لماذا يُصاب بعض المتابعين بالإجهاد الناجم عن الأزمات؟

بواسطة Rebecca Rozelle-Stone
Sep 22, 2022 في إشراك الجمهور
رجل إطفاء يحاول إخماد حريق

عندما شنّ فلاديمير بوتين الغزو الشامل لأوكرانيا عبر البر والجو والبحر يوم 24 فبراير/شباط 2022، نُقلت صور الحرب إلى المتابعين في جميع أنحاء العالم. وبسبب البُعد عن الأحداث، أصبح العديد منّا على دراية بالعدوان غير المبرر من خلال متابعة التغطية الصحفية عبر الإنترنت أو مشاهدة التلفزيون، للإطلاع على الأحداث والانفجارات والأشخاص الذين يفرّون من الخطر ويحتشدون في المخابئ تحت الأرض.

وبعد مرور نصف سنة، ما زال العنف مستمرًا. ولكن بالنسبة لمن لم يتأثروا بالأحداث بشكل مباشر، فإنّ هذه الحرب المستمرة وخسائرها لم تعدّ محطّ اهتمام الكثير من المتابعين. وهذا الابتعاد عن المتابعة أمر منطقي، فغالبًا ما يكون الانتباه إلى واقع مثل الحرب مؤلمًا، والكثير من الناس ليسوا مهيئين جيدًا لمواصلة التركيز على الأحداث الجارية أو المؤلمة.

وعلاوة على ذلك، فإنّ العديد من الأحداث الأخرى جذبت انتباه العالم منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بما فيها الجفاف وحرائق الغابات والعواصف المرتبطة بالاحترار العالمي وحوادث إطلاق النار الجماعية وإلغاء حُكم "رو ضد وايد" الخاص بقضية الإجهاض في الولايات المتحدة.

وكما تساءل الفيلسوف وعالم النفس ويليام جيمس: "ألا تؤدي كل صدمة مفاجئة أو ظهور شيء جديد أو تغير في الإحساس إلى انقطاع حقيقي؟".

ويمكن للأحداث المأساوية المستمرة، مثل الهجوم على أوكرانيا، ألا تبقى محور انتباه الناس لأن الكثيرين قد يشعرون بالإرهاق العارم أو العجز أو الانجذاب إلى قضايا مُلحة أخرى. وهذه الظاهرة تُسمى بـ "الإجهاد الناجم عن الأزمات".

 

Screenshot
تسبب حريق ماكيني في احتراق أكثر من 60 ألف فدان في شمال كاليفورنيا هذا الصيف، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص. وقد مكّن الجفاف الحريق من الانتشار بسرعة. الصورة من وكالة أسوشيتد برس/بعدسة نواه برجر، CC 

أسباب الإجهاد الناجم عن الأزمات

يدرك الطغاة والسلطويون مثل بوتين الإجهاد العام ويستخدمونه لصالحهم. فقد قال رئيس الوزراء الإستوني، كاجا كالاس، إنّ "لقد بدأ تأثير إجهاد الحرب، وتعتمد روسيا على إصابتنا بالتعب، لذا يجب ألّا نقع في الفخ".

وفي خطاب له أمام العاملين بمجال التسويق في مدينة كان الفرنسية، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من الحضور الحفاظ على انتباه العالم إلى محنة بلاده، قائلًا: "سأكون صريحًا معكم. إنّ نهاية هذه الحرب وظروفها تعتمد على انتباه العالم إليها، فلا تدعوا العالم يحول انتباهه إلى أمر آخر!". ولكن للأسف، غيّر كثيرون منّا القناة بالفعل، وأصبحت المأساة وكأنها عادية.

وقد بدأ اهتمامي بظاهرة الإجهاد نتيجة لأبحاثي الأكاديمية حول اليقظة الأخلاقية، وهي الفكرة التي عبّرت عنها الفيلسوفة الفرنسية والناشطة الاجتماعية سيمون ويل في القرن العشرين. وبحسب ويل، فإنّ هذا النوع من الانتباه هو القدرة على الانفتاح التام – ثقافيًا وعاطفيًا وحتى جسديًا – لأي واقع نواجهه. وقد وصفته باليقظة لأنّه يعني تعليق الأُطُر الذاتية والرغبات الشخصية لتحقيق الصفاء الذهني الشبيه بالطريقة البوذية.

 

Screenshot
انضمت الفيلسوفة الفرنسية سيمون ويل إلى "عمود دوروتي" أثناء الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936. وقد ركزت في عملها الأكاديمي حول العدالة الإجتماعية على الفئات المضطهدة والمهمشة في المجتمع. الصورة مقدمة من وكالة جيتي بواسطة Apic/Hulton Archives

 

وليس غريبًا أنّ ويل اعتبرت أنّ الانتباه لا ينفصل عن التعاطف أو "المعاناة مع" الآخر. فلا يمكن تفادي الألم والكرب عند رعاية المنكوبين؛ ومن ثم، كتبت ويل أنّ "التفكير يفر من البلاء بنفس السرعة والحتمية التي يفر بها الحيوان من الموت".

