كيف يتحقق الصحفيون من صحة التصريحات السياسية؟

Mar 17, 2025 في مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

في هذا العصر، أصبح من الصعب جدًا التمييز بين المعلومات الحقيقية والزائفة، حيث تنتشر الأخبار الكاذبة على نطاق واسع. وتتنوع أسباب انتشارها، لكن يظل الهدف الأساسي هو التلاعب بالمعلومات بهدف التضليل والتحايل لتوجيه الرأي العام وفق أجندات معينة.

من بين أكبر التحديات التي يواجهها الصحفيون تحليل المعلومات وكشف الأخبار الزائفة، خاصة عند التحقق من صحة التصريحات السياسية. وكما نعلم، فإن التحقق من صحة التصريحات الرسمية في عالم الصحافة السياسية أمر ضروري للحفاظ على دقة التقارير وتعزيز ثقة الجمهور.

في هذا المقال، أقدم لكم خمس أدوات تساعد الصحفيين في كشف الحقيقة وراء الخطابات والادعاءات السياسية، سواء كانت صورًا، مقاطع فيديو، أو أخبارًا مكتوبة.

بالإضافة إلى الأدوات، أجريتُ مقابلة مع ياسمين لعبي، صحفية متخصصة في التحقق الرقمي، حاصلة على بكالوريوس في الصحافة وعلوم الاتصال، كما تحمل ماجستير في الاتصال السياسي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. ستشارككم نصائح مهنية حول أفضل الطرق لمواجهة المعلومات المضللة.

كما تحدثتُ مع حسام الوكيل، صحفي ورئيس تحرير منصة "تفنيد" لتدقيق المعلومات وصحافة البيانات، الذي سيوضح كيفية تحليل الخطابات السياسية، وأهم المؤشرات التي تكشف التضليل، مع تقديم نصائح عملية لضمان دقة التقارير الصحفية.

خمس أدوات للتحقق من التصريحات السياسية

1. FactCheck.org

موقع FactCheck.org هو مشروع تابع لمركز أنينبرغ للسياسات العامة بجامعة بنسلفانيا. تأسس مركز أنينبرغ للسياسات العامة (APPC) على يد الناشر والمحسن والتر أنينبرغ بهدف إنشاء مجتمع أكاديمي داخل جامعة بنسلفانيا يعنى بمعالجة قضايا السياسة العامة على المستويات المحلية والولائية والفدرالية.

يعرّف موقع FactCheck.org نفسه على أنه منظمة غير ربحية وغير حزبية تعمل كـ"مدافع عن حقوق المستهلك" لصالح الناخبين، وتهدف إلى الحد من التضليل والارتباك في السياسة الأميركية. وفقًا لتعريفهم، يقومون بمراقبة دقة المعلومات التي يقدمها الفاعلون السياسيون الرئيسيون في الولايات المتحدة من خلال الإعلانات التلفزيونية، المناظرات، الخطابات، المقابلات، والبيانات الصحفية. كما يؤكدون أن هدفهم هو تطبيق أفضل الممارسات الصحفية والأكاديمية لزيادة وعي الجمهور وتعزيز فهمهم للقضايا السياسية.

2. PolitiFact

PolitiFact هو موقع للتحقق من المعلومات. يقوم بتقييم دقة الادعاءات التي يدلي بها المسؤولون المنتخبون وغيرهم، وذلك من خلال مقياسه الخاص "Truth-O-Meter" لقياس مدى صحة المعلومات.

أنجي دروبنيك هولان هي رئيسة التحرير السابقة لموقع PolitiFact. لديها خبرة واسعة في تدقيق المعلومات المتعلقة بالرئاسة والكونغرس والحملات السياسية، وكانت ضمن فريق PolitiFact الذي فاز بجائزة بوليتزر لعام 2009 عن فئة التغطية الوطنية.

تقول هولان: "الصحافة القائمة على تدقيق المعلومات هي جوهر عمل PolitiFact. تعتمد مبادئنا الأساسية على الاستقلالية، الشفافية، النزاهة، البحث المتعمق، والكتابة الواضحة. والسبب وراء نشرنا لهذه المعلومات هو تزويد المواطنين بالمعلومات التي يحتاجونها لحكم أنفسهم في نظام ديمقراطي".

3. Snopes

إحدى أقدم منصات التحقق من المعلومات، تركز على تحليل الأخبار المضللة، خاصة الشائعات السياسية والمعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بدأ موقع Snopes نشاطه في عام 1994 بالتحقيق في الأساطير الحضرية، والخدع، والموروثات الشعبية.

