"لفهم خطاب الكراهية، علينا أولًا محاولة تحديد المقصود بـ"الكراهية"، وهو الخطاب الذي يتضمّن دعوة إلى الكراهية ضد شخص آخر، أو يستند إلى واحد أو أكثر من الأسباب المحظورة في القانون، بما في ذلك العرق أو الجنس أو الدين، وكذلك إذا كان يشكل تحريضاً على الإيذاء"، هكذا وصفت مديرة البرامج بمؤسسة "ميديا مونيتورنج أفريقيا"، ثاندي سميث، الخطوة الأولى لـ"مكافحة المحتوى الضار على الإنترنت وفي مقدمته خطاب الكراهية"، وذلك خلال فعاليات النسخة الثانية لمنتدى مصر للإعلام، موضحةً أن لجنة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا (SAHRC) تُعرف الكراهية باعتبارها "لغة مُهينة أو تعبير يهدف إلى التقليل من شأن الذكاء، الإنسانية، المظهر، معتقدات مجموعة معينة من الناس".
ولفتت ثاندي سميث إلى أنّ الأضرار عبر الإنترنت تشمل المحتوى المتضمن لـ"خطاب الكراهية، التحريض على العنف، المضايقة والتضليل"، معتبرةً أنّ الزيادة الهائلة في الأضرار عبر الإنترنت بشكل عام تنم عن وجود أخطاء ومعلومات مضللة على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك الافتقار إلى وسائل رقمية وتقنية قوية لمهارات محو الأمية الإعلامية بين الجمهور، موضحةً أنّ الأمر بات أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة أن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد تتمتع بالمصداقية.
واعتبرت ثاندي سميث أنّ خطاب الكراهية يشكل "شبكة مُعقدة من التحديات المطالبة بمناهج شاملة ومتعددة الأبعاد"، مشددةً على أنّه يمتد عبر الإنترنت إلى شبكة أوسع من استراتيجيات التحرش عبر الإنترنت، وكذلك التحريض والمضايقات المستهدفة والتهديدات في كثير من الأحيان استكمالًا لخطاب الكراهية، مشيرةً إلى أنّ المعلومات المضللة قد تتقاطع مع أشكال أخرى مختلفة من الأضرار عبر الإنترنت، مما يزيد من حجمها وتأثيرها السلبي ويجعل هناك تحديات كبيرة للأفراد والمجتمعات.
وحول مخاطر خطاب الكراهية، شددت سميث على أنّ المعلومات المضللة قد تؤدي إلى تأجيج خطاب الكراهية والتمييز، عبر الروايات التي تساهم في انتشار التعصب.
لكن ما الذي يمكن أن نفعله إذا واجهنا خطابًا للكراهية على منصات التواصل الاجتماعي؟
أجابت ثاندي سميث، موضحةً أنها تعتقد بأن النقطة الجيدة التي يجب توضيحها هي "رؤية خطاب الكراهية" بمشتملاته من "حض على الكراهية" و"تضليل" و"تحريض" على وسائل التواصل الاجتماعي، فغالبًا ما يكون الغرض هو إثارة الغضب أو الانفعال. "لذا علينا أن نأخذ خطوة إلى الوراء ولا نتفاعل مع المحتوى عندما نكون غاضبين، لأنّ ذلك لن يؤدي إلا إلى تأجيج الوضع. بل يمكن استخدام آليات الإبلاغ أو التصدي للمحتوى الضار".
وأشارت إلى ضرورة الموازنة بين حرية التعبير والخطاب الضار، مؤكدةً على التذكير بأنه ليس كل الخطاب المسيء يعتبر خطابًا يحض على الكراهية، "فنحن بحاجة إلى إيجاد توازن لحماية حقوق حرية التعبير، ضمن حدود". وذكرت ثاندي مثالًا بتجربة جنوب إفريقيا ومكافحتها لخطاب الكراهية والأضرار الأخرى عبر الإنترنت، عبر الخطوات التالية:
أولًا: التوجه إلى محكمة المساواة للحصول على الإغاثة (السياق المحلي)/أو محكمة مماثلة في منطقتك.
ثانيًا: التوجه إلى لجنة جنوب أفريقيا لحقوق الإنسان للحصول على المساعدة؛ (السياق المحلي)/أو محكمة مماثلة في منطقتك.
ثالثًا: التواصل مع المنصات الإلكترونية للحصول على المساعدة.
رابعًا: نشر روايات مضادة رداً على خطاب الكراهية.
خامسًا: التدريب على اكتشاف خطاب الكراهية ومكافحته، حيث قامت شركة Media Monitoring Africa بتطوير منصة وهي آلية مستقلة لمكافحة الأضرار عبر الإنترنت.
