برزت في الآونة الأخيرة بعض المبادرات الإعلامية المتخصصة بجمهور أو فئة أو أقلية بعينها وذلك من أجل تركيز الجهود حول هذه الفئات وقضاياها التي تغيب عن التناول الإعلامي أو يتمّ عرضها بطريقة تساهم بزيادة العزلة والتهميش والتمييز الاجتماعي كما يحدث مع الأشخاص ذوي الإعاقة.
"عكازة" هي إحدى المنصات الإعلامية التنموية التي أنشأها فريق من الصحفيين والأشخاص ذوي الإعاقة من لبنان وسوريا بغرض نشر المحتوى الذي يعمل على تغيير السرديات المتعلقة بذوي الإعاقة وتصحيح نظرة المجتمع نحوهم.
يعتمد عدد من الصحفيين العاملين في المنصة على مجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة في نقل الواقع الذي تعيشه هذه الفئة وترجمة تجاربهم الحياتية ومعاناتهم اليومية على اختلافها، ليتمّ إنتاج قصص ومقالات صحفية ونشرها للجمهور بطرق عدّة وأدوات عصرية تراعي مشاعر هذه الفئة وتجعل الجمهور يشارك بالتجارب ويتفاعل معها.
في هذا السياق، يقول أحمد الأشقر، المسؤول عن الموقع لشبكة الصحفيين الدوليين: "جاءت فكرة تأسيس الموقع نتيجةً لوجود فجوة بين واقع ذوي الإعاقة وما يتم تناوله في الوسائل الإعلامية وما يزيد هذه الفجوة هو عدم وجود منصة إعلامية متخصصة بهذه الفئة على الأقل في لبنان وسوريا". وما يميّز هذه المنصة، بحسب الأشقر هو "أنها تنقل واقع ذوي الإعاقة كما يرونه هم، من دون تجميل أو تمييز".
"عكازة" وتمكين الإعلاميين ذوي الإعاقة
يهدف موقع عكازة الذي يضمّ فريقه صحفيين وصحفيات ومستشارين وكتابًا من ذوي وذوات الإعاقة، إلى تمكين الصحفيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة من التعبير عن أنفسهم وإظهار إبداعاتهم وعرض تجاربهم الحياتية مع المجتمع المحيط. وحسب مؤسسي الموقع، فإنه يوفر مساحةً آمنة ومستقلة تمكنهم من الحديث عن أنفسهم وإبراز واقعهم ومعاناتهم وطموحاتهم بدون تجميل أو مبالغة.
وتختلف طرق نشر المحتوى في موقع "عكازة" بين الفيديو والبودكاست والمحتوى المكتوب، وذلك سعياً إلى وصول الجميع إلى هذه المواد بسهولة، كما أنّ الموقع يغطي قضايا ذوي الإعاقة في لبنان وسوريا، لكنّ الفريق يطمح في تغطية كل قضايا الإعاقة في منطقة الشرق الأوسط.
ويتنوع المحتوى الموجود في الموقع بين القصص والمقالات والتقارير التي توثق الانتهاكات والعنف ضد ذوي الإعاقة، خصوصاً في مخيمات اللجوء، كما أنه يركز على معاناة النساء ذوات الإعاقة اللواتي لا يحصلن على أبسط حقوقهن ويتعرضن لأبشع أنواع الظلم والتعنيف.
في هذا الصدد، يقول أحمد الأشقر: "نعتمد على ذوي الإعاقة في نقل قصصهم وكتابتها بطريقتهم، ثم نقوم بتحويلها إلى قصص صحفية لأنّ الكثير من ذوي الإعاقة لا يمتلكون الخبرة الكافية في الكتابة الصحفية ويحتاجون إلى تدريب حول كيفية صياغة القصص للصحافة وهذا ما نسعى إليه"، مضيفًا: "نركز على نقل القصص بطريقة كوميدية ساخرة من الواقع الحالي لذوي الإعاقة تنقل معاناتهم اليومية وكيف يتحدون المعيقات التي تواجههم، إذ أننا في الفترة الماضية نشرنا أكثر من 15 تجربة مختلفة لذوي وذوات الإعاقة وحصلنا على تجاربهم بشكل مكتوب وقمنا بإعادة تحريرها ونشرها وكان لها أثر كبير وتفاعل من جمهور الموقع والمتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي".
ويؤكد أحمد الأشقر أنّ قضايا الإعاقة مختلفة وحساسة تحتاج إلى مقاربة إعلامية دقيقة وحملات كبيرة تسلط الأضواء عليها بدون إساءة أو تنميط وإنما يجب أن يكون هناك نقل للصورة الواقعية الحقيقية، وينصح الأشقر المنصات والصحفيين العاملين في مجال الإعلام المتخصص ببناء علاقة اتصال وتواصل مع الجمهور من خلال إنتاج القصص التفاعلية التي تجعل المتابع يشارك في التفاصيل ويجيب على التساؤلات بل ويقترح الحلول.
وتطرّق الأشقر إلى قصة آدم التفاعلية التي تمّ إنتاجها بدعم من المركز الدولي للصحفيين (ICFJ) والتي انتشرت بشكل كبير، بسبب تفاصيلها المثيرة والأسئلة الكثيرة التي جذبت الجمهور وجعلته يعيش الأحداث ويشارك في الإجابات.
من جهتها، تحدّثت الصحفية نور أبو فراج التي تعمل في الموقع عن تجربتها، قائلةً: "هناك حاجز تلقي بين المواد المكتوبة عن ذوي الإعاقة والجمهور، إذ أنّ الأخير يفترض أنها ستكون قصصاً ثقيلة تدعوه للتعاطف معها وذلك بسبب السوداوية والصور النمطية والقصص الحزينة التي تجعل الجمهور يقرر مسبقاً عدم قراءتها وحتى الضغط على رابط القصة نتيجةً لذلك الاعتقاد"، مضيفةً: "كصحفية لست بمعزل عن هذه النظرة ولا عن الموضوع الذي أريد كتابته، إذ أنني في كثير من الأحيان أجد نفسي غير قادرة على كتابة القصص ذات الطابع المأساوي".
ولكن ما يميز موقع "عكازة" بحسب نور أنه جعلها تعيد النظر في كيفية الكتابة عن قضايا الإعاقة، حيث أنّها لا تهدف بالضرورة إلى خلق مشاعر الحزن لدى المتلقي، وهذا الأمر مكّنها من الكتابة بطريقة جعلتها تخلق الأمل من رحم المعاناة، كما أنه جعلها تفكر في أدوات تستطيع من خلالها إيصال المادة إلى المتلقي بطريقة بسيطة وجذابة تدعوه للتفاعل الإيجابي معها.
الدمج بين الخبرة الصحفية للفريق وذوي الإعاقة المستشارين والطريقة الكوميدية الساخرة وإمكانية الوصول والتخصص في الطرح واستخدام تقنيات حديثة في الكتابة ميزات جعلت من الموقع برأي نور متفرداً عن غيره.
يذكر أنّ هناك ندرة في البيانات والإحصائيات الخاصة بأعداد ذوي الإعاقة في البلدان النامية إلا أنّ منظمة الصحة العالمية تؤكد أنهم يمثلون 15% من نسبة سكان العالم وأنّ 80% منهم يعيشون في البلدان النامية، وأنّ هذا العدد يزيد بشكل متواصل خصوصاً في البلدان التي تشهد صراعات وحروبًا.
الصورة الرئيسية لموقع "عكازة" وحصلت الشبكة على إذن باستخدامها.
إقرأوا المزيد من المقالات لـ
