يقضي الأطفال وقتًا طويلًا على الإنترنت، حيث يدخل طفل إلى الإنترنت لأول مرة كل نصف ثانية، بحسب اليونيسف، التي أوضحت أنه "بالرغم من الفرص والفوائد العديدة التي تتيحها إمكانية الوصول الرقمية للأطفال، إلا أنّ الإنترنت يعرّضهم أيضًا للمخاطر والأضرار".
إلى ذلك، يشبّه المدير التنفيذي لمركز محو الأمية الإخبارية في جامعة ستوني بروك، هوارد شنايدر، منح الأطفال إمكانية الوصول إلى الإنترنت بدون الأدوات اللازمة للحكم على المعلومات الجديرة بالثقة وما قد يكون ضارًا، بأنه بمثابة "إعطاء الطفل ذي الـ11 عاماً مفاتيح سيارة وإخباره بالقيادة إلى متجر البقالة لجلب بعض الحاجيات، هل ستخشى أن يلحق طفلك الأذى بنفسه أو بالآخرين بدون أي تدريب أو إعداد؟ بالطبع ستفعل، ولكن هذا بالضبط ما قد نفعله من خلال منح الأطفال والمراهقين إمكانية الوصول إلى الإنترنت بدون الأدوات اللازمة للحكم على المعلومات الجديرة بالثقة وما قد يكون ضارًا".
بدورها، تؤكد مدرسة التربية الإعلامية بالجامعة الأميركية في القاهرة الدكتورة سلمى الغيطاني، خلال حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أهمية حماية الأطفال من المعلومات المضللة والمحتوى الضار على مواقع التواصل الاجتماعي، مشددةً على ضرورة تضافر الجهود من قبل العائلة والمدرسة والمجتمع لتحقيق ذلك.
وترى سلمى أنه من الأفضل الحد من استخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي في سن مبكرة، نظراً لافتقارهم إلى المهارات اللازمة للتمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، ناصحةً بمراقبة استخدام الأطفال لهذه المواقع في حال السماح لهم باستخدامها، إلى جانب توعيتهم بمخاطر التعرض للمعلومات المضللة والمحتوى الضار على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير سلمى إلى أنّ التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي جعل من الصعب التحقق من صحة المحتوى، موضحةً أنّ ما يُرى أو يُسمع قد يكون مفبركًا أو مختلقًا تمامًا. وشددت على أهمية تعليم الأطفال كيفية تحليل السياق والتعرف على الشخصيات المتحدثة وما إذا كانت المعلومات تتفق مع آرائهم وشخصياتهم، لافتةً إلى أن هناك تجارب في دول أجنبية لدمج مفاهيم التربية الإعلامية فى المناهج الدراسية، مثل فنلندا وألمانيا. وفي العالم العربي، بدأت الأردن في تطبيق تجارب عملية في هذا المجال.
وتلفت سلمى إلى أنها تناولت في رسالة الماجستير الخاصة بها أهمية إدراج التربية الإعلامية في المدارس المصرية، واقترحت نموذجًا لتطبيقها، معتبرةً أن هناك آليات يمكن للأطفال تعلمها لمكافحة المعلومات المضللة، مثل التفرقة بين الصور والأخبار المجتزأة من سياقها، وتحليل الأخبار التي تنقل جزءًا من القصة فقط. كما حذرت من الفيديوهات المجتزأة التي يمكن أن تغيّر المعنى تمامًا وترسل رسالة مضللة، مؤكدةً أن الأطفال يمكن أن يقعوا بسهولة في فخ هذه المعلومات المضللة بسبب بساطة التلاعب في المحتوى.
وأشارت سلمى إلى أنّ الهدف وراء بعض المحتويات المضللة هو تعزيز المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي، مما يساهم في انتشار المعلومات الخاطئة ويفقد الأشخاص الثقة في المحتوى الذي يقرأونه أو يشاهدونه.
وتتفق المدرس بكلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية الدكتورة أسماء قنديل في حديثها مع "شبكة الصحفيين الدوليين"، مع ما طرحته سلمى الغيطاني في لعب الرقابة الأبوية دورًا مهمًا في توجيه الأطفال نحو الاستخدام الرشيد لشبكة الإنترنت، مؤكدةً أهمية الاستفادة من وقت الأطفال بدلاً من إضاعته أمام شبكات التواصل الاجتماعي، التي تجذبهم لتصفح مجموعات وصفحات تنشر أخبارًا كاذبة ومضللة بهدف تحقيق الأرباح. ونوّهت إلى أن الأطفال غالبًا ما يفتقرون إلى الدراية الكافية لتدقيق المعلومات، مما يجعلهم عرضة لنشر هذه الأخبار كأنها حقيقية.
وتوضح أسماء أن هناك مسؤولية مشتركة بين الأسر والمدارس في تزويد الأطفال بالمعارف والمهارات التقنية اللازمة للتفريق بين المحتوى المزيف والحقيقي، مشيرةً إلى ضرورة إعداد فيديوهات توعوية تحتوي على إرشادات بسيطة حول أهمية مهارات التفكير والتحليل للمحتوى الإعلامي. وأكدت أهمية توعية الأطفال بأن المحتوى الإعلامي يمر بمراحل متعددة في عملية إنتاجه، والتي قد تتضمن بعض التضليل والتزييف بهدف توجيه المستخدم لاتباع سلوك معين أو إقناعه بفكرة معينة.
