تُعتبر فرنسا أوّل دولة في العالم أصدرت جريدة رسمية تُقدّم وجهة نظر الدولة، وذلك سنة 1631، وقد حملت من العناوين "لا جازيت". في المقابل، تُعدّ إنجلترا أول دولة في العالم أصدرت صحيفة يومية، وذلك سنة 1702، وكان عنوانها" ديلي كورونت". دولتان لم يكن لهما فقط السبق في اقتحام المجال الصحفي، ولكنهما استطاعتا التأثير على الخريطة الإعلامية العالمية بأن صرنا نتحدّث اليوم عن المدرسة الفرنكفونية ومقابلتها الأنجلوسكسونية.
لأسباب تاريخية، تأثرت صحافة شمال إفريقيا ولبنان بالفرنسيين، وباقي صحافة المنطقة العربية بالإنجليزيين، تأثرًا يجد أسبابه بشكل كبير في كون الصحافة العربية بشكل عام هي صحافة ناشئة ولم تبدأ بالنمو سوى خلال القرن الماضي، بل إن دولاً عربية بعينها، بينها من تأثّر بكل مدرسة على حدة، لم تعرف الصحافة بمعناها المتداول حاليًا، إلا في النصف الثاني من القرن ذاته، حيث لم تجد صحافتها بدا من الاستنجاد بالإرث الغربي كي تقف على قدميها.
الفروقات بين المدرستين متعدّدة، وكما يلخصها أنس عياش، مراسل برنامج بي بي سي إكسترا بالمغرب، التابع لشبكة بي بي سي، فالمدرسة الفرنكفونية تَعتبر الصحافة خدمة عمومية بالدرجة الأولى، والصحفي ليس محرر مواد وكفى، بل يمتلك كذلك مسؤولية اتجاه المجتمع واتجاه الوطن، وهذا هو ما يفسّر دعم الدولة الفرنسية للصحافة بشكل سنوي. نفس الأمر يتكرّر بالمغرب الذي تسهر فيه وزارة الاتصال على تقديم مبالغ مالية سنوية لعدد من العناوين الصحفية قصد مساعدتها في استمرار وجودها بالسوق. بالمقابل، تظهر الصحافة الأنجلوسكسونية متأثرة بشكل كبير بالمجال الاقتصادي والصناعي، فالصحافة إذن بهذا المعنى، هي صناعة ربحية، والجريدة هي شركة مثل جميع الشركات، ترى أن العائد المادي أهم من مفهوم الخدمة العمومية.
ويضيف عياش، أن المدرسة الفرنكفونية تتساهل في قرن الرأي بالخبر في المواد الإخبارية، وكثيرًا ما يتم العثور على رأي الصحفي في تقرير إخباري، عكس المدرسة الأنجلوسكسونية التي تُشدّد على الاستقلالية التامة للرأي عن الخبر. زيادة على اختلاف آخر متعلق بطبيعة العلاقة مع المصادر، فإن كان الإنجليز يسمحون بالاعتماد على معلومات أعطيت لهم في "الأوف" (بمعنى Off the record) لدرجة أن هناك تحقيقات وتقارير تتكرر فيها معلومات لم تكن المصادر تريد نقلها إلى الرأي العام، حيث يكون هدف الصحفي هنا هو الكشف عن خروقات ومعطيات مهمة. فإن الفرنسيين يرون أن كل معلومة "أوف" يجب أن تبقى لدى الصحفي وحده دون غيره، حتى ولو كانت ستؤدي إلى سبق صحفي.
أما مراسل سكاي نيوز بالمغرب يونس أيت ياسين، فيشير إلى أن المدرسة الأنجلوسكسونية تتجه بشكل واضح نحو التخصّص، أي أن الصحفي يكثف جهوده في مجال واحد، أو حتى جنس صحفي واحد، الأمر الذي يَنتج عنه مادة صحفية نوعية بُذِل فيها مجهود متخصّص. أما الفرنكفونية فتعتمد مبدأ أن الصحفي يمكن له أن يحرّر في جميع المجالات، وبالتالي يمكن أن يشتغل بنفس الأدوات التحريرية على أي موضوع.
إلا أن أيت ياسين، يؤكّد أن نسبة مهمة من الصحفيين المغاربة تفتقر إلى تكوين جيد، والنقاش حول تأثرهم بمدرسة دون أخرى، يبقى ترفًا فكريًا، "إن كان البعض منهم يكتب بغزارة في كافة المواضيع دون تخصص، فالسبب هو ضغط العمل والرغبة في الإنتاج" يقول المتحدّث ذاته، معتبرًا أن هناك بوادر لصحفيين متخصّصين رغم قلة المؤسسات الإعلامية المغربية التي تُوفر للصحفي ما يحتاجه من موارد.
ويرى الصحفي عبد الإله سخير من أسبوعية الأيام، أن الصحافة المغربية متاُثرة بشكل واضح بالنمط الفرانكفوني من حيث الصناعة الإعلامية وطريقة التحرير وحتى خلفية التحرير، السبب في ذلك راجع إلى نخبة فرنكفونية هي التي استثمرت في المجال الإعلامي وهي من تبوأت أغلب المسؤوليات في الصحافة منذ منتصف القرن الماضي. الأمر الذي جعل عدد المنشورات الفرنسية قريبًا من عدد العربية، مقابل شبه غياب للمنشورات الإنجليزية.
إلا أن تأثير المدرسة الفرنكفونية لا يصل لغالبية الصحفيين المغاربة حسب سخير، الذي يشير إلى أن بعضهم ينفتح حاليًا على الأنجلوسكونية، بالنظر إلى وجود الإنترنت وما يُوّفره من إمكانيات التعرّف على ثقافات أخرى، وهناك منهم من يجد في الإسبانية ضالته وهي التي تمزج بين المدرستين المذكورتين.
الصورة لعبد الإله السخير.