وقد تكون الحساسية التي ينطوي عليها التعامل مع الأزمات بمثابة سلاح ذو حدين. فمن ناحية، يمكن للانتباه أن يعرّض الناس إلى حياة الآخرين الحقيقية، حيث يمكن رؤية المنكوبين والاستماع إليهم بحق. ومن ناحية أخرى، يمكن لمثل هذا الانفتاح أن يطغى على الكثير منّا من خلال التعرّض للصدمات غير المباشرة، كما لاحظت عالمتا النفس ليزا ماكان ولوري بيرلمان.

ولكن صعوبة الانتباه المستمر إلى أحداث مثل الحرب لا ترجع فقط إلى الضعف المتأصّل بالفطرة، فكما أشار النقاد الثقافيون مثل نيل بوستمان وجيمس ويليامز وماجي جاكسون، تُعتبر دورة الأخبار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من بين الضغوط العديدة التي تستدعي انتباهنا. وفي الوقت نفسه، تضعنا هواتفنا الذكية وغيرها من التقنيات ذات الاتصالات المستمرة في أوضاعٍ تجعلنا مشتتين ومشوشين على الدوام.

 

Screenshot
تُعتبر التظاهرات تذكيرًا مرئيًا بالحرب المدمرة في أوكرانيا. الصورة من انسبلاش بواسطة Ehimetalor Akhere Unuabona

لماذا يتوقف المتابعون عن الاهتمام؟

إلى جانب تشتيت انتباه الناس بسبب تدفق التكنولوجيا والمعلومات، يدفع الإجهاد الناجم عن الأزمات الناس إلى استهلاك كم أقل من الأخبار.

ففي تحليل أجراه معهد رويترز، وُجد أنّ الاهتمام بالأخبار شهد انخفاضًا حادًا، وذلك من 63% في العام 2017 إلى 51% في العام 2022، في حين انقطع 15% من الأميركيين عن متابعة التغطية الإخبارية بشكل تام.

وبحسب التقرير، اختلفت الأسباب جزئيًا حسب الانتماء السياسي، حيث تبيّن أنّ المصوتين المحافظين يميلون إلى تجنب الأخبار لأنهم يعتبرونها غير موثوقة أو منحازة، بينما يتجنب المصوتون الليبراليون الأخبار بسبب الشعور بالإجهاد. أمّا الأخبار عبر الإنترنت، التي تسعى دائمًا لإبقاء العيون مركزة على الشاشات، فقد أصبحت تقوّض أهدافها الخاصة عن غير قصد: أي تقديم الأخبار وإبقاء الجمهور على اطلاع.

 

Screenshot
الحجم الهائل للأخبار والمعلومات الرقمية له تأثير جانبي غير مقصود: وهو توقف مستهلكي الأخبار عن الاكتراث. الصورة من انسبلاش بواسطة ThisisEngineering RAEng

اتخاذ مسار جديد

كيف يمكننا استعادة القدرة على الانتباه والاستجابة الهادفين وسط الأخبار المتواصلة؟ لقد قدّم العلماء مجموعة متنوعة من التوصيات، التي تركز عادة على كبح استخدام الأجهزة الرقمية. وبعيدًا عن ذلك، يمكن للقراء والصحفيين أن يأخذوا بعين الاعتبار ما يلي:

  1. يمكن للحد من الاستهلاك اليومي للأخبار أن يساعد الناس في زيادة الانتباه إلى قضايا معينة من دون الشعور بالإرهاق العارم. وفي كتابه بعنوان "بيئة الانتباه" (The Ecology of Attention)، يحث الباحث الثقافي إيف سيتون القراء على "انتزاع" أنفسهم من "قبضة نظام اليقظة الإعلامي". فبحسب سيتون، يخلق المشهد الإعلامي الراهن حالة من "اليقظة الدائمة" من خلال "خطابات الأزمات وصور الكوارث والفضائح السياسية والأخبار العنيفة". وفي الوقت نفسه، قد تساعد قراءة المقالات الطويلة في تعزيز الانتباه.
  2. يمكن للصحفيين نشر المزيد من القصص المبنية على الحلول لعرض إمكانية التغيير، حيث تزود القراء بطرق المساهمة لمواجهة العجز أمام المآسي. وفي هذا الصدد، تشير أماندا ريبلي، الصحفية السابقة بمجلة تايم، إلى أنّ "القصص التي تقدم الأمل والتمكين أصبحت تبدو مثل الأخبار العاجلة الآن، لأننا نغرق في عكس ذلك".

من جهتها، كتبت ويل، التي كانت ملتزمة بمسؤولية الانتباه الأخلاقي أنّه "لا يوجد ما هو جميل ورائع وجديد ومدهش ولطيف مثل الخير".


نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع The Conversation وحاصل على رخصة المشاع الإبداعي. يمكنكم الإطلاع على المقال الأصل عبر هذا الرابط.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة دانييل توسيس.