عندما تحجب المعلومات المضللة الحقيقة، ويجد القراء صعوبة في تحديد ما يمكنهم الوثوق به، تسلط عمليات التحقق من المعلومات والتقارير الاستقصائية الأصلية التي يقدمها Snopes الضوء على تحليل قائم على الأدلة وفي سياقه الصحيح. هكذا يعرّف فريق Snopes نفسه، ويتابع: "نحن نحرص دائمًا على توثيق مصادرنا وتقديم روابط لها، مما يمنح القراء القدرة على إجراء أبحاثهم المستقلة والتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة".

4. Full Fact

منظمة بريطانية غير ربحية تعمل على التحقق من تصريحات السياسيين في المملكة المتحدة، مع تحليل شامل للبيانات والإحصاءات المستخدمة في الخطابات الرسمية. يعرّف فريق العمل في المنظمة أنفسهم قائلين: "المعلومات المضللة تدمر الحياة، ونحن فريق مستقل من مدققي المعلومات والنشطاء نعمل على كشفها والتصدي للأضرار التي تسببها. نحارب المعلومات المضللة بطرق مختلفة، بدءًا من التحقق من صحة الادعاءات التي يدلي بها السياسيون، والمؤسسات العامة، والصحفيون، وصولًا إلى فحص المحتوى الفيروسي المنتشر عبر الإنترنت، لأننا جميعًا نستحق معلومات موثوقة".

5. Arabi Facts Hub

Arabi Facts Hub هي منظمة غير ربحية مكرسة للبحث في المعلومات المضللة والمغلوطة في المحتوى العربي على الإنترنت، وتقديم حلول مبتكرة لاكتشافها والتعرف عليها. يقول الفريق: "مهمتنا هي تسخير الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لمكافحة المعلومات المضللة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع تعزيز بيئة إنترنت أكثر أمانًا من خلال مبادرات لتغيير السياسات التقنية والرقمية، ودعم البحث القائم على الأدلة باللغة العربية".

هذه ليست سوى بعض من الوسائل التي يمكنك كصحفي الاستعانة بها للبحث والتدقيق في معلومات راودك الشك فيها أو أخبار تريد أن تدقق بي مدى صحتها. 

أهمية تدقيق التصريحات السياسية ودور الصحفيين في مكافحة التضليل السياسي

تقول ياسمين لعبي، وهي صحفية متخصصة في التحقق من الأخبار ومدربة في تدقيق المعلومات والتربية الإعلامية: "تدقيق التصريحات السياسية أمر بالغ الأهمية للصحفيين والجمهور. غالبًا ما يلجأ الساسة إلى تضليل الناس لكسب الأصوات خلال الحملات الانتخابية، أو استغلال العواطف، أو إخفاء الإخفاقات، أو تشويه سمعة المعارضين. كما قد يبالغون في الوعود، أو يتلاعبون بالبيانات، مثل الادعاءات الاقتصادية الكاذبة أو الإصلاحات الهيكلية المزيفة".

وتضيف: "التحقق من الخطابات السياسية يضمن محاسبة السياسيين، ويحمي القيم الديمقراطية، ويمنع انتشار الروايات الكاذبة. فمن خلال هذه العملية، يعمل الصحفيون على تعزيز الثقة في وسائل الإعلام، وكشف التلاعبات، وتمكين المواطنين من اتخاذ قرارات مستنيرة، مما يساهم في خلق مشهد سياسي أكثر شفافية ومسؤولية".

تشير لعبي إلى أن انتشار المعلومات غير الدقيقة يشوه الخطاب العام، ويغذي الاستقطاب، ويقوض الثقة في المؤسسات، مما يؤثر على سلوك التصويت وقد يؤدي إلى سياسات متحيزة أو غير فعالة في مجالات مثل الصحة والاقتصاد والمناخ، كما يعمق الانقسامات الاجتماعية ويضعف الديمقراطية وصنع القرار الفعال. وللتأكد من صحة التصريحات السياسية، يُنصح بالتحقق من المصادر عبر مقارنة الادعاءات بالتقارير الرسمية والخطابات السابقة ووكالات الأنباء الموثوقة، بالإضافة إلى فحص الوثائق القانونية والتشريعات من خلال الاطلاع على تقارير مؤسسات المحاسبة ومكافحة الفساد، كما يمكن استشارة الخبراء مثل الأكاديميين ومحللي السياسات لتوفير سياق أوسع حول التصريحات المعقدة، وأخيرًا، يساعد تحليل المغالطات المنطقية، مثل المبالغات والبيانات المضللة والاستخدام غير الدقيق للأرقام، في كشف التلاعب بالمعلومات.