ورغم ذلك، أشارت في حديث خاص لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إلى أنه من المفيد أن يتم توضيح أن هذه الحلول تقع ضمن سياق تجربة جنوب أفريقيا، فالخطوتان الأولى والثانية ترتبطان ببعضهما البعض، لافتةً إلى أنّ الخطوة الأولى هي التوجه إلى هيئة تتعامل مع خطاب الكراهية محلياً، ففي جنوب أفريقيا، يمكن لأي شخص تقديم شكوى إذا صادف خطابًا يحض على الكراهية.
وأشارت إلى أهمية الإبلاغ عن خطاب الكراهية إلى المنصات إذا تم نشر محتوى خطاب الكراهية عبر الإنترنت، موضحة أنّ المشكلة هنا هي أن منصات التواصل الاجتماعي لن يكون لديها نفس الاختبار لخطاب الكراهية، بمعنى آخر، قد تختلف تعريفاتها لخطاب الكراهية عن البلد الذي حدث فيه خطاب الكراهية.
وفسرت سميث الخطوة الخاصة بالروايات المضادة بأنها واحدة من العناصر الأكثر أهمية. أي الخطابات المضادة والتوعية/التدريب حول خطاب الكراهية وتعزيز التثقيف حول ماهية خطاب الكراهية.
أما الخطوة الخاصة بـ MMA فهي تعني Media Monitoring Africa، حيث يمكن لأي شخص الاتصال بـ MMA لمعرفة المزيد عن البرامج التدريبية، وإرسال خطاب الكراهية المحتمل إلى هذه المنصة. وتعتقد ثاندي أنه من المهم توضيح أن الخطوات ليست بالضرورة مرتبة، وأن جميع الخطوات المذكورة أعلاه يمكن أن تتم في نفس الوقت حيث إنها جميعها متداخلة ومحتملة.
بدوره، يعتبر المدرب والخبير الإعلامي المصري ياسر الزيات، في حديث لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أنّ طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي تعطي صوتًا لمن لا صوت له، وهذا أمر جيد لأنه يحررنا في كثير الأحيان من سطوة وسائل الإعلام الموجهة وفقًا لمصالح ملاكها، سواء كان هؤلاء الملاك رجال أعمال أو مؤسسات أو حكومات. وفي المقابل، لا توجد معايير مهنية تحكم المحتوى الذي ينتجه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنّ أغلبهم ليس على دراية كافية بالقواعد الأخلاقية الحاكمة للعمل الصحفي، وليس من العدل أن نطلب منهم تطبيق معايير قد لا يكونون على دراية بها.
ويوضح الزيات أنّ لا شيء يحكم أداء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سوى القواعد المجتمعية التي تضعها كل منصة لنفسها، وتلزم بها مستخدميها، وتطبيقها عليهم بشكل أعمى لا يفرق بين الكتابة الساخرة مثلًا والكتابة المتنمرة أو المسيئة، لأن القائم على تطبيق هذه القواعد هو آلات الذكاء الاصطناعي المبرمجة على رصد كلمات معينة، بدون امتلاك القدرة على وضع هذه الكلمات في سياقها. وبالتالي يسعى كثير من المستخدمين غالبًا إلى إرضاء الآلات، فيما يشبه عبودية الآلة. وتعاقب مواقع التواصل الاجتماعي من يختلفون معاييرها بتقليل وصول منشوراتهم، وهذا ما يدفع الكثير من المستخدمين لإعادة تدوير محتوى غير أصيل سبق استخدامه.
ويشير المدرب والخبير الإعلامي المصري إلى أنه في أوقات النزاعات المسلحة تتفاقم مشكلة خطاب الكراهية، خصوصًا أن النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية هي مناخ خصب للاستقطاب السياسي. والاستقطاب السياسي هو البذرة الأولى لخطاب الكراهية، لأنّ كل طرف يسعى إلى شيطنة الطرف الآخر، وإجراء عملية غسيل أدمغة جماعية لمؤيديه على حساب الحقيقة.
وهناك مقولة مفادها أنّ "الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب"، ولذلك - حسبما يؤكد ياسر الزيات - فإنه من الطبيعي أن يؤدي غياب الحقيقة، أو تغييبها بإشاعة الأخبار الكاذبة والمضللة، إلى شيوع خطاب الكراهية بتجلياته المختلفة. والغريب أنّ آلات الذكاء الاصطناعي التي تخرج الكلمات من سياقها كانت مبرمجة على ارتكاب انحيازات في الحرب على غزة مثلًا. وختم الزيات: "أعتقد أنّ التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي سيتغيّر بعد انتهاء الحرب".
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أندريه هانتر.