في الآونة الأخيرة، انتشر مصطلح "أهداف التنمية المستدامة"على نطاق واسع، وأكثر من أي وقت مضى وبدأت الدول في وضع برامج كاملة لتضمينها في خططها التنموية، لذا باختصار يمكن القول إنّ هذا المصطلح هو "الاتجاه الجديد" الذي سيتخلّل عشرات القضايا التي تهم الصحفيين، ولا بد أن يشتبكوا معه بطريقة أو أخرى.
سيقدم هذا المقال شرحاً لأهداف التنمية المستدامة، ويشارك معكم بعض النصائح لكتابة القصص عنها بالطريقة التي تهم مجتمعاتنا المحلية، إضافةً إلى بعض الدلائل الإرشادية والموارد المتخصصة التي تتيح المعلومات والبيانات حول هذه القضية.
في البداية، ما هي أهداف التنمية المستدامة؟
تعرّف الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة بأنها "خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع، وتتصدى هذه الأهداف للتحديات العالمية المتعلقة بالفقر وعدم المساواة وتغير المناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة"، وتتطلع دول العالم إلى تحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2030.
وأهداف التنمية المستدامة 17 هدفاً وعادة يُشار إليها في المفاوضات والمؤتمرات والبيانات الإعلامية بمصطلح SDGS، وهذه الأهداف هي القضاء على الفقر، والقضاء على الجوع، والصحة الجيدة والرفاه، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والنظافة الصحية، والطاقة النظيفة بأسعار معقولة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، وتعزيز الصناعة والابتكار، والحد من أوجه عدم المساواة، ووجود مدن ومجتمعات محلية مستدامة، وتحقيق الاستهلاك والإنتاج المسؤولين، وتعزيز العمل المناخي، وتعزيز الحياة تحت الماء، والحياة في البر، والسلام والعدل والمؤسسات القوية، وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
وقد أطلقت الأمم المتحدة تقريراً لقياس التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكانت النتيجة مؤسفة للغاية، إذ أبرزت النتائج أنّ 17 في المئة فقط من الأهداف تسير على المسار الصحيح، بينما توقف العمل تمامًا أو تراجع فيما يتعلق بأكثر من ثلث هذه الأهداف، وهو ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله: "في عالم من الثروة والمعرفة والتكنولوجيات غير المسبوقة، فإنّ حرمان الكثيرين من الاحتياجات الأساسية أمر فظيع ولا يمكن تبريره".
إذًا، بمجرد إلقاء نظرة على الأهداف السبعة عشر، سيدرك الصحفي أنه يمكن ربط التنمية المستدامة بعشرات القصص الصحفية المتعلقة بنطاقات مختلفة من التغطيات الصحفية، ومن بينها قصص العدالة الاجتماعية، وأزمات الغذاء، وتأثيرات الحروب والتوترات الجيوسياسية، والفقر والحماية الاجتماعية، وقضايا البيئة وتغير المناخ والتنوع البيولوجي، ومعدلات المساواة بين الجنسين، وبالطبع قصص التنمية الاقتصادية.
وبشكل عام، قد يبدو أنّ تغطية قضايا التنمية المستدامة لا تحظى بالاهتمام الكافي في البلدان العربية، لكن في اعتقادي الشخصي أن الفجوة هنا تكمن في عدم الربط بين كل القضايا التي نقوم بتغطيتها صحفياً وبين أهداف التنمية المستدامة التي نتطلع إلى تحقيقها، أي أننا لا نخلق هذا الرابط ولا نروي القصص من هذه الزاوية.
وهنا قد يطرح البعض سؤالاً: هل يجب أن أكون صحفيًا متخصّصاً لأستطيع الكتابة عن قضايا التنمية المستدامة؟ الإجابة هي لا، لأن هذه القضايا تمس عملك مهما كان تخصصك الصحفي، لذا فالهدف هنا أن تخرج تقارير التنمية المستدامة من منظور "الموضوعات المتخصصة المحدودة"، إلى منظور أكبر وأعمق يمكن من خلاله تمرير مئات القصص التي تهم مجتمعاتنا المحلية، وأن تحتل هذه القصص صدارة التغطيات الصحفية بدلاً من الانزواء في أقسام هامشية بزعم عدم اهتمام الجمهور بها، لأن الإعلام هو المنوط به خلق وعي الجمهور وجذب وقته واهتمامه.
دلائل إرشادية للكتابة عن قضايا التنمية المستدامة:
تشارك هذه الدلائل التدريبية نصائح للصحفيين الراغبين في الإبلاغ عن قضايا التنمية المستدامة، وهي:
-دليل الصحفي المستقل للإبلاغ عن قضايا لتنمية المستدامة: مقدم من مركز الصحافة الأوروبية ومتوفر بعدة لغات منها النسخة العربية التي ترجمها معهد الجزيرة للإعلام.
-دليل الصحفيين في إفريقيا للكتابة عن التنمية المستدامة: مقدم أيضاً من مركز الصحافة الأوروبية ولكن باللغة الانجليزية فقط.
