مدققو المعلومات في تونس يواجهون شح المعلومات ومحدودية البيانات المفتوحة

Jan 3, 2024 في مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

يقوم عمل مدققي المعلومات على تقييم الادعاءات وتحديد الصحيح من الزائف، ولتحقيق ذلك يحتاجون إلى جمع أدلة كافية لتقديم صورة متكاملة تدعم النتائج التي توصلوا إليها.

في تونس، يواجه مدققو المعلومات تحديات وصعوبات للوصول إلى المصادر الحكومية أو الحصول على بيانات مفتوحة حديثة وكاملة. سنحاول أن نعرف في هذا المقال التحديات التي يواجهونها وكيف يعملون في بيئة تعرقل الوصول إلى المعلومات. 

بلغة الأرقام يتجه نسق الاعتداءات على حرية العمل الصحفي المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات إلى الارتفاع بحسب التقرير السنوي لواقع الحريات الصحفية الصادر بأيار/مايو 2023 عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من 49% إلى 63% من جملة الاعتداءات (162 اعتداء من أصل 257)، كما سجلت النقابة 49 حالة حجب معلومات، وتتحمل الوزارات مسؤوليتها عنها في 7 مناسبات (يعكس التقرير الفترة من أيار/مايو 2022 إلى الشهر نفسه من عام 2023). 

الوصول إلى المعلومات .. "تحد يومي"

بالنسبة لرئيسة تحرير منصة "تونس تتحرى" المتخصصة في تدقيق المعلومات فردوس الجديدي، يكون العمل في سياق يصعب فيه الوصول إلى المعلومات بمثابة "تحد يومي"، إذ توضح لشبكة الصحفيين الدوليين أن "تونس تتحرى" قد نشرت منذ انطلاقتها في أوائل سنة 2021، أكثر من 1000 تقرير تدقيق في المعلومات، إضافة إلى مقالات تفسيرية وبودكاست، و"لكن ماذا لو أخبرتك أن مئات التقارير والمحتويات الأخرى تقبع في أرشيف حواسيبنا، تقارير تدقيق معلومات كانت ستساهم ولو نسبيًا في وقف سيل الادعاءات الزائفة والشائعات". "لو قارنا بين ما كنا ننشره حتى قبل سنة من الآن لوجدنا أنّ عدد التقارير تراجع بأكثر من ثلاثة أرباع، ففي الفترة الأخيرة صرنا عاجزين في بعض الأسابيع عن نشر تقرير واحد، في حين نعمل يوميًا على 3 مواضيع أو أكثر". 

ترجع الجديدي ذلك إلى تحديات النفاذ إلى المعلومات في السياق الحالي للبلاد. وإذا كانوا محظوظين كفاية بالحصول على المعلومات، يستمع مدققو المعلومات في "تونس تتحرى" عند الاتصال بالجهات الحكومية إلى إجابات مثل "أرجو ألا تذكروا اسمي أو صفتي أو حتى الجهة التي أنتمي إليها" وهي عبارة تخبرنا الجديدي أنها تأتي على لسان مسؤولين في الوزارات ومؤسسات الدولة وحتى الخبراء.

تجارب مشابهة تمر بها مدققة المعلومات بمنصة "تفنيد" الإقليمية التي يعمل جزء من فريقها على تونس، نورهان كاهنة التي توضح لشبكة الصحفيين الدوليين أنّ "بعض الصعوبات تتمثل في رفض نشر المعلومة للجمهور بالرغم من الإدلاء بها للصحفي"، وتقول: "اتصلنا مثلًا بالناطق الرسمي باسم إحدى الوزارات السيادية، نفى فيه لنا صحة شائعات متداولة، لكنه رفض في المقابل أن يتم نشر تصريحه أو ذكر اسمه وهو ما دفعنا للتخلي عن التحقق اضطراريًا".

الاستراتيجية المتبعة من بعض المصادر البشرية، كما تشرح كاهنة، هي ""أرجع غدوا" (عبارة تونسية تعني عُد غدًا)، بمعنى أنّ هذه المصادر تجدُ وقتًا كافيًا للرد على الاتصال والتعرف على المتصل وأسباب اتصاله وتُصغي لاستفسارات وتساؤلات الصحفي، لكنها تتفطنُ بعد ذلك أنها "في اجتماع" وليس لديها الوقت الكافي للإجابة وتغلق الخط بتوصية "أرجعلي بعد ربع ساعة". يتحول ربع الساعة إلى ساعات، فيما لا تكلف بعض المصادر نفسها عناء الردّ بعد ذلك، وعليه يسقط التحقق إذا كان ذلك المصدر ركيزتنا الأساسية".

