استطاع البودكاست أن يُوجد لنفسه مكانًا راسخًا فى عالم الإعلام خلال السنوات الماضية، وعلى المستوى العربي بات هذا النوع من المحتوى مستساغًا بقوة لدى شرائح من الجمهور لاسيما حين يُصنع بمهارة وحرفية.
في جلسة حوارية بعنوان "أسرار البودكاست الناجح" تحدث رمزي تسدل، المدير التنفيذي لمنصة البودكاست "صوت"، عن أسرار الرواج الكبير الذي لاقته البرامج التي أنتجتها "صوت" منذ انطلاقها عام 2016، وذلك خلال "منتدى الإعلام والتنمية" الذي أقيم في باريس، فرنسا.
وعلى هامش الجلسة أجرت "شبكة الصحفيين الدوليين" معه هذا الحوار للتعرف منه على ما وراء الكواليس، كيف انطلقت "صوت" وما أسرار نجاحها، وما هي العوامل الأساسية التي يتطلبها نجاح إنتاج البودكاست.
انطلق رمزي في عالم البودكاست على إثر متابعته لبرنامج "سيريال"، وهو بودكاست أميركي استقصائي شهير، ويقول عن ذلك: "كان الناس يتحدثون بإعجاب عن هذا البرنامج في كل مكان، وفكرت حينها لماذا لا يكون لدينا محتوى عربي يحقق نفس الرواج في منطقتنا، وأنتجت برنامجًا بمفردي في عام 2016 ثم قررت أن أشكل فريقًا ونعمل معًا على إنتاج البرامج وبدأنا في "صوت" بثلاثة برامج، وحاليًا أصبح لدينا 25 برنامجًا متنوعًا بين الموضوعات الاجتماعية والموسيقى والسياسة والأخبار وغيرها".
السر الأول: فكرة جديدة، جريئة، مختلفة
والسر الأول للرواج الكبير الذي لاقته البرامج الأولى التي أنتجتها صوت مثل "دم تك" و"عيب" هو الخروج عن المألوف وكسر التابوهات الاجتماعية.
و"صوت" هي منصة بودكاست تنتج وتوزع برامج صوتية باللغة العربية، يقع مقرها في العاصمة الأردنية عمَان. تم إنشاؤها من قبل حازم وطارق زريقات ورمزي تسدل كشركة بودكاست وتم توسيعها رسميًا إلى منصة في عام 2017.
وقال رمزي: "نستخدم كلمة عيب كثيرًا في مجتمعاتنا العربية، ولذلك فكرنا أن نتحدث في "عيب" عن المواضيع التي لا يتم تداولها عادة لأنها بمثابة تابوهات اجتماعية. اخترنا مواضيع جريئة وجديدة ومختلفة وهذا ما حقق رواجًا كبيرًا وأحدث ضجة في المجتمع، وأنتجنا منه حتى الآن عشرة مواسم وأكثر من 120 حلقة".
ولذلك ينصح رمزي الراغبين في الانطلاق بمشاريعهم أن يقوموا أولًا بالدراسة والبحث الجيد في محيطهم عما يُقدم من برامج، حتى يستطيعون طرح الجديد والمختلف من الأفكار والموضوعات.
السر الثاني: السرد البسيط، الجذاب بدون التنازل عن أخلاقيات الصحافةالمكون الأهم بالنسبة لرمزي بعد اختيار الفكرة هو كيفية تنفيذها والقدرة العالية على السرد بطريقة بسيطة وجذابة وقريبة من الناس بدون التنازل عن معايير وأخلاقيات الصحافة.
"من الممكن إنتاج البودكاست بأبسط الأدوات والطرق المتاحة لتسجيل وعزل الصوت، نستطيع استخدام الهاتف لتسجيل الصوت، والتسجيل داخل الخزانة أو أي مكان هادئ إذا تعذر التسجيل في الاستديو ولكن يبقى العنصر الأهم على الإطلاق للنجاح هو القدرة على الوصول للناس من خلال معالجة الأفكار بطريقة سهلة وجذابة"، مستدركًا "وبالطبع كلما زادت جودة الميكرفون وسبل عزل الصوت كان ذلك أفضل".
وهناك نوع آخر رائج من البودكاست يتمثل بالبرامج التي يشارك فيها شخص تجربته، ويتحدث في موضوعات الصحة النفسية، وتنتشر بشكل كبير في الخليج، علاوة على البودكاست الكوميدي، ويحقق رواجًا في مصر.
وأعطى رمزي أمثلة لمنصات وشركات بودكاست تحقق رواجًا على المستوى العربي بالإضافة إلى "صوت" ومنها منصة "حكواتي"، وإذاعة "ثمانية"، وعلى المستوى العالمي "الباقي تاريخ" و"الباقي سياسة".
السر الثالث: التعلم والتطوير الذاتي
ينصح رمزي صانعي المحتوى بالتعلم والتطوير الذاتي والاستفادة من المصادر التعليمية المتوفرة عبر الإنترنت للتعرف على المهارات التي تحتاجها مراحل الإنتاج المختلفة. وتنقسم إلى ثلاث مراحل؛ وهي مرحلة ما قبل الإنتاج؛ وتشمل اختيار الموضوع والبحث وكتابة الاسكريبت، ومرحلة الإنتاج؛ وتتضمن تسجيل الصوت وإجراء المقابلات مع الحالات والخبراء، وأخيرًا مرحلة ما بعد الإنتاج؛ وتتضمّن التحرير الصوتي والمونتاج والنشر.
وأنتجت "صوت" برنامج "كواليس" للراغبين في اكتساب مهارة التصنيع والتعرف على خطوات إنتاج البودكاست وكيفية التواصل مع الجهات المانحة وعقد الشراكات، ويتضمن الكثير من الحلقات الهامة للراغبين في الانطلاق بمشاريعهم ومنها حلقات "البحث، تطوير الفكرة، كتابة الاسكريبت، تسجيل الصوت، التحرير الصوتي، الموسيقى والمؤثرات الصوتية، أدوات النشر والتوزيع، المنح والشراكات" وغيرها من العناصر الأساسية لإنتاج البودكاست.
وعن عادات الاستماع للبودكاست، قال رمزي إن أغلب الأشخاص يستمعون إلى البودكاست عبر منصات وتطبيقات البودكاست أو الموسيقى مثل سبوتيفاي وأنغامي وآبل بودكاست وجوجل بودكاست، والقليل جدًا من يدخل للاستماع من الموقع الأصلي، وهذا يساهم بشكل ما في انتشار المحتوى بشكل أوسع لكن عيبه هو إمكانية تحكم المنصات في الإنتاج.
السر الرابع: تنويع مصادر الدخل لضمان الاستقلال
والسر الرابع من أسرار النجاح هو تنويع مصادر الدخل، وقال رمزي: "من المهم عدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل لضمان الاستمرارية والاستقلالية كذلك وعدم تحكم الجهات المانحة في المحتوى المقدم، وبدأنا في "صوت" بمنح صغيرة ثم توسعنا، و30% فقط من ميزانيتنا حاليًا معتمدة على المنح، والنسبة الباقية والأكبر هي دخل نحققه من إنتاج البرامج للآخرين وتقديم خدمات استشارات وتدريب".
ويتطلب نجاح البودكاست، كأي مشروع، وجود نموذج عمل يضمن الاستقلال والاستمرارية عبر طرق متنوعة.
الصورة الرئيسية بعدسة رحمة ضياء.
إقرأوا المزيد من المقالات لـ