-دليل إرشادي من مؤسسة آسيا وأوروبا للصحفيين للإبلاغ عن قضايا التنمية المستدامة
-دليل تدريبي من اليونسكو مخصص للصحفيين الاستقصائيين للإبلاغ عن قضايا التنمية المستدامة
-دليل القصص الذكية المرتبطة بتغير المناخ: مقدم من موقع UN CC LEARN وغير متاح بالعربية
مصادر يمكن للصحفيين الاعتماد عليها للكتابة عن التنمية المستدامة:
يمكن أن نتحدث هنا عن جزئين من المصادر:
أولاً، مواقع توفر بيانات كاملة عن أهداف التنمية المستدامة بشكل عام:
-قاعدة البيانات العالمية لأهداف التنمية المستدامة: وهي قاعدة تتيح الوصول إلى البيانات المتعلقة بتحقيق التقدم في هذه الأهداف، من خلال قياس أكثر من 210 مؤشر للعمل في دول العالم، كما يوفر ميزة هامّة وهي إمكانية البحث باسم الدولة، للعثور على بيانات محددة يمكنك استخدامها لدعم قصصك الصحفية المهمة لجمهورك.
-موقع (مؤشر التنمية المستدامة): ويوفر بيانات وإحصائيات وأرقامًا وتصنيفات وخرائط تفاعلية حول تقدم الدول في تحقيق التنمية المستدامة.
-تقرير أهداف التنمية المستدامة: تقرير يصدر كل عام ويقيس تقدم دول العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
-منصة المعرفة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة: توفر بيانات عن مدى التقدم المحرز في كل هدف، وتوفر بيانات مصنفة وفقًا لاسم الدولة أيضًا.
-المنتدى العربي للتنمية المستدامة: ويمثل ملتقى للحكومات العربية لمناقشة تحقيق هذه الأهداف، ويصدر عنه تقرير سنوي يمكن تضمينه في تغطيتنا الصحفية.
ثانيًا، مصادر متخصصة مرتبطة بأهداف التنمية المستدامة:
-تقارير نسبة "الجوع" الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو": على سبيل المثال أفاد تقرير أنّ هناك شخصًا من بين 11 في العالم عانى من الجوع في عام 2023، وشخصًا واحدًا من بين 5 أشخاص في أفريقيا، وبالتالي يمكن بناء قصة تهم مجتمعك المحلي بناءً على هذه الإحصائية المهمة، ويمكنك الاختيار بين العديد من الأفكار المرتبطة بنسبة الجوع في بلدك، أو البرامج أو المبادرات التي تستهدف تقليله، أو تتبع شفافية إنفاق التمويلات في البرامج المخصصة للغذاء وتقليل الجوع، أو تستكشف تأثير الحرب الأوكرانية على اختفاء الحبوب وبعض أصناف الغذاء الرئيسية في منطقتك، أو تكتب عن تأثير التضخم على تراجع قيمة الدخل الشهري للأسرة وتبعات ذلك على تأمين الغذاء والتعليم والصحة، وغيرها من عشرات المحاور التي تصبّ جميعها في أهداف التنمية المستدامة.
-تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة والتي تتضمن رصد ومعالجة للقضايا التي تمس أهداف العمل المناخي، والحياة في البر والبحر، وتوفير الطاقة النظيفة.
-تقارير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو" حول أوضاع التعليم.
وعلى هذا المنوال، يمكن البحث في قواعد البيانات المتخصصة لعشرات المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بكل قضية لاستخلاص المعلومات المرتبطة بأي محور من محاور التنمية المستدامة.
نصائح صحفية عند تغطية قضايا التنمية المستدامة:
1- كن موضوعياً: في الوقت الذي أصبح فيه من المهم التركيز على الحلول والمبادرات الإيجابية، فيجب أن نعني في الوقت نفسه بتحقيق التوازن والموضوعية، وعدم تجاهل رصد العقبات أو التحديات أو أشكال التعثر في تحقيق هذه الأهداف، وأسبابها، لأنّ الكتابة عن التحديات هي جزء أصيل من حل المشكلة.
2-تجنب العبارات المعقّدة: الهدف من كتاباتنا وتغطياتنا الإعلامية أن نخلق الوعي ونقدم محتوى جذابًا في الوقت نفسه، وبما أنّ المصطلحات العربية المرتبطة بالتنمية المستدامة لا تزال غير مستساغة حتى الآن في الإعلام العربي، علينا شرحها وتبسيطها قدر الإمكان، ونسجها داخل قصص مرتبطة بالحياة اليومية للناس.
3- استخدم أمثلة من الحياة اليومية: لأنّ الأمثلة الحية من واقع الحياة تمنح قصتك مصداقية وقرباً من الجمهور، ومزجها مع الأرقام والدلائل يلعب دوراً في توصيل الرسالة الإعلامية بسلاسة.
4- استخدم الوسائط المتعددة: استفِد من المميزات التي يوفرها لك هذا العصر بكل سهولة، مثل الصور ومقاطع الفيديو والجرافيك، والرسوم البيانية والخرائط وغيرها من ألوان الجذب داخل القصص.
5- التنمية المستدامة عابرة للحدود: بالرغم من أنّ أولويات اهتمام الجمهور تختلف من دولة ومن منطقة لأخرى، إلا أنّ قضية التنمية المستدامة عابرة للحدود ولا تزال "تحديًا عالميًا" يمكن تناوله صحفياً من منظور دولي أو إقليمي، لأنه لا يمكن التغلب عليه سوى بالجهد المشترك، لذا لا يمكن فصل القصص التي نكتبها لجمهورنا المحلي عن التحديات العالمية والأزمات التي تلقي بظلالها على غذائنا ودخلنا الشهري وتعليم أطفالنا، إنها حلقة متصلة ومتشابكة.
الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة شاين راونس.