مراكز الأبحاث والصحافة: التحديات المشتركة وفرص التعاون

Feb 27, 2023 في استدامة وسائل الإعلام
صورة

إنّ التحديات التي فرضتها جائحة "كوفيد 19" والقيود المصاحبة لها، أثرت بشكل عميق على عمل المراكز البحثية ووسائل الإعلام، حيث تأثر كلا القطاعين بالآثار السلبية للجائحة على مستوى دقة المعلومات الرائجة وصحتها، الأمر الذي انعكس سلبًا على توجهات الرأي العام العالمي، وفرض تحديات مضاعفة على الباحثين والصحفيين، كما أنّ القيود المصاحبة للجائحة، قلصت دور المراكز البحثية ووسائل الإعلام في صناعة الرأي العام والتأثير فيه.
إن التحدي المشترك بين مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، والذي أكدته الجائحة يتجسد في مدى قدرتها على التأثير في صناعة القرار وقت الأزمات، على اعتبار أن العمل الرئيسي لهذين القطاعين يعتمد بالأساس على إنتاج المعلومة، في الوقت الذي طغت فيه الشائعات ونظريات المؤامرة التي تنتشر بسرعة عبر الشبكات الاجتماعية والتي زادت حدتها خلال السنتين الأخيرتين، ما فرض على عدد من المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية، مواكبة هذا المتغير من خلال تقارير وأبحاث دقيقة تفسر أسباب هذه الفوضى والانزياح عن التفكير العقلاني.  

مراكز الأبحاث وصناعة القرار 

في هذا السياق، يؤكد الباحث المغربي، خالد أحباري، في مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين أنّ "مراكز الأبحاث أصبحت تحظى بأهمية كبيرة في العالم اليوم، وذلك لما تلعبه من أدوار مختلفة تجاه الدولة والمجتمع، كمصدر لإنتاج المعرفة والمساهمة في تغيير وصناعة القرار".

ويضيف الباحث بالقول: "على اختلاف أنواع مراكز الأبحاث، سواء كانت مراكز تابعة للحكومات أو مراكز تابعة للمعاهد والجامعات أو مراكز مستقلة، فيمكن تلخيص أدوارها في ثلاثة أبعاد أساسية: بعد أكاديمي من خلال الإنتاج المعرفي، وبعد له علاقة مع الجمهور والمساهمة في تشكيل الرأي العام، ثم استشراف صناع القرار من خلال تقديم دراسات وتقارير".  

ولكي تؤثّر هذه المراكز في صناعة القرار، لابد من توفر عدة شروط بحسب الدكتور أحباري

  • أولًا: إنتاج أبحاث رصينة، والقيام بدراسات مستقلة تتعلق بالسياسات العامة ومختلف القضايا، وذلك بمساعدة باحثين طموحين.
  • ثانيًا: أن تتوفّر روح الابتكار والسعي لتوليد رؤى وأفكار جديدة تساهم في حلّ المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا التفاعل مع الأحداث والأزمات الآنية، وليس فقط العمل على البرامج السنوية.
  • ثالثًا: إيجاد حلقة وصل بين مراكز الأبحاث والباحثين وصناع القرار، وقدرة التواصل والوصول إلى المؤسسات.
  • رابعًا: توفير بيئة ملائمة داخل مراكز الأبحاث وضمان الاستقرار المالي.

كيف يمكن للصحافة أن تساهم في هذا التأثير؟

في هذا الصدد، يشير المتحدث إلى أنّ العالم اليوم متغير ومختلف عما كان في السابق حينما كانت الصحافة ووسائل الإعلام المتاحة هي مصدر المعلومات والأخبار. ويوضح ذلك بالقول: "اليوم هناك تطور كبير على صعيد توفير المعلومة، وتحديات تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي أو العالم الافتراضي بشكل عام، الأمر الذي جعل تنامي الأخبار الزائفة والشائعات، مما قد يؤدي إلى تأثير عكسي للجمهور وإحداث فوضى في المعلومات".

ولذلك فإنّ مسؤولية الصحافة تضاعفت اليوم، ولكي تساهم بدورها إلى جانب مراكز الأبحاث في صنع القرار، وأيضًا التأثير في الجمهور والمساهمة في تشكيل الرأي العام، فإن الباحث المغربي يؤكد على الخطوات التالية:

  • نقل نتائج الأبحاث والدراسات وتبسيطها، وأيضًا تعميمها لتكون متاحة بشكل أكبر، خاصة وأن عمل مراكز الأبحاث يكون أكاديميًا ويصعب على الجميع فهمه.
  • أن تقوم الصحافة بتقديم المعلومة الدقيقة والعميقة استنادًا للأبحاث والدراسات.
  • تصحيح المعلومات الزائفة والمغلوطة.
  • مواكبة أعمال مراكز الأبحاث، والتعريف بالمستجدات في العالم.
  • وأخيرًا، أن يكون عمل الصحافة مستقلًا وحياديًا إزاء ما تنشره من أخبار ومعلومات، وأن تتمتع بهامش الحرية لكي يكون لها دور في التأثير الإيجابي لدى النخبة والجمهور ولدى صناع القرار.