ومن الأخطاء الشائعة في تدقيق التصريحات، تقول لعبي هو الاعتماد على مصادر غير موثوقة أو متحيزة وتجاهل السياق العام عند تحليل التصريحات بالإضافة إلى عدم استشارة الخبراء أو المصادر المتخصصة، مما يؤدي إلى تحليل ناقص والتسرع في نشر النتائج بدون التحقق من مصادر متعددة.

من جهته، أوضح حسام الوكيل، صحفي ورئيس تحرير منصة "تفنيد"، التي تأسست عام 2021 وتركز على تدقيق المعلومات السياسية وصحافة البيانات، خاصة في مصر وتونس والعراق، أنّ "تفنيد" تعمل على تحليل التصريحات السياسية والمعلومات المتداولة، مع التركيز على تأثيرها على الجمهور. تعتمد المنصة على ثلاثة أسئلة رئيسية:

  1. مدى الخطأ في المعلومة؟
  2. تأثيره على وعي وسلوك الجمهور؟
  3. من يقف وراء نشرها وما دوافعه؟

ويؤكد حسام أن التضليل لا يعني فقط نشر معلومات خاطئة، بل قد يتم توظيف معلومات صحيحة في سياق مضلل. خلال الانتخابات مثلًا، لا يكفي تصحيح المعلومات، بل يجب كشف الدوافع والأطراف المستفيدة من حملات التضليل.

نصائح للصحفيين في تدقيق المعلومات

يوصي حسام الصحفيين بالآتي:

  1. فهم تكتيكات التضليل السياسي لتجنب الوقوع فيه.
  2. تنمية الحس النقدي تجاه كل التصريحات والمصادر.
  3. الاعتماد على مصادر المعلومات المفتوحة للتحقق من البيانات.
  4. فهم السياق العام للقضية للتمييز بين الحقيقة والتضليل.
  5. الحياد التام لضمان دقة النتائج.

يرى حسام أن الدقة لا تتعارض مع السرعة، بل تعتمد على تكوين شبكة من المصادر الأولية، مما يتيح الحصول على المعلومات بسرعة بدون الاعتماد على مصادر ثانوية غير موثوقة.

يقول حسام إن التضليل السياسي يتطور يوميًا، خاصة مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يستلزم من مدققي المعلومات تطوير أدواتهم وتعزيز قدراتهم على كشف التضليل والتواصل مع الجمهور. ورغم أن مجال تدقيق المعلومات سيتطور حتمًا، إلا أن التحدي يكمن في سرعة مواكبة هذا التطور مقارنة بالوتيرة المتسارعة لتطور أدوات التضليل، إضافة إلى قلة الدعم الموجه لمدققي المعلومات مقابل الإنفاق الضخم على الدعاية السياسية. كما يؤكد أن مدقق المعلومات يجب أن يكون متعلمًا مستمرًا، حيث يتطلب المجال تحديثًا دائمًا للمهارات والأدوات لمواجهة التحديات المتجددة.

ويضيف: "الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، نحن نستخدم فعليًا الذكاء الاصطناعي الآن في عمليات تدقيق المعلومات السياسية، فهو مفيد للغاية في عمليات البحث، ورصد الادعاءات بشكل أسرع. أداة مثل FULL FACT AI تساعدنا كثيرًا في ذلك، كما أنه مفيد في عمليات الترجمة وتحويل ملفات الصوت إلى نصوص وغيرها. إلا أنه أيضًا سلاح فاعل في حملات التضليل، خاصة مع التزييف العميق. سيظل التحدي هنا ليس في الذكاء الاصطناعي ذاته، فهو ضرورة حتمية حاليًا، ولكن في حجم الاستثمارات الموجهة لاستخدامه في التضليل، مقابل الاستثمارات الموجهة لتطويره لكشف التضليل ومحاربته".

التضليل ونشر المعلومات الزائفة موجود، ولهذا عليكم كصحفيين أن تتحققوا دائمًا من صحة المعلومات، وتعتمدوا على المصادر الأولية قبل النشر. لا تكونوا جزءًا من دائرة نشر الأخبار الكاذبة التي تضلل الجمهور، فالصحافة مهنة شريفة، وأساسها الدقة والبحث المستمر عن الحقيقة. اجعلوا التدقيق منهجكم، لأن رأس مالكم الحقيقي هو المصداقية. 

الصورة الرئيسية منتجة بواسطة ChatGPT.