شهد عام 2019 انتهاكات وصفت بالجسيمة في مجال حرية الصحافة في العراق، المكفولة دستوريا، اذ سجل هذا العام انتهاكات غير مسبوقة، واغلاق وتهديد بطريقة مباشرة ومعلنة فيما نال صحفيون نصيبهم من التصفية الجسدية توازيًا مع ارتفاع عدد الانتهاكات.
ووصفت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة عام 2019 بأنّه عام الانتكاسة الصحفية في العراق بعد تسجيلها (373) حالة اعتداء طالت صحفيين في مختلف المدن العراقية، شملت الإغتيال، التهديد بالقتل والتصفية الجسدية، الإختطاف، الإعتقال، الإحتجاز، الإعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية ومصادرة معدات التصوير، إضافةً إلى هجمات مسلحة طالت صحفيين ومؤسسات اعلامية، وإصابات للصحفيين من كلا الجنسين، فضلا عن اغلاق مؤسسات.
وقد سُجلت معظم الحالات ما بعد الأول من تشرين الاول، ومع لحظة اندلاع التظاهرات الاحتجاجية، شهد الفصل الاخير من العام 2019 اكبر عدد للاعتداءات منذ تغيير النظام في عام 2003. كما سجلت الجمعية (210) حالات اعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية، وهذا ما يدعم رأي الجمعية بتضييق الخناق على الصحفيين/ات، في عموم البلاد حيث سجلت العاصمة بغداد (109) حالة انتهاك، تليها البصرة بواقع (48) حالة، ثم الموصل بـ (44)، في حين توزعت بقية الحالات على مدن الوسط والجنوب.
اغلاق فضائيات وقطع الانترنت!
وشهد العام الماضي اقتحام مسلحين لم يتم تحديدهم مقار لمؤسسات اعلامية بما فيها قنوات فضائية لتحطم معداتها الفنية وأجهزة البث العائدة لا سيما تلك التي شرعت بتغطية التظاهرات في البلاد ووصل قسم منها بقصفها بواسطة صوايخ (الكاتيوشا)، بعد ذلك صدرت الاوامر بحجب شبكة الانترنت واغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، لتجنب ما وُصف بـ"الفوضى الأمنية والمؤامرة على الوطن"، وهو ما عدّه مراقبون خرقا لكل قوانين "الحريات المدنية"، الأمر الذي حرك العراقييين لتنزيل تطبيقات خوادم vpn وأقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الصناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جداً، من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
روايات لصحفيين معنفين
يروي الاعلامي زيد الفتلاوي وهو احد العاملين في قناة دجلة الفضائية قصة الاعتداء عليه وعلى زميله المصور التلفزيوني محمد البولاني، بالضرب ومنع من تغطية اثناء تواجدهم في ساحة الاحتجاج، ويقول الفتلاوي لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إن "قوات تابعة الى وزارة الداخلية منعته مع عدد من رفاقه الميدانيين من تغطية الاحتجاجات، بحجة وجود اوامر مركزية بعدم السماح للتظاهر (وهو مخالفة دستورية صريحة)، ليتطور الامر بعد ذلك الى ضرب بالهراوات وركل بالأرجل فضلا عن