لا زلت أذكر جيّدًا المرّة الأولى التي استفدتُ فيها من لغتي الإنجليزية في المجال المهني. كنتُ طالبة في الجامعة أدرس اللغة والآداب الصينية، وكانت أستاذتي الصينية-الأميركية تعرف أنني أمتلك مهارة جيدة في الانجليزية كتابة وتحدّثًا. لذلك، عندما قدم فريق من الجارديان البريطانية إلى تونس لتغطية الانتخابات التشريعية الأولى فيها بعد الثورة وطلبوا من أستاذتي توصيتهم بمتحدّثة للّغة يمكنها الترجمة من وإلى العربية، نصحتهم بي.
كنتُ قد صقلت مهارتي في اللغة الانجليزية وأنا في الصّين، حيث كنتُ أدرس في جامعة دولية يجتمع فيها طلاب من عشرات الجنسيات، ممّا يجعل الانجليزية "ملاذ الجميع". قلّ مع مرور السنوات استخدامي للانجليزية في حياتي اليومية والمهنية، ولكنّ قدرتي على فهم المحادثات والوثائق وعلى الترجمة الدقيقة لم تتأثّر. ولا ريب أنّ القدرة على فهم الأخبار أو الوثائق بلغتها الأصل وعلى ترجمتها وفهم سياقها تعدّ اليوم مهارة ضرورية لدى كلّ الصحفيين، على اعتبار أنّ المعلومة نفسها "ملقاة على قارعة الطريق" لكنّ ما وراءها ليس متاحًا للجميع.
هناك عدّة أسباب أراها مهمّة لنتقن كصحفيين/ات من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللّغات الأجنبية وعلى رأسها الإنجليزية:
-فهم الرواية الأجنبية للأخبار المتعلّقة بشؤوننا المحلّية والتمييز بين التغطيات المختلفة لوسائل الإعلام والقدرة على التحليل النقدي.
-القدرة على التواصل بشكل جيد مع الصحفيين/ات والمنظمات الصحفية من مناطق أخرى والتشبيك معهم/ن.
-ضمان وصول أكبر للقصة الصحفية.
-الوصول إلى موارد غير متاحة لغير المتحدثين باللغات الأجنبية (وثائق رسمية للحكومات، تقارير...).
-القدرة على التحدّث باللغة المحلّية من دون الاعتماد المطلق على الـ"فيكسر".
-إمكانية الوصول إلى فرص تعاون وعمل أكبر وأوسع.
الآن وقد اتّفقنا على أهمية إتقان لغة أجنبية، الإنجليزية مثالًا، فيما نقدّم بعض الموارد لنتعلّم اللغة من دون إثقال كاهل حسابنا البنكيّ:
1. البحث عن فرص تعلّم الانجليزية المتاحة للصحفيين
تقدّم عدّة منظمات تعنى بالشأن الصحفي دورات مجانية، في الغالب، لتعلّم اللغة الانجليزية. بعض هذه الفرص وقتيّ مرتبط بآجال تقديم وترشّح وبعضها الآخر مستمرّ يمكن الالتحاق به في أوقات مختلفة. من أبرز هذه الفرص دورة "اللّغة الانجليزية للصّحافة" التي تقدّمها جامعة بنسيلفانيا وهي متاحة على منصّة كورسيرا (Coursera). كما أنّ أميدست (Amideast) تتيح في عدّة دول عربية، مثل الأردن، دورات لتعلّم اللّغة الانجليزية للصحفيين فيمكن متابعة موقعها الخاصّ ببلدك.
2. الاستفادة من المواد التعليمية عبر الإنترنت
إذا أردت التعلّم بمفردك وحسب إيقاعك الخاصّ فيمكنك الاستفادة من الموادّ التعليمية التي تضعها بي بي سي (BBC). 30 وحدة تعليمية ستتدرّج فيها من كيفية تقديم نفسك إلى كيفية الحديث عن الكوارث!
3. مشاهدة مقابلات ومحاضرات للصحفيين على يوتيوبنادرًا ما أقوم بعمل من أعمال المنزل من دون يوتيوب في الخلفية! وهكذا، فقد شاهدت، وسمعت، كثيرًا من محاضرات TEDx فيما أنا أطبخ أو أنظّف. يمكنك مثلي إذن، ضرب عصفورين بحجر واحد: تعلّم الإنجليزية والسّرد القصصي في الخطابات عن طريق فيديوهات يوتيوب. هنا مثال مع الصحفية الأميركية كارول مارين ومحاضرتها عن "دروس في الصّحافة الاستقصائية".
4. الالتحاق بإحدى المجتمعات الخاصّة بالصحفيّين/ات
هناك عدّة مجتمعات عبر الإنترنت حصرية للعاملين/ات في المجال الصحفي، وعلى رأسها مجتمع "لينكد إن للصحفيين/ات" الذي يضمّ أكثر من 94 ألف عضو.ة ويمكن فيه التواصل والتشبيك مع زملاء وزميلات حول العالم والوصول إلى الفرص المتاحة.
5. مطالعة الكتب الأجنبية باللغة الأصلية
جميعنا نحبّ المطالعة باللغة العربية، أليس كذلك؟ لكن من المهمّ أيضًا أن ننهل من الثقافة والعلوم بلغاتها الأمّ. أحد الصحفيين الّذين من الضروري أن نطّلع على كتاباتهم هو الصحفي الاستقصائي الأميركي سيمور هيرش.
في الختام، مهمّة تطوير مهاراتنا اللغوية شأن خاصّ يجب أن نخصّص له الوقت والجهد وما تيسّر من المال. لكنّني أعتقد أنّه من الضروري أن تلتفت المنظمات العاملة في مجال تمكين الصحفيين/ات إلى أهمية تكوينهم اللّغوي عن طريق توفير باقات لتعلّم اللّغة لدى Amideast أو British Council أو الدورات المدفوعة عبر الإنترنت. فعندما نستعين بمدرّب أجنبي ونحن ندرك أنّ مستوى المتدربين سيحول دون فهمهم واستيعابهم الكامل لما يقوله أو ما يشرحه، فإنّ الأثر الّذي نحدثه سيبقى منقوصًا. فالتأثير لا يجب أن يكون "حضر عدد كذا التدريب" بل "عدد كذا فهموا جيّدًا موادّ التدريب واستوعبوا كيفية الاستفادة العملية منها في عملهم". كما أنّ إتقان اللّغات الأجنبية، وعلى رأسها الانجليزية، يسمح للصحفيين/ات المتميّزين/ات بالحصول على فرص أفضل للتعاون والعمل وهذا أسمى أهداف التمكين.
الصورة الرئيسية بواسطة كلاريسا واتسن على موقع أنسبلاش