جيد وأقوم بعمل بعض الرياضة، وأنام لساعات طويلة تمنحني تركيزًا وانتباهًا في التحقيقات، وثباتًا انفعاليًا حتى لا يتم جري لاعترافات تزيد من الطين بلة.

لم أنسَ دوري الصحفي وحرصت على الحصول على شهادات ومعلومات من السياسيات المعتقلات معي، وكنت أدرب عقلي على حفظها نظرًا لعدم امتلاكي لوسيلة أخرى.

وصلوا للشقة التي كنت أقطن بها وأخذوا "اللاب توب" وانتزعوا الهارد وتم تسليمي فيما بعد "اللاب توب" من دون هارد، حتى لا أستطيع استرجاع ما قمت بتصويره، فيما أعطوني أرشيفي الذي كان موجودًا على الهارد.

إقرأوا أيضًا: حتى لا تصبح جانيًا أو ضحية.. قواعد الصحافة الحساسة للنزاعات

ماهي أهم نصائحك للصحفيين والصحفيات لتغطية الحروب والنزاعات؟

  1. عدم استخدام  منصات الـ"سوشيال ميديا" أثناء التغطية في مناطق النزاعات، حتى لا يتم تحديد مكانك أو تصنف مع جهة بعينها.
  2. لا تتحدث مع الغرباء، ولا تصدق أي رواية، ولا تثق في أي شخص لأنه يمكن أن يكون جاسوسًا للسلطات.
  3. لا تصطحب "سمارت فون". الهاتف العادي القديم هو المناسب.
  4. اصطحب معك شنطة واحدة تحمل على الظهر، تحتوي على كاميرا و"ميني لاب توب"، وأطعمة الطاقة مثل التمر، بالإضافة إلى ملابس بسيطة ومريحة، وحذاء يسمح بالركض وعدم الانزلاق. 
  5.  لا تضع الأموال في مكان واحد، وإنما وزعها برباط حول الجسد أسفل الملابس.
  6. اتبع إجراءات الأمان الرقمي واستخدم أدواته، ولا تتحدث في الهاتف لأكثر من دقيقة أو دقيقتين.
  7. التحضير للمهمة الصحفية يمثل 80% من نجاحها.

يجب كتابة خطة السفر بالتفصيل، ووضع نسخة احتياطية منها مع طرف آخر تثق به.

كنت أترك خطتي مع الزميلة عبير سعدي، وكانت مقسمة لخطوات مرتبة، فعندما أرسل رسالة لعبير بالحرف "A" على سبيل المثال فهذا يعني أني قد نفذت الخطوة A، وبدأت في تنفيذ الخطوة التالية "B". هذا ما يخلق تواصلًأ بيننا ويعرفها على مكاني من دون أن يعرف أحد أو يفك شفرة المحادثة.

وضعت أيضًا في خطتي مع عبير أسئلة شخصية جدًا، حتى إذا تم اعتقالي أو القبض علي ومكنوني من التواصل معها تليفونيًا تكون تلك الأسئلة الضمانة لها أني من يحدثها وليس شخص آخر.

أيضا أكون حريصة في خطتي على ترك وسائل تواصل بالمحيطين بي في موقع التغطية في كل مرحلة من مراحل الخطة، لكي يكونوا مرجعًا عند اختفائي في إحدى مراحل الخطة.

  1.  يجب أيضًا دراسة المنطقة التي سيتم السفر إليها، عاداتها وتقاليدها ولغتها وزيها، بالإضافة إلى الوضع السياسي والاجتماعي للالتزام به وعدم الظهور كغريب يثير الشكوك.
  2. لا بد من وضع خطط بديلة والتنسيق مع أطراف أخرى على الأرض.

في سوريا حدثت فيضانات نتيجة ضرب سد من سدود الفرات أغرقت المطار، ونتيجة لتحضيري لخطة بديلة تمكنت من إيجاد وسيلة للانتقال بالطائرة.

  1. التواصل مع الصحفيين الذين قاموا بمهمات صحفية حديثة في مكان التغطية، لتحديث المعلومات عن المكان وجميع ملابساته.
  2. أخيرًا اجعل تغطيتك الصحفية خالصة للإنسان بعيدًا عن انحيازات الجنسية أو اللون أو التيار السياسي أو المؤسسة التابع لها. واجعل البطل في قصصك الصحفية هو الإنسان الذي يدفع وحده ضريبة الحروب والنزاعات.

عمرو أحمد الأنصاري هو صحفي مصري يعمل مديرًا للتحرير الرقمي في مجلة روزاليوسف ومحاضرًا في الصحافة وصناعة المحتوى. حصد العديد من الجوائز في التحقيقات الصحفية والمقالات.

الصورة الرئيسية للصحفية شيماء عادل