"ضخت الحكومة الأميركية ما يقدر بنصف مليار دولار أميركي لإعادة إحياء وسائل الاعلام في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003. كانت المرة الأولى منذ ثلاثة عقود التي تتاح فيها الفرصة أمام المواطنين العراقيين للوصول الى صحافة حرة، لكن الوضع الحالي لوسائل الإعلام الاخبارية في الجمهورية التي تقبل بالتعددية الحزبية، لا يزال بعيداً عما كان يأمله كثيرون". هذا ما خلص إليه تقرير أصدره مؤخراً المركز الدولي لمساعدة وسائل الإعلام في العاصمة الأميركية، واشنطن (CIMA).
وفي ندوة نظمها المركز برعاية الصندوق الوطني للديمقراطية، ناقش الخبراء التقرير الذي صدر بعنوان "وسائل الإعلام العراقية ما بعد صدام: تحرير، قمع، وآفاق المستقبل" (إنقر هنا للاطلاع على التقرير كاملاً).
أدار هذه الندوة ليث كبة، المدير المسؤول عن قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في برنامج الصندوق الوطني للديمقراطية، وشاركت فيها شميم رسام، وهي خبيرة في الإعلام العراقي، التي أطلقت أول محطة راديو أف أم عراقية عام 1980، وعمار الشهبندر، مدير البرامج في معهد صحافة الحرب والسلام (IWPR) في العراق.
يحاول التقرير تحديد نوعية وسائل الإعلام، التي ستبقى عقب انسحاب الجيش الاميركي من العراق، وبالتالي كيفية استمراريتها عقب الانسحاب المادي (الجهة الممولة لهذه الوسائل)؛ كما يقدم التقرير تشخيصاً للصحافة العراقية المستقلة الناشئة.
تقول كاتبة التقرير شيري ريتشياردي، إحدى كبار الكتاب لـ"أمريكان جورنلزم ريفيو" المتخصصة في القضايا الدولية أن "الواقع على الأرض اليوم بعيد كل البعد عما تصور مخططو البنتاغون عند تطلعهم لاعادة تنظيم الصحافة في العراق". وأضافت "لقد تحولت كثير من وسائل الاعلام العراقية الى أبواق الفصائل العرقية والسياسية، التي يمكن أن تؤجج الطائفية التي قادت البلاد إلى حافة حرب أهلية".
ورأى التقرير أن حرية الصحافة لا تزال مهددة، "ففي حين تفاخر الحكومة العراقية بحرية الصحافة وتنوع وسائل الإعلام؛ لا تزال حرية الصحفيين لتغطية بعض القصص، أو الحصول على المعلومات مقيدة بشدة. كما أن الدستور العراقي الجديد الذي أَقرّ في تشرين الاول/ أكتوبر عام 2005، وضع إطاراً لحماية حقوق الإنسان الأساسية وحرية التعبير. ومع ذلك، لا تزال القوانين الجنائية المتبقية من عهد صدام حسين سارية المفعول على الكتب، إضافة الى قوانين أخرى وضعت من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة، مثل القرار 14 حول "النشاط الإعلامي المحظور"، الذي استخدم لاغلاق أبواب عدد من وسائل الاعلام.
حيدر حمزوز، وهو مدون عراقي شاب في أوائل العشرينات من عمره، والذي يدير مدونة شوارع عراقية من أجل التغيير يقول لـريتشياردي"لا يمكنك التنقل بسهولة [في العراق]، لأن الجميع يعرف الجميع، والجميع في بغداد يحملون مسدسات، بإمكانهم أن يوقفوا صوتك برصاصة واحدة، بإمكانهم أن يبرحوك ضرباً ولن يهتمّ بك أحد"[...]..
على الرغم من عدم تحقق العديد من التطلعات، فقد تغيرت بعض الأمور إلى الأفضل في الإعلام العراقي. يعلّق الشهبندر: "اليوم في العراق لربما تدفع الثمن إذا أردت القيام بتحقيق إستقصائي، لكن دون أدنى شك كنت بالتأكيد ستدفعه في ظل نظام صدام حسين. [الآن] عندما يظهر صحفي بطاقته الصحفية في نقاط التفتيش العراقية، "يخشى" منه ويحترمونه للقيام بعمله". وختم قائلاً "انه حتى رئيس الوزراء نوري المالكي يقلق وتتشنج أعصابه، عندما تنشر عنه الصحف شيئاً يعتبره سلبياً".
في الختام، لربما جملة واحدة تعلق في ذهن متابع التقرير، وهو ما شددت عليه ريتشياردي في تقريرها، أن غالبية الصحفيين العراقيين، ومعظمهم من المستقلين، كانت لديهم رسالة واحدة بسيطة: "من فضلكم لا تنسونا".