وتقترح المدرسة بكلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية تنظيم معسكرات صيفية للأطفال تتضمن برامج تدريبية على مهارات البحث عن المعلومات عبر الإنترنت، وفهم الأخبار، والتمييز بين الأخبار الصحيحة والمضللة، واستخدام أدوات البحث العكسي عن الصور مثل Google Image. كما شددت على ضرورة تعريف الأطفال بالأضرار الناجمة عن استهلاك الأخبار المضللة، وأشكال الأخبار المزيفة، وتدريبهم على التمييز بينها من خلال نماذج متنوعة.
وتشير أسماء إلى أهمية لفت انتباه الأطفال إلى تجارب منصات التحقق من صحة الأخبار المتوفرة على الإنترنت، وتعريفهم بأهمية العمل الذي تقوم به هذه المنصات في التصدي للأخبار الزائفة. وذكرت تجربة وكالة "كونا الكويتية" التي أطلقت برنامج التدريب الإعلامي الصيفي للأطفال بعنوان "نادي كونا الصغير" خلال الفترة من 23 يونيو إلى 4 يوليو 2024. وأوضحت أن هذا البرنامج يهدف إلى زيادة الوعي الإعلامي لدى الأطفال وتأهيل جيل قادر على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة والتحقق من مصادر المعلومات.
وتقول "المفوضية الأوروبية" (European Commission) إنّ واحدًا من كل 3 مستخدمين للإنترنت هو طفل، أي نحو 33% من مستخدمي الإنترنت في العالم أطفال، وهؤلاء الأطفال يدخلون إلى الإنترنت في سن أصغر من أي وقت مضى عبر مجموعة متنوعة من الأجهزة، وهم يقضون مزيدًا من وقتهم على الإنترنت، ويتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي، ويلعبون الألعاب، ويستخدمون تطبيقات الهاتف المحمول، ويحدث هذا في كثير من الأحيان من دون إشراف الكبار.
إلى ذلك يعتبر مراقبون أنّ الحل في قضية دعم الأطفال لمكافحة المحتوى المضلل لا يكمن في مراقبتهم أو إبعادهم عن أجهزتهم الالكترونية، بل بالحوارات المفتوحة معهم والتي تمكنهم من تقييم ما يتعرضون له من معلومات والحكم عليها إن كانت صحيحة أم زائفة.
وبحسب دراسة منشورة بجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، فإنّ الأطفال يميلون إلى التركيز على محتوى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من التركيز على مصادر أخرى، مشيرة إلى أنه للتقليل من خطر الأخبار المزيفة على الأطفال، لا بد أن يكتسبوا مهارات التنقل عبر مساحات المجال الرقمي بدون أن يقعوا ضحيةً للتضليل. ولبدء حوار معهم حول هذه المشكلة يمكن البحث عن منشور مزيف على أحد مواقع التواصل ليكون موضوع النقاش، ثم يمكن طرح أسئلة لتحفيز الطفل على التقصي ومعرفة الحقيقة، كـ"من كتب هذا المنشور؟ من يستفيد من نشره، ومن يتضرر؟ وهل استُبعدت أي معلومات مهمة من المنشور؟ هل سنجد المعلومة أو الخبر في مصدر آخر غير المنشور؟، هل اسم الموقع مألوف، أم غريب، هل محتواه يتضمن أخطاء إملائية ونحوية؟ هل المنشور مرفق بصورة تثير الشكوك؟".
ومن خلال الخبراء والدراسات الواردة في المقال، يمكن تلخيص المخاطر التي قد يتعرض لها الأطفال من المحتوى المضلل في النقاط التالية:
- التأثير على الصحة النفسية: قد يتعرض الأطفال للتنمر الإلكتروني أو لمشاعر القلق والاكتئاب بسبب التعرض للمحتوى السلبي.
- التأثير على السلوك: قد يتأثر سلوك الأطفال سلباً بسبب التعرض للمحتوى الذي يعزز العنف أو الكراهية.
- التأثير على الفهم: قد يواجه الأطفال صعوبةً في تمييز المعلومات الصحيحة من المضللة، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
أما عن تضافر الجهود من قبل العائلة والمدرسة والمجتمع لحماية الأطفال من المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن تفعيلها من خلال:- الحوار مع الأطفال: يجب على الآباء والأمهات الحوار مع أطفالهم حول مخاطر الإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
- تدريس التربية الإعلامية: يجب دمج التربية الإعلامية في المناهج الدراسية لتعليم الأطفال مهارات التعامل مع المعلومات على الإنترنت.
- نشر الوعي: يجب نشر الوعي حول مخاطر المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال حملات توعوية تستهدف مختلف أفراد المجتمع.
أدوات يمكنها المساعدة في تعليم الأطفال التحقق من المعلومات:
- موقع "ويكي هاو" لكيفية التحقق من المعلومات المضللة بالعربية.
- لعبة "محقق الأخبار" وهي لعبة تفاعلية تعلم الأطفال كيفية التحقق من صحة الأخبار.
- موقع "Common Sense Media" يقدم نصائح وأدوات للآباء حول كيفية مساعدة أطفالهم على فهم الأخبار المضللة وتجنبها.
- موقع "Snopes" الإلكتروني وهو أيضًا تطبيق يتحقق من صحة الأخبار والشائعات.
- "أبطال الإنترنت"، موقع يساعد الأطفال على استكشاف الإنترنت بأمان ويحميهم من أخطاره.
الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Samuel Regan-Asante.