نصائح من الميدان للصحفيين على الخطوط الأماميّة

Nov 9, 2023 في تغطية الأزمات
صورة تعبيرية

في الوقت الذي ترتفع فيه إحصائيات استهداف الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام حول العالم، إذ تقدّر وكالة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عدد الصحفيين الذين تم قتلهم عام ٢٠٢٢ بستة وثمانين، أي بمعدل صحفي كل أربعة أيام، وتظهر الأرقام مدى خطورة العمل الصحفي، فقد خسر الجسم الصحفي 34 صحفيًا فلسطينيًا وصحفيًا لبنانيًا منذ بدء الحرب الأخيرة في غزة.

في هذا السياق، يرى غيث السيد، وهو مصوّر مع وكالة أسوشيتد برس أنّ "إجراءات السلامة الشخصية هي أهم وسيلة لحماية المصوّر لنفسه، ويجب أن يكون المصور على دراية بالإجراءات الأمنيّة، وعلى اطلاع دائم على الأحداث الجارية، وتلك المعرفة تساعد على فهم السياق وتحليل الأخطار المحتملة التي قد يواجهها المصور أثناء تغطية الخبر". ويضيف السيّد: "في حالتنا كمصورين في شمال غرب سوريا نعيش الحدث على نحوٍ يومي لذا فإن معداتي لا تفارقني أبداً، الكاميرا هي عيني الثالثة لا يمكن أن تكون بعيدة عني"، وينصح غيث الصحفيين بأن يكونوا سريعي البديهة بالتعامل في اللحظات الحاسمة، وأن يكون الصحفي متجاوباً مع ما يجري حوله "فهو يحمل مسؤولية كبيرة في نقل الحدث والواقع"، ويكمل: "في كل زيارة لي للمستشفى الذي يستقبل المصابين أقوم بتطبيق بروتوكول المستشفى على نحوٍ هادئ، وأتعاون مع الناس والكوادر الطبيّة، ولا أقوم برفع الكاميرا فوراً عند الدخول، بل أقوم بالتعريف بنفسي أولاً كصحفي، وأحاول اختيار الزاوية المناسبة لتغطية الحدث أمامي، وأوصي الصحفي بأن يكون إنساناً قبل أن يكون ناقلًا للخبر، وذلك بإظهار الاحترام لقصص الناس ومعاناتهم وما مروا به من ظروف صعبة والاستعداد لاحترام رغبة الأشخاص الذين قد يرغبون بعدم تصويرهم وتفهم حالتهم".

إذًا من المهم اتخاذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة قبل التوجه للتغطية الصحفيّة، وفي هذا الإطار، يرى المراسل السوري هادي العبدالله الفائز بجائزة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة أن أهم نصيحة يقدمها هي "وضع خطّة متكاملة قبل التوجه للتغطية الإعلاميّة، فهم الطبيعة الجغرافيّة للمنطقة التي يتم التخطيط للتوجه إليها بالإضافة إلى إدراك أطراف وطبيعة الصراع الدائر، مع التجهيز الكامل سواء للمعدات التي أنوي استخدامها أو الموضوع الذي أقوم بتغطيته، وذلك قبل أن أصبح في أرض الحدث"، حيث يرى العبدالله أنّه من الصعب أن يتم التجهيز أو الارتجال في أرض الحدث ولا سيما أن ذلك من الممكن أن يؤثر في موضوعية نقل الحدث، وحتى تأثر السلامة الشخصيّة أو جودة المادة الصحفيّة، مضيفًا أنّ "وضع مخطط زمني هو أمر مهم يجعلنا نعلم الوقت اللازم لتغطية كل جوانب الخبر وإنجاز الأمر ضمن الوقت اللازم وبأسرع شكل ممكن، ومن ثم الانسحاب لمنطقة أكثر أمناً".

من جهته، يوصي عمر البم، المصور الصحفي لصالح وكالة أسوشيتد برس، الصحفيين "بارتداء السترات والخوذ الواقية التي تظهر أنهم من الطاقم الصحفي بشكل صريح، وذلك من أجل سلامتهم، وبامتلاك كل صحفي لمعدّات الإسعاف الأولي وخصوصاً قاطع النزيف الذي يمكن أن ينقذ حياة الصحفي في حال الإصابة في مكان بعيد نوعاً ما عن الطواقم الإسعافيّة أو في حال عدم تمكن الإسعاف من الوصول لمنطقة التغطية".