تصطدم هذه التجارب التي يصعب فيها النفاذ إلى المصادر بالمنهجيات الداخلية لهذه المؤسسات التي تعمل على تطبيق مبادئ الشبكة الدولية لتدقيق المعلومات التي تقتضي شفافية المصادر المعتمدة في تقرير التدقيق.  لكنّ الشبكة الدولية في حد ذاتها تأخذ بعين الاعتبار السياقات الخاصة بالبيئة المعلوماتية داخل البلد التي قد لا تسمح لمدققي المعلومات بالحصول على كل المصادر مما يدفعهم إلى اعتماد مصدر واحد، أو مصدر مجهول، أو مصدر ثانوي، في كل الحالات تفترض الشبكة الدولية من مدققي المعلومات تبرير ذلك في تقريرهم. 

المصادر المفتوحة.. مغلقة 

تمتلك تونس البوابات المفتوحة والمصادر التي تتيح البيانات للعموم، والمصادر المفضلة لدى كاهنة هي بوابة Agridata المتعلّقة بالقطاع الفلاحي وتطور الإنتاج النباتي والزراعي والحيواني ووضعية المياه والسدود وكميات الأمطار في تونس، إضافة إلى مصادر مثل الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) والموقع الرسمي لمجلس نوّاب الشعب ووزارة الماليّة "ثم بدرجة أقل المعهد الوطني للإحصاء (جهاز الإحصار التونسي) حيث تتأخرُّ تحديثات نشراته الإحصائية الشهرية"، كما تقول مدققة المعلومات نورهان كاهنة.

إلا أنها تشير إلى معضلة دائمة تتمثل في أحيان كثيرة في "عدم توفر بيانات أو إحصاءات نهائيًا". وتقدم لنا مثالًا على ذلك  "كنا نعد تحقيقًا بشأن الأموال المنهوبة التي استرجعتها تونس بعد الثورة التونسية ولم نتوصل إلى أي مصادر مفتوحة في هذا الصدد، وهو ما جعلنا نعتمدُ على التصريحات الرسمية فقط (...)  لكن لم نتمكن من التيقن مما إذا كانت تلك المبالغ تمثل الحصيلة الإجمالية". ينسحب الأمر -حسب كاهنة-  أيضًا على مجالات متعددة مثل الهجرة غير النظامية حيث تتضارب الأرقام الرسمية، والتجارة الخارجية مع غياب بيانات تفصيلية، مما يدفع بمدققة المعلومات في منصة "تفنيد"  إلى اعتماد بيانات ومؤشرات دولية على غرار تقريرها حول التين الشوكي في تونس.

في منطقها العام تفترض البيانات المفتوحة أن تكون متاحة في صيغة يمكن العمل عليها وأن يتم تحديثها بشكل متواصل ولكن هذا الأمر غير متاح في غالبية الأحيان. وهو تحد آخر توضح كاهنة أنها تواجهه وتقدم مثالًا عليه "اشتغلنا في شهر أيلول/سبتمبر على تطور واردات تونس من الحبوب خلال عام 2023، وكانت المصادر الرسمية المفتوحة تتيح معطيات إلى حدود شهر حزيران/يونيو فقط. وبالتالي فإنّ تأخر تحديث المعطيات على المواقع الرسمية الحكومية يجعلنا أمام بيانات منقوصة".

تؤثر بيئة المعلومات صعبة المنال عائقًا أمام إنتاجية مدققي المعلومات وأمام جودة التقارير التي يقدمونها. تبرز رئيسة تحرير منصة "تونس تتحرى"   فردوس الجديدي ذلك بقولها: "نحن منصة غير ربحية ولا نطمح إلى تحقيق عدد مشاهدات أكبر أو "أرباح" مقترنة بعدد النقرات لكن استمراريتنا تقتضي بالضرورة أن "ننتج" تقارير وأن نصل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور لتحقيق الأهداف التي وضعت عند إطلاق المنصة. في شهر أغسطس/آب على سبيل المثال، كان "عدم التمكن من الوصول إلى المصادر" سببًا لـ80% من حالات عدم النشر، ويصادف أيضًا أن يكون عدد التقارير التي لم تنشر في ذلك الشهر ضعف ما نشرناه".

بالرغم من وجود تشريعات تضمن النفاذ إلى المعلومات في تونس، فإن هنالك نصوصًا أخرى وسياسات تحد من توفير هذه المعلومات للصحفيين والمدققين، مما يؤثر على نسق عملهم ولكن أيضًا على مجهوداتهم في مكافحة التضليل. غياب المعلومات الموثوقة يساهم بطريقة أو بأخرى في توفير الفراغ اللازم لانتشار المعلومات الخاطئة والمضللة. 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ويندوز.