يقع الكثير من الصحفيين في فخ النصوص المعدلة على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تزداد المخاوف من استغلال تحرير النصوص على تطبيقات التواصل في الخداع والتضليل في ظلّ ندرة الأدوات التي تساعد في كشف النصوص المعدلة أو طبيعة التعديلات التي جرت على المنشورات الأصلية سواء كان ذلك في تدوينات "فيسبوك" والتغريدات في موقع "إكس" وفي تدوينات "انستجرام".
ويكافح مدققو المعلومات في الكشف عن النصوص المُعدلة لا سيما التي يتم استخدامها في أغراض صحفية للتدليل على تصريح ما أو إشارة لحدث ما، ففي السابق كان تحديث أي مشاركة منشورة يستلزم حذفها وإعادة كتابتها مرة أخرى بعد إجراء التعديلات المطلوبة، وبالتالي فقدان أي تعليقات أو تسجيلات للإعجاب.
ومنذ أن أدخلت تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي خاصية "تعديل النصوص" لمساعدة المستخدمين على تصحيح الأخطاء الإملائية أو النحوية، فإنّ البعض لن ينتبه لما جرى من تعديلات أدخلت علي النص الأصلي، فيعتمد على نقل التحديث الأخير بدون النظر أو مراجعة النص الأصلي وما طرأ عليه من تعديل.
بدوره، يعتبر الصحفي والمدرب المتخصص في الإعلام الرقمي معتز نادي في حديثه لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أنّ التلاعب بالنصوص من الأمور التي تنتشر بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة لدى الباحثين عن "فرقعة التريندات" إن جاز التعبير، وبالتالي تسود الشائعات ويزيد الخلل المعلوماتي.
ويوضح معتز أنّ التأكد من هذه النصوص يتمّ عن طريق التحقق من الحسابات التي تنشرها، وبالبحث عن عبارات مميزة تحويها، لأنّ خانة البحث تعدّ مكتبة جامعة لا يمكن محوها. وينصح معتز المتابع أو المتلقي أو الصحفي الذي يبحث عن المعلومة بألا يصب اهتمامه الوحيد على التريند، بل أن ينقل ما يستطيع أن يكون واثقًا منه والتشكيك دائمًا في كل ما يروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم نشر المعلومة إلا بعد التواصل مع مصدر موثوق.
ويشدد معتز على أن الواجب الصحفي يقتضي تقديم معلومة محققة وموثقة ودقيقة وبالتالي على الصحفي أن يحلل النصوص بعناية كالبحث عن أخطاء نحوية أو لغوية قد لا يشتهر بها كاتبها في أغلب ما يكتبه، لافتاً إلى أنّ المتمرس في المهنة يدرك أسلوب كل شخصية من الشخصيات العامة عند نقل الأخبار عنها كما في بيانات الوزارات والشخصيات السياسية، وعليه أيضًا أن يتقن مهارة البحث العكسي، لا سيما وأنّه يتمّ استخدام "الفوتوشوب" لكتابة نصوص وهمية على لسان شخصيات بعينها وعند البحث يتم إدراك أنها مفبركة مع رداءة نوعية الخطوط والخلفيات المستخدمة.
إليكم بعض النصائح لاكتشاف النصوص المعدلة على منصات التواصل الاجتماعي:
- على الرغم من إتاحة فيسبوك خاصية تعديل النصوص، إلا أنّ أي تعديل فعلي يظهر للقارىء ضمن عدد من الأدوات "view edit history" وتشبه قلم رصاص موضوع في دائرة حيث يظهر النسخ الأصلية للمنشور وما تم تعديله والتاريخ والتوقيت الذي تمّ فيه إجراء تلك التعديلات، وينطبق ذلك على التعليقات وليس المنشورات فحسب، فبإمكانك النظر إلى وقت نشر المنشور والوقت الذي تم فيه التعديل. إذا كان هناك اختلاف كبير في الوقت بين النشر والتعديل، فقد تشير هذه الحالة إلى وجود تعديلات. ويمكنك التحقق من التاريخ لمعرفة ما إذا كان قد تم التعديل على المنشور أم لا.
من المهم أيضاً قبل الإستناد إلى تدوينة على "فيسبوك" مراجعة التعليقات والتفاعلات مع المنشورات. إذا لاحظت تغييرات كبيرة في التعليقات بعد وقت قصير من نشر المنشور، فقد يشير ذلك إلى تلاعب.
- في موقع (X) تويتر سابقاً، سمحت الشركة للمستخدمين بتعديل تغريداتهم (للمستخدمين الذين يدفعون 4.99 دولار شهرياً للاشتراك في تويتر بلو) حيث يتيح الخيار الجديد تحرير (تعديل) التغريدة، ويمكن للمستخدمين إجراء تغييرات على تغريدتهم خلال مدة تصل إلى 30 دقيقة بعد نشرها في الأصل، وتحمل التغريدات التي تم تحريرها علامة على أنها تغريدة معدّلة، وبالنقر فوق العلامة لمشاهدة الإصدارات السابقة من المنشور يمكنكم الاطلاع على التغريدة الأصلية وما طرأ عليها من تعديلات.
وهناك جانب آخر، وجب الإشاره له في معرض الحديث عن النصوص المعدلة أو التغريدات المفبركة على (X)، خاصة أن غالبية "التغريدات المفبركة" التي يتم تداولها تظهر على شكل "screenshot" تم تعديلها. وبحسب دليل التحقق من الأخبار المتوفر على موقع "مراقبون فرانس24"، فتوجد طرق عدة لإنشاء تغريدات مزيفة تبدو في بعض الأحيان واقعية جدًا، حيث يتم تعديل بعض التغريدات من خلال أداة لتركيب الصور. ويمكن كشف زيفها إذا ما تتبعنا بتمعن وانتباه شكل وحجم وعدد الحروف المستخدمة في المنشور (لا تتجاوز 280 حرف في التغريدة)، ولا تتطابق في كثير من الأحيان مع بديهيات (X).