كما يرى العبدالله أنّ الاستعداد النفسي مهم جداً للصحفيين في الميدان "يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّه يجب على الصحفي أن يكون متماسكاً وضابطًا لنفسه وأعصابه قدر المستطاع، وذلك ما يساعده على حماية نفسه وإمكانيّة الحصول على المعلومات بدقّة وموضوعيّة بأكبر جودة ممكن وأسرع وقت"، ويتفق معه المصور الصحفي عمر البم فـ"العمل في هذا المجال يتطلب شجاعة كبيرة وأيضاً صلب الشعور، لا يتحمل الكثير من الناس المشاهد المؤلمة، ولذلك رباطة الجأش والقوة وعدم الانهيار هي من أساسيات الصحفي في الميدان، كي لا يشكّل مشكلة إضافيّة للطواقم التي تحاول إنقاذ الناس، ولا يكون عائقاً لمن حوله، مهمته أن يغطي الخبر لا أن يكون هو الخبر".

بوجود الصحفيين الميدانيين كجزء من الحدث يرى هادي العبدالله أنّه من الصعب أن يكون الصحفي حياديًا، ويقول: "على نحوٍ شخصي لا أرى نفسي حياديًا، ولا سيما أنني من ضمن الضحايا الذين تم استهدافهم بشكل مباشر. سواء في سوريا أو أوكرانيا أو معظم الصراعات حول العالم نرى دائماً استهداف الصحفيين بشكل مباشر، ولكن أحاول قدر الإمكان أن أكون موضوعياً، وأنقل المعلومات بشكلٍ دقيق لأترك الحكم للمشاهد أو القارئ، ولا سيما أننا في زمن وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد المصادر، ومن السهل كشف زيف خبر أو معلومة ما، لذلك أحاول أن أكون ناقلاً للواقع كما هو كي أعزز ثقة المتابع بي، ورغم صعوبة الموضوعيّة عندما تكون جزءاً من الحدث، ولكن الالتزام بها يكسبني ثقة المتابعين".

ويقول المصور الصحفي عمر البم "الحفاظ على الحياديّة والموضوعيّة أمر ضروري كي يبقى المصدر موثوقًا، لذلك أحاول دائماً نقل المعلومات والروايات من مصادرها بدون تبنّي الرواية الصادرة من أي جهة، كما أحرص على توصيف واضح لكل جهة قمت بأخذ المعلومات منها، وأترك المتلقي أمام المعلومات كي يكون صاحب القرار".

وفي التعامل مع قيود الوصول والتحرك في مناطق النزاع، ينصح البم بدراسة المنطقة التي يجري فيها الحدث: "أحاول دائماً دراسة المنطقة ومعرفة الحواجز والنقاط العسكريّة والجهات التي تسيطر عليها، وذلك لرسم خريطة التحرك، وبناءً على ذلك أقوم بدراسة خطة التحرك ضمن هذه المنطقة، ثم أن ذلك يساعدني على اختيار وسائل النقل والطرق التي سوف أسلكها أثناء التغطية".

وبهذا الخصوص يضيف هادي العبدالله "من المهم أيضاً اختيار المرافقين أثناء التغطية، هل هم على دراية كافية بالمنطقة، مع التنبيه أن قلّة الدراية بمنطقة ما والذهاب لتغطيتها يمكن أن يؤدي للاعتقال أو حتى الاستهداف المباشر أحياناً، كما أوصي الصحفيين بإرسال تحديث دوري لشخص خارج منطقة الحدث عن الوضع بشكلٍ عام، وعن مكان الوجود بشكلٍ خاص، وذلك لإتاحة مجال إرسال المساعدة في حال انقطاع الاتصال".

ويضيف السيد "أهم نصيحة أقدمها للصحفيين الميدانيين، هي عدم الاستهتار أو الشعور الزائف بالأمان، مع وجود طائرات الاستطلاع والتقنيات العسكرية الحديثة، يمكن أن يتم الاستهداف بأي وقت بدون سابق إنذار، ثم أن بعض الصحفيين يظنون أن ارتداءهم الخوذة والدرع هو أمر كافٍ كي لا يتعرضوا للاستهداف، علماً أن هذا الأمر غير صحيح، وقد رأينا الاستهداف المباشر الذي يحدث للطواقم الصحفيّة، بشكلٍ شخصي رأيت كيف يتم استهداف المدنيين بشكلٍ عام والصحفيين خاصةً، لذلك من المهم أن يبقى الصحفي يقظًا ويتّخذ جميع الاحتياطات الممكن اتخاذها".

كما يمكن للصحفيين الاطلاع على دليل لجنة حماية الصحفيين "لأمن الصحفيين - تغطية الأخبار في عالم خطير ومتغيّر"، وقراءة مواد سبق نشرها حول هذا الموضوع على موقع شبكة الصحفيين الدوليين مثل "تدريبات المراسل الحربي قبل الذهاب للتغطية من مناطق النزاع"، "خارطة الطريق للصحفيين في رحلتهم لتغطية الحروب والنزاعات والاحتجاجات" و "كيف تبني فريقاً إعلامياً في مناطق النزاعات؟".

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أندريه واجنر.