كتب محمد مكاوي، وهو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين: أدّت سنوات من النضال الحقوقي إلى إقرار مجلس النواب اللبناني قانون الحق في الوصول إلى المعلومات في شهر شباط/ فبراير من العام ٢٠١٧، والذي يمكّن الأفراد والمؤسسات، والصحفيين الاستقصائيين بشكل خاصّ من مراقبة عمل الإدارات العامة من خلال طلب معلومات مهمة مثل جداول الإنفاق والمحاضر وغيرها من الوثائق.
وقد عُقدت ندوة برلمانية بحضور العديد من الهيئات والإدارات والأفراد، شارك بها أسعد ذبيان، وهو مؤسس "مبادرة الغربال"، الذي أوضح لشبكة الصحفيين الدوليين أنّه فكّر بإطلاق هذه المبادرة بعد مشاركته بتلك الندوة، من أجل وضع هذا القانون قيد التنفيذ والتأكد من فعاليته ومن التزام الإدارات به. وأضاف ذبيان أنّ الهدف من المبادرة هو التحوّل إلى منصة تنقل النقاش الدائر في البلاد والمبني على أسس عاطفية ومصالح سياسية وتحويله إلى نقاش مبنيّ على معطيات وأرقام ووقائع، كذلك فهي بمثابة جسر تواصل ما بين الإدارات والمواطنين، حيث تقوم المنصة بتفسير القوانين بطريقة بصرية عبر الإنفوجرافيكس والأنيمايشن.
الديمومة والتوسّع:
وكغيرها من المبادرات والمشاريع الناشئة تعاني "مبادرة الغربال" التي تسعى إلى الوصول إلى المعلومات بشكل شفاف، من صعوبات في الحصول على مردود ماليّ، لكنّ نموذج الأعمال الذي تتبعه المبادرة مبني على "تقديم خدمات استشارية وتدريبات لجمع المال بهدف الاستدامة"، بحسب ذبيان الذي أضاف أنّ "المبادرة تتقدّم بطلبات للحصول على المنح والقيام بالمشاريع الخاصة، كمشروع مراقبة مناقصات الدولة اللبنانية".
وبعد سنتين من العمل أصبح لدى "مبادرة الغربال" مرجع مهم من حيث الشكل والمضمون، ما ساعد على التعاون مع جمعيات ومؤسسات مختلفة على إنتاج مواد بصرية مبنية على البيانات التي يملكونها. وهذا الأمر سمح لـ"مبادرة الغربال" بتقديم العديد من الخدمات الأخرى منها التقارير السنوية عن التزام الإدارات بتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، ومدى التزامها بالمهل القانونية لتقديم المعلومات.
ومن دون أيّ رأي سياسي، تقدّم المنصة المعلومات بشكل يسمح للباحثين والطلاب والمواطنين والمواطنات باستخدام هذه المعلومات في مشاريعهم.
معوقات التقدّم والحاجة إلى الدعم:
قد يستغرق بناء قاعدة جماهرية لهذه مبادرات وقتاً طويلاً بسبب طبيعة الخدمة التي تقدمها للجمهور، وهذا مرتبط أيضاً بمستوى الوعي بالحقوق الخاصة بكل فرد، ما يدفع المواطن إلى المساءلة وبالتالي المحاسبة. زد على ما سبق غياب التغطية الإعلامية المباشرة كونها الأكثر استهلاكاً وتأثيراً على الجمهور بشكل عامّ. ويعتبر ذبيان أنّ السبب الرئيسي لعدم الاستقطاب هو "غياب التغطية الإعلامية لأنّ بعض الإعلام في لبنان مرتهن سياسياً، الأمر الذي يشكّل صعوبة في التواصل مع الرأي العامّ".
وتابع ذبيان أنّ "غربال" أصبحت معروفة بشكل جيّد من قبل المجموعات التي تعمل في مجال البيانات والإدارات العامة والمنظمات غير الحكومية، ومع انطلاق الثورة في لبنان في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ذُكر اسم "غربال" كثيراً من قبل الإعلاميين ومدراء عامين في القطاعات الحكومية.
البيئة الحاضنة:
تغيب المبادرة عن فلك حاضنات ومسرّعات أعمال الريادة الاجتماعية، ويؤكّد ذبيان في هذا الصدد أنهم "لم يفكروا حتى الآن بالتواصل مع المسرّعات أو الحاضنات أو حتى السعي وراء أيّ استثمار"، مضيفًا أنّ هذا الأمر من الممكن أن يحدث مستقبلاً "إذا وجدنا مستثمرًا لا يمكنه التأثير على طريقة عمل غربال والتي نعتبرها مبادرة غير متحيّزة لأّي طرف غير الأرقام والوقائع".
وعن البيئة المثالية لنمو "مبادرة الغربال" ، يضيف أنها تتمثل بوجود "قانون يسمح بالوصول إلى المعلومات إضافة إلى نظام اقتصادي (Ecosystem) قادر على ضمان البنية التحتية الخاصة بهذه الشركات من شبكة الطرق والمواصلات والاتصالات ومحفزات ضريبية للشركات الناشئة الصغيرة، إضافة إلى ذلك وجود قوانين تضمن ألاّ تذهب جهود هذه الشركات سدىً".
وترسّخ "مبادرة الغربال" تجربة فريدة من نوعها في العمل على تفسير القوانين ومراقبة عمل السلطات والإدارات معتمدة بذلك على أدوات قانونية، البيانات الكبيرة، وسنوات من مراكمة العمل الصحفي والفني. وتكمن قوة الفكرة أنه بإمكان أي صحفي أو فرد أو مؤسسة أو مجموعة أن تحذو حذو "مبادرة الغربال" وتطلب معلومات من الإدارات العامة طلباً للمزيد من الشفافية والمحاسبة وتوخياً للاستقامة في عمل الإدارات العامة.
محمد مكاوي، هو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين بنسختها العربية بهدف تطوير مشروعه الإعلامي من ضمن مشاريع أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الصورة الرئيسية بعدسة محمد مكاوي