ووفقاً لدليل التحقق توجد أساليب أخرى يمكن استخدامها وتسمح بـ"صناعة" تغريدة مزيفة تُنسب لوسائل إعلام، من خلال تعديل شيفرة المصدر للصفحة Codes source. وهو ما يعني تعديل محتوى الصفحة على صفحة الإنترنت التي يستخدمها المسؤول على التعديل ولكن يبقى بإمكانه تسجيل هذه التعديلات، وما أن يتم تعديل نص التغريدة على تويتر ويتم أخذ screenshot للمنشور، يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي ما يجعل التغريدة على تويتر تبدو وكأنها حقيقية.
أما عن طريقة كشف التغريدات المزيفة، فهناك أمور عديدة يمكن اتباعها كالبحث عن كلمة محورية في التغريدة المزيفة في خانة البحث في تويتر إذا كانت متطابقة مع تغريدات أخرى أو لشخصيات ذات موثوقية، إضافة للبحث عن تفاعلات الحساب نفسه ومتابعيه، وكذلك البحث عن أي تغريدات محذوفات فيه عبر WaybackMachine.
- وفيما يتعلق بتعديل المنشورات المرفقة بالصور على "Instagram" و"linkedin"، فإن التطبيقين يمكنا المستخدمين من تعديل وتحرير النصوص وكذلك تغيير "اللوكيشن" وتغيير الإشارة من شخص لآخر، لكن الصعب في الأمر ورغم أنّ المنشور المعدل يظهر به مصلح "edited" إلا أنهما لا يكشفان عن النص الأصلي أو المنشور الأصلي الذي تم التعديل عليه.
ويوضح الصحفي المتخصص في الإعلام الرقمي عبدالحليم حفينة خلال حديثه لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" بعض الأساسيات المهنية فيما يخصّ الاستناد إلى معلومات أو تصريحات نشرت عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي؛ حيثُ يفضل إدراج المنشور في الموقع في صيغة تفاعلية تعرف بـ (embed)؛ لإضفاء المصداقية على المعلومة المشار إليها، وتجنب إدراج صورة ملتقطة للشاشة، لأن الصور في العموم يسهل التلاعب فيها وتعديلها ببرامج تحرير الصور المختلفة.
ويشير عبدالحليم إلى أنه عند الاستناد لمعلومة منشورة عبر التواصل الاجتماعي، لابد من أن يكون المصدر يملك صفة ووثيق الصلة بما يكتب، بمعنى: إذا كان المصدر له صفة رسمية، لا بد أن تكون المعلومات في حدود صلاحياته واختصاصاته، وفي العموم لا يجب اعتبار التدوينات التي تكتب على المنصات الاجتماعية مصدرًا للأخبار، إذ يجب التحري والتدقيق بكافة الأدوات ذات الصلة قبل إتاحتها للنشر العام، لأن الفارق الجوهري بين أي وسيلة إعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي هو أن الوسيلة الإعلامية تخضع المعلومات للمعايير المهنية قبل إتاحتها للجمهور، وهو ما يكسبها المصداقية في وسط طوفان الأخبار الكاذبة التي تتدفق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويلفت عبدالحليم النظر إلى اعتبار تعديل التدوينات تلاعباً في النصوص المنشورة، فإنه يرى أنّ من حق صاحب أي حساب التراجع عمّا يقوله سواء بالتعديل أو الحذف، شريطة أن يوضح ذلك للجمهور إذا كان ما كتبه يتعلق بمسؤولية عامة يتولاها هو، أمّا إذا كان شأنًا يتعلق بحياته الخاصة فيجب احترام خصوصيته حتى ولو كان صحاب التدوينة شخصية عامة.
أدوات مساعدة لكشف التلاعب بالنصوص
وفيما يخص الأدوات التي يمكنها كشف التلاعب بالنصوص، فيمكن الاعتماد على تطبيق Unicheck، الموثوق به من قبل 1100 مؤسسة أكاديمية على مستوى العالم، وهو تطبيق تم بناؤه خصيصاً ليساعد الأفراد في تجنب التعرض إلى عمليات احتيال أو خداع فيما يتعلق بمجال النصوص، حيث يساعد التطبيق في الكشف عن النصوص المأخوذة والمسروقة من مكان آخر على الويب. ويحتوي التطبيق على خوارزمية خاصة تكشف عن وجود نص تم التعديل عليه، وتعمل هذه الخوارزمية على وضع علامة حول أي نص أو تنسيق متشابه مع تنسيقات أخرى على الإنترنت. إضافةً إلى أنه يعمل على تقديم إحصائيات تفيد في الحصول على معدلات أداء الطلاب ومدى التزامهم بالصياغة الأصلية وطرق صياغتهم اللغوية والكتابية.
كما يقوم تطبيق Copyleaks بكشف المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك GPT-4 و Bard ويعمل على اكتشاف أشكال متعددة من إعادة الصياغة.
أيضاً، هناك العديد من التطبيقات التي يمكنها كشف النص المولد بالذكاء الاصطناعي، من بينها برنامج AI Content Detector، الذي يمكنه فحص أي جزء من النص بحثًا عن علامات تدل على أنه لم يكتبه إنسان، بنسبة دقة تبلغ 97.8%، وأيضاً تطبيق Writer AI Content Detector وCrossplag.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة فيرمبي.