الصحفي في خدمة الباحث والعكس صحيح

يعتبر الكاتب الصحفي محمد فرنان المتخصص في الشؤون السياسية، أنه أصبح من الواجب الآن على مراكز الأبحاث أن تعزز من شراكتها مع وسائل الإعلام، بحيث أن العالم يسير ويتغير بسرعة كبيرة، والكثير من وسائل الإعلام تحاول مسايرة هذا الإيقاع، لكن بعض المراكز البحثية أصبحت تتجه إلى البحث في قضايا، لا تعتبر راهنة من زاوية الصحفي، لكن هذا الأمر له مبرره، لأن العديد من المراكز البحثية في وقتنا الحالي تواجهها تحديات على المستوى المالي.

"لكن كما سبق وأشرت، فإن المراكز البحثية أصبحت مطالبة بالتركيز أكثر على استراتيجياتها التواصلية، فهي الحل الوحيد للتأثير في صانع القرار، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تنويع قنوات التواصل سواء عبر شراكات مع مؤسسات إعلامية أو من خلال الشبكات الاجتماعية"، يضيف المتحدث.

من جهته يؤكد الباحث أحباري أننا "اليوم في حاجة ملّحة إلى توطيد العلاقة بين مراكز البحث ووسائل الإعلام، لما سوف يكون له من أثر لبلوغ عدة أهداف مشتركة، منها التأثير في صناعة القرار"، ويوضح الباحث قوله أنه "إذا قمنا بالمراجعة والبحث في تاريخ الصحافة سوف نجد أن العلاقة التي تجمع بين الباحثين والصحفيين ليست جديدة، حيث عقدت الكثير من الشراكات في هذا الشأن، خاصة في الغرب، والأمثلة كثيرة هنا، من أعمال مشتركة بين الصحفيين والباحثين".

ويمكن أن يتخذ هذا التعاون والشراكة بين تخصصين وهما الصحافة من جهة ومراكز الأبحاث من جهة أخرى عدة أشكال، من بينها:

  • المقابلة الصحفية مع باحث في موضوع يتخصص فيه؛
  • تخصيص مساحة نشر محددة للباحث أو لمركز بحث في وسيلة من وسائل الإعلام، مثل موقع على الإنترنت؛
  • دعوة الباحثين من أجل كتابة نصوص أصلية للنشر في وسائل الإعلام.
  • كما يمكن الإشارة بأنه لسنا بصدد المنافسة بين الصحافة ومراكز الابحاث والباحثين، لذلك وجب الاتجاه أكثر نحو التعاون، ومحاولة الاشتغال كمؤسستين من أجل الشراكة بتحديد أهداف محددة وفق مشاريع مشتركة. حيث يتم تجميع الصحفيين والباحثين في نفس مكان الممارسة للاشتغال وفق رؤى متقاربة.

في السياق ذاته، يؤكد يونس لبطار، الباحث المغربي والمدير التنفيذي في أحد المراكز البحثية، خلال حديثه مع شبكة الصحفيين الدوليين، على أهمية الشراكة بين المراكز البحثية ووسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن في وقتنا الحالي لا يمكن الاستغناء عن الدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في نقل المعلومات وتبسيطها للقارئ.

ويعتبر لبطار أنّ استعانة المراكز البحثية بوسائل الإعلام أصبح شرطًا أساسيًا للتأثير، سواء تعلق الأمر باتجاهات الرأي العام أو التأثير في صنع القرار. قبل أن يضيف بالقول "إنّ صناع القرار ينقسمون إلى قسمين، فهناك من يتأثر بشكل كبير بتوجهات الرأي العام وبمطالب الجمهور وهناك أيضًا من يتأثر أكثر بآراء المتخصصين والخبراء".

وفي الختام يؤكد لبطار على ضرورة تبني مراكز البحث لسياسات تواصلية مستمرة، سواء تعلق الأمر بتعزيز الشراكة مع وسائل الإعلام، أو بالحضور عبر الشبكات الاجتماعية، باعتبارها فضاء مهم للتواصل، ولسهولة الوصول إلى الجمهور المستهدف وكذلك لسرعة انتشار المعطيات والمعلومات.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من المعاهد والمراكز البحثية التي يعتمد نشاطها الرئيسي على دعم الصحفيين ووسائل الإعلام، ومن بينها:

 معهد بوينتر: الذي يقدم الدعم للصحفيين منذ تأسيسه سنة 1975، من خلال التدريب الشخصي والندوات العملية المكثفة إلى الدورات التفاعلية عبر الإنترنت.

اليونسكو: تعتبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، من أبرز المدافعين عن التعددية في وسائل الإعلام وحرية الصحافة، التي يحتفى بها عالميًا في يوم 3 أيار/مايو بناءً على توصية من اليونسكو، وتصدر المنظمة بشكل دوري تقارير ودراسات تتطرق لأوضاع الصحافة في العالم، معتمدة على شراكاتها الواسعة مع الصحفيين ووسائل الإعلام.

مركز تريندز: يعتبر مركز تريندز للبحوث والاستشارات، من أنشط المعاهد في المنطقة العربية التي تعمل إلى جانب الصحفيين في عدد من القضايا المشتركة، حيث يعتبر المركز أن الإعلام شريك استراتيجي لمراكز الفكر والدراسات، حيث يسهم في التعريف بالأبحاث العلمية والمعرفية ونقلها إلى شرائح واسعة من جمهور الأكاديميين والمتخصصين والقراء العاديين.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على بيكسيلز.