كيف يمضي الصحفيون العرب أيام الحرب في أوكرانيا؟

Sep 20, 2022 في تغطية الأزمات
صورة مراسلين

تمضي بهم الأيام بسرعة وتنقلهم من صراع لآخر، من بلد لآخر، حيثُ يغطون الصراعات في بلدان غادرها الكثير من مواطنيها. الرغبة في المعلومة، من ساحة الاقتتال، وحدها دافعهم إلى المغامرة، والهدف نقل ما يقع على الأرض للمشاهد الموجود في منزله.

هو واقع المراسلين العرب في أوكرانيا الذين يرابطون، منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي، بين نيران المتحاربين وصقيع البلاد النائية عن أوطانهم. هذه الحرب التي أودت بحياة العديد من زملائهم من جنسيات أخرى؛ والذين بلغ عددهم الـ32 حتى يونيو/حزيران الماضي، بحسب وزارة الثقافة والإعلام الأوكرانية.

في هذا السياق، قالت المديرة العامة لليونيسكو أودري أزولاي: "لا يكاد يمر يوم إلا ويضع فيه الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام في أوكرانيا أرواحهم على أكفّهم لتزويد السكان المحليّين بمعلومات من شأنها إنقاذ حياتهم".

شبكة الصحفيين الدوليين تواصلت مع عدد من المراسلين العرب، من قلب المعارك الطاحنة في أوكرانيا، بغية نقل تجاربهم اليومية في ممارسة "مهنة المتاعب"، ولوضع القراء العرب في صورة المخاطر التي يُواجهونها من أجل نقل المعلومة الموثوقة من مكان حدوثها. 

عدنان جان: "الرصاصة التي اخترقت السيارة"

لأكثر من خمسين يومًا عمل عدنان جان، مراسل قناة التلفزيون العربي، على تغطية الحرب في أوكرانيا من المواقع الأكثر سخونة، من أوديسا وكييف، كما البلدات المحيطة بالعاصمة كـإربين وبوتشا. 

في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يقول: "وصلتُ إلى كييف قبيل انطلاق الحرب، في تلك الفترة كانت البلاد تعيش حالة من الترقب والاستعداد الحذِر. ومع انطلاق الرصاصة الأولى، أعلنت سلطات كييف حالة الطوارئ، تمّ فرض حظر التجوال والعمل بالأحكام العرفية، في تلك اللّحظة رأينا كيف تتحوّل العواصم لمدن أشباح". 

 المراسل عدنان جان في أوكرانيا

ويسترسل واصفاً الوضع: "عشنا أجواءً صعبة جداً خلال الحرب، لاسيما أنّ القصف الروسي طالَ قلب العاصمة كييف، حيث تمّ استهداف الأحياء السكنية والتجمعات التجارية، وتكمن الصعوبة في الوصول إلى جبهات القتال والمناطق التي كانت تتعرض للقصف العنيف وسط انتشار كبير لحواجز الجيش الأوكراني". 

غير أنّ أكثر اللحظات صعوبة "كانت حين تعرضنا لإطلاق نار مباشر من قبل الجيش الروسي"، يورد عدنان، وكان ذلك في منطقة إربين شمال العاصمة كييف. 

واستمرّ في سرد الواقعة قائلاً: "كنا ثلاثة؛ أنا وزميلي المصور حبيب دميرجي والمترجم الأوكراني، حينما استهدفت السيارة التي كانت تقلنا. اخترقت إحدى الرصاصات سقف السيارة بالتحديد حيث كنت أجلس، في المقعد الأمامي بجانب السائق، مخطئة رأسي بمسافة لا تزيد عن عشرة سنتيمترات فقط. كان قدري أن أبقى على قيد الحياة وأكمل التغطية". 

 صورة تُظهر اختراق الرصاصة للسيارة التي كانت تقل عدنان ومرافقيه

"كانت هناك لحظات صعبة أخرى"، يضيف مراسل تلفزيون العربي، كتلك "حين بقينا محاصرين وسط الاشتباكات في منطقة إربين. أربعة أيام بدون كهرباء في درجة حرارة تدنت تحت الصفر بـ7 درجات، لم يتمكن أحد من الوصول إلينا وإخرجنا من تلك المنطقة، كما أنّ مشاهد الجثث لا تفارق مخيلتي". 

 حذيفة عادل: "حين أخطأت الموت قرب جسر رومانيفسكي"

ما مرّ به حذيفة عادل، لا يختلف كثيرًا عمّا عاشه زميله عدنان؛ كلاهما كاد الموت أن يقطف روحه خلال المطاردة المحمومة مع المعلومة، "لولا أقدار الله" على حد وصف الصحفي السوداني، الذي يعمل مراسلاً لقناتي العربية والحدث في أوكرانيا. 

وينطلق حذيفة في سرده، خلال مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين، عن الموت الذي أخطأه قرب جسر رومانيسكي، بين كييف وبلدة إربين، قائلاً: "ذهبت لأقوم بالتغطية في إربين، وهي منطقة تماس بين الجيشين، من جهة تتواجد القوات الروسية في بوتشا وعلى الجانب الآخر توجد القوات الأوكرانية، والمدينة كانت عالقة في المنتصف تحت عمليات القصف وإطلاق النار".  

"كان هناك جسر علينا عبوره للوصول إلى إربين، وكنا قد قررنا مسبقاً -أنا والمصور- قطعه مشيًا على الأقدام، من أجل تغطية أوضاع سكان البلدة العالقين وسط المعارك. وعلى الرغم من أنني أحمل كل التصاريح والأوراق التي تخولني الوصول وعمل تغطية في مناطق القتال والاشتباك، إلا أن ضابطاً أوكرانياً قابلني هناك ورفض السماح لنا بعبور الجسر، مردداً أن ذلك لحمايتنا".

بعد منعه من العبور، عاد حذيفة أدراجه، وفي وقت لاحق ذلك اليوم تلقى خبر مقتل الصحفي الأميركي برينت رينو، الذي قتل وهو يحاول عبور الجسر نفسه، وكان أول صحفي أجنبي يسقط أثناء أداء عمله في تغطية الأحداث خلال الحرب الأوكرانية الأخيرة.

بنبرة صوت توحي بالكثير من الريبة والألم الممتزجين، يقول حذيفة: "قتل هنا في هذا الجسر، لو سمح لي ذلك الضابط وقتها أن أعبر لربما كنت أنا مكانه".

المراسل حذيفة عادل في أوكرانيا

وعن سؤالنا حول "كيف يعيش أجواء الحرب؟"، يجيب حذيفة بالقول: "كانت الحرب في بدايتها صعبة للغاية، فالموت والرصاص وقلة الزاد والخوف يملأ قلوبنا، كل شيء كنا نراه يوحي بالموت المفاجئ وكنا نرتاب في كل من يحمل السلاح (...) كانت حربًا مجنونة تأتي على كل شيء فتدمره، سواء كان إنسانًا أو بناء، حتى تحوّلت الساحات إلى رماد والميادين إلى دمار وركام". 

ومنذ اللحظات الأولى "نفذت المؤونة وتلاشت الأدوية، لأننا لم نكن مستعدين لمثل هذه المفاجآت ولطالما عشنا على الماء وبعض البسكويت الذي لا يغني ولا يسمن من جوع". 

ضف إلى ذلك قلة ساعات الراحة، والتي لم تكن تتجاوز يوميًا الست ساعات، حسب وصفه، فقد "كنا يوميًا نلاحق الأخبار ونغطي مختلف الأوضاع، بدءًا من الاشتباكات بين القوات الروسية والأوكرانية إلى معاناة المدنيين العالقين، إلى جانب أحداث أخرى تهم الرأي العام".

وهنا يسترجع المراسل لحظة أخرى من اللحظات التي وقعت فيها حياته على محك الموت، وذلك حين وجد نفسه عالقًا وسط اشتباكات على أحد خطوط التماس بين المتحاربين. ويقول: "وجدنا أنفسنا عالقين في منطقة اشتباك ما بين القوات الروسية والأوكرانية، في منتصف القتال تمامًا. لم يكن هناك من منجى سوى أن نظل منبطحين على الأرض بدون حراك، إلى أن وجدنا فرصة عندما توقف إطلاق النار واستطعنا الخروج من هذه المنطقة".  

نصائح مراسلين وسط الحرب

سألت شبكة الصحفيين الدوليين المراسلين عن أبرز النصائح لزملائهم الذين يعملون في المناطق التي تشهد حروباً ونزاعات، واتفق المتحدثان على أنّ القاعدة الذهبية في هذه المهنة هي أن كل شيء يفقد أولويته أمام سلامة المراسل؛ فـ"لا توجد قصة أهم من حياتك" على حد تعبير عدنان جان. 

ويؤكد حذيفة عادل حديث زميله، قائلاً: على الصحفيين "أن يكونوا جاهزين وألا يستهينوا بالوضع، وأقصد هنا معدات السلامة، وحتى المعدات الصيدلية، ففيها أشياء قد تنقذ الحياة وضرورية في حالة الإصابة، وألاّ يضغطوا على أنفسهم كثيرًا في هذا الأمر وألا يقوموا بتغطيات لفترات طويلة جدًا، لأنّ ذلك يؤثر على الإنسان بشكل كبير، ولا بد أن يأخذ المراسل وقتًا يريح نفسه وعقله، ثم يمكن أن يعود مرة أخرى، ولكن الاستمرار في التغطية لفترات طويلة ستكون له عواقب وخيمة على الصحة".

واستمراراً في شق الجاهزية والحذر، يضيف عدنان: "يجب أن يفكر المراسل بخطة وطريقة خروج وقت الطوارئ"، كما أنه يجب ألّا يسمح للحالة العاطفية للسكان بأن تقوده إلى المجهول".
أما في الشق العملي، فيجمع المراسلان العربيان في أوكرانيا على أنّ الحياد والتوازن في رصد الآراء شرط ذهبي في تغطيتهما للنزاعات، حيث ينبغي على المراسل "أن يحرص في كتابته أو مداخلته أن يتحدث عن مشاهداته الشخصية وليس عن رواية الشهود، لأنّ المتضررين يكونون غالبًا في حالة تجعلهم يصورون الطرف الآخر كمجرم"، يورد عدنان. ويوافقه على ذلك حذيفة بالقول: "أتوقع من جميع الصحفيين أن يكونوا محايدين ومهنيين في نقل الخبر".

وفي الختام، يخلص حذيفة إلى وجوب اهتمام المراسلين الحربيين بسلامتهم النفسية، "لأن هذا النوع من التغطيات يؤثر بشكل كبير على الصحفيين". كما اختار عدنان تذكير زملائه بأن "الخطر موجود في كل لحظة وفي كل مكان، ومهما اتخذت من احتياطات وتدابير، قد تكون الظروف أكبر منك".

الصور المستخدمة في هذا المقال من المراسلين عدنان جان وحذيفة عادل وقد حصلت شبكة الصحفيين الدوليين على إذن باستخدامها