ما يحتاج الصحفيون معرفته قبل إعداد قصص عن الأمراض النادرة

بواسطة مصطفى فتحي
Oct 29, 2021 في موضوعات متخصصة
صورة

هي ليست مجرد أمراض تصيب أعدادًا قليلة من البشر وتحمل أسماء غريبة أو غير شائعة، بل هي عالم كامل مليء بالمعلومات والإحصاءات والتفاصيل. نتحدث هنا عن عالم الأمراض النادرة أو بالإنجليزية (Rare Diseases)، تلك الأمراض التي أصبحت تعرف في عالمنا باسم الأمراض اليتيمة أو (Orphan Diseases) بسبب أنّ شركات الأدوية لم تكن مهتمة بتبنّيها وتطوير علاجات لها، رغم أنّ عددها يتراوح ما بين 5000 و8000 مرض نادر، بحسب منظمة الصحة العالمية، التي تعرف تلك الأمراض بأنها "مزمنة وخطيرة، وقد تكون مهددة للحياة".

وهناك العديد من الأمور التي يحتاج الصحفيون لمعرفتها قبل كتابة قصص ومقالات صحفية عن الأمراض النادرة، على رأسها أنه لا يوجد تعريف علمي وحيد لتلك الأمراض اتفق عليه عالمنا، إذ يمكن أن يكون المرض النادر في دولة ما شائعًا ومنتشرًا في دولة أخرى، وبالتالي فلكل دولة تعريفات رسمية خاصة بها للأمراض النادرة، فعلى سبيل المثال يُعرف المرض النادر في الولايات المتحدة بأنه "الحالة المرضية التي تؤثر على أقل من 200000 شخص في الولايات المتحدة"، وقد تم وضع هذا التعريف من قبل الكونجرس وحمل اسم قانون العلاجات اليتيمة لعام 1983، وقد أنشأ هذا القانون حوافز مالية لتشجيع الشركات على تطوير عقاقير للأمراض النادرة، ووقتها خرج القانون بسبب أنه كانت هناك حاجة إلى تعريف المرض النادر لتحديد الشروط المؤهلة لتلك الحوافز، أما في الاتحاد الأوروبي، يُعرف المرض بأنه نادر عندما يصيب أقل من 1 من كل 2000 شخص.

يحتاج الصحفيون المهتمون بالكتابة عن الأمراض النادرة لمعرفة أنّ هناك العديد من الأسباب المختلفة التي تسبب تلك الأمراض. ويُعتقد أن الغالبية منها وراثية وناتجة مباشرة عن تغيرات في الجينات أو الكروموسومات، وفي بعض الحالات، تنتقل التغيرات الجينية المسببة للمرض من جيل إلى جيل، لكنها في حالات أخرى، تحدث بشكل عشوائي في الشخص الأول في العائلة الذي يتم تشخيصه، كما أن العديد من الأمراض النادرة، بما في ذلك الالتهابات وبعض أنواع السرطان النادرة وبعض أمراض المناعة الذاتية، ليست وراثية، ولا يزال السبب الدقيق للعديد من الأمراض النادرة غير معروف حتى اليوم، والحقيقة الوحيدة الثابتة هنا هي أنّ الباحثين والعلماء يتعلمون المزيد عن الأمراض النادرة كل عام.

وقائمة أسماء الأمراض النادرة كبيرة، وتضم أمراضًا منها مرض الجمدة كاتابليكسيا، ومرض مورغيلونس، ومرض بروجيريا، ومرض التحسس من المياه، ومرض التحدث بلغات أخرى، ومرض الضحك المميت، ومرض تحول المفاصل إلى عظام، ومتلازمة أليس في بلاد العجائب، ومرض بروفيرا، ومتلازمة بيكا، ومتلازمة موبيوس. وهنا ستجدون قائمة موثوقة تحوي أسماء الأمراض النادرة بلغات عدة، منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية ولغات أخرى.

مصادر علمية لا غنى عنها للصحفيين

بحسب الصحفي العلمي المصري محمد منصور الحائز على جائزة الصحافة العربية في العام 2020، والذي يمتلك خبرة كبيرة كمحرر علمي في عدد من كبريات الدوريات العالمية، من ضمنها (ساينتفك أمريكان)، فإنّ هناك دليل مهم يحتاج كل صحفي راغب في كتابة قصص صحفية عن الأمراض بشكل عام وعن الأمراض النادرة بشكل خاص الاطلاع عليه بشكل مستمر، وهو دليل MSD  الذي يعد أقدم دليل طبي في العالم يُحدّث بشكل سنوي، ويعرض هذا الدليل الإرشادي محتواه بعدة لغات من ضمنها اللغة العربية. وهذا الدليل الذي يتخذ شعارًا له هو "المكان الأول الأفضل للحصول على المعلومات الطبية"، يحوي آلاف الموضوعات في جميع مجالات الطب بلغة مبسطة وبشكل مجاني كتبها المئات من أفضل الخبراء الطبيّين في العالم، ولا يكتفي الدليل بعرض مواده مكتوبة، لكنه يقدمها كذلك بأشكال عدة منها أفلام الفيديو، وأفلام الرسوم المتحرّكة، وغيرها.

ينصحكم منصور بزيارة موقع مايو كلينك، التابع لمؤسسة بحثية كبيرة تضم خبراء من أفضل الخبراء في العالم وفق تصنيف U.S. News & World Report، ويقدم الموقع إمكانية البحث عن الأمراض بطريقة سهلة، ويمتاز بأنه يقدم مواده الطبية بعدة لغات من ضمنها باللغة العربية.

ويرى الصحفي العلمي أنّ متابعة الدوريات العلمية العالمية الموثوقة بشكل مستمر يمكن أن يوفر أفضل وأحدث المعلومات للصحفيين حول الأمراض النادرة، ومنها دورية Nature، ودورية الجمعية الطبية الأمريكية JAMA، ودورية Science التي تنشرها الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، وغيرها من الدوريات العلمية. وللإشتراك في هذه الدوريات، يقترح منصور أن تتواصلوا مع الناشرين بشكل مباشر وتثبتوا لهم أنكم تعملون في مجال الصحافة وتهتمّون بالكتابة في الصحافة العلمية، حتى يوفروا لكم اشتراكات مجانية، وإذا لم تتمكنوا من ذلك يمكن أن تطلبوا من مؤسساتكم الصحفية أن تدعمكم للاشتراك في تلك الدوريات حتى تحصلوا على موادها الأحدث بشكل دوري.

وهنا يشير منصور إلى نقطة مهمة، وهي أهمية أن يجيد الصحفي اللغة الإنجليزية، حتى يستطيع الاطلاع بشكل دائم على أحدث الدوريات العلمية وكي يستطيع فهم المعاني المقصودة والمصطلحات العلمية بطريقة سليمة، وبالتالي لا يقدم لجمهوره من القراء معلومات مضللة أو غير دقيقة، كما سيفيدكم اتقان الإنجليزية في التواصل مباشرة مع الباحثين للحصول منهم على النسخ الكاملة من الدراسات العلمية التي قاموا بها، أو إجراء حوارات معهم.

قواعد لإنجاز قصص محترفة وشيقة

ينصحكم منصور بالالتزام بشكل كامل بقواعد السلامة أثناء عملكم على قصص تحتاج لمقابلة المصابين بالأمراض النادرة وجهًا لوجه، وذلك عن طريق البحث الجيد عن كيفية انتقال العدوى قبل مقابلة أي مريض، وإذا كانت العدوى يمكن أن تحدث بمجرد مقابلة الشخص المريض وجهًا لوجه فالأفضل أن يتم الحوار عن طريق الهاتف مثلًا أو البريد الإلكتروني، أما في حالات أمراض أخرى مثل مرض نقص المناعة المكتسب على سبيل المثال، فإنّ العدوى هنا لا تتم بمجرد مقابلة الشخص وبالتالي لا خوف من مقابلته والجلوس معه أو حتى تناول مشروب أو طعام معه. ويؤكد منصور ضرورة عمل توزان بين المخاطرة وبين أهمية المعلومة، ويذكركم أن سلامتكم دائمًا وأبدًا هي الأساس.

وفيما يتعلق بصياغة القصص الصحفية العلمية، يؤمن منصور بأنّ القصة الصحفية موجهة للقارئ العادي وغير المتخصص، والذي قد لا يكون لديه معلومات طبية كافية، وبالتالي يجب مراعاة أن تكون لغة القصة شيقة وجاذبة للقارئ، ودور الصحفي بشكل عام هو الحصول على المعلومة السليمة والدقيقة وتقديمها بطريقة شيقة قادرة على جذب الناس العاديين، خاصةُ وأن الدراسات العلمية غير موجهة في الغالب لعامة الناس، وبالتالي أنت كصحفي ستكون حلقة الوصل بين صناع الدراسات العلمية من باحثين ومتخصصين وبين الجمهور العادي، ومن المهم صياغة المعلومات التي تتعلق بالأمراض وأسبابها بطريقة بسيطة، لكن من دون الإخلال بالمعلومة، وهذا سيتم عن طريق الخبرة، وكلما صنعت قصصًا متخصصة أكثر، كلما امتلكت الخبرة والمهارة لتقديمها بشكل جذاب لا يهرب منه القارئ العادي.

ولا تنس دائمًا أن الحصول على ما يطلق عليه "موافقة مستنيرة" من المريض هو قاعدتك الأخلاقية، وتلك الموافقة تعني أن تخبر المريض بشكل واضح أنك ستتحدث عن حالته الصحية وربما سنشر صورته مع القصة، ويجب التأكد من أن المريض مؤهل لإعطاء هذه "الموافقة المستنيرة"، إذ أن بعض المرضى قد يكونون مصابين بأمراض معينة تمنعهم من أن يكونوا في وعيهم الكامل، وبالتالي يجب الحصول على تلك الموافقة من عائلاتهم أو طبيبهم المعالج.

لكن انتظر من فضلك، فالحصول على الموافقة المستنيرة –بحسب منصور- ليس نهاية المطاف، ولا يعني النشر، إذ يجب على الصحفي التأكد من أنّ النشر وقتها لن يتسبب في وصم للمريض من أي نوع، أو يعرضه لأي خطر مجتمعي محتمل، أما فيما يتعلق بالأطفال فممنوع بشكل كامل نشر صورهم أو بياناتهم الكاملة.

ويشدد منصور على ضرورة الالتزام بكل مواثيق الشرف الصحفية، إضافة إلى المواثيق الطبية التي تحدد كيفية التعامل مع المريض بشكل أخلاقي، ويمكن هنا الاطلاع على "كود نورنبيرغوإعلان جنيف، نظرًا لأنهما يعطيان فكرة عن حقوق المرضى بشكل عام، والقاعدة الأساسية هنا هي الامتناع عن نشر المعلومات التي يمكن أن تؤذي المريض أو تلك التي تهدف فقط للإثارة، إضافة إلى الامتناع عن استخدام أسلوب المبالغة في تقديم المادة الصحفية، ومراعاة احترام سمعة المريض الشخصية وسمعة أسرته.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة توفيق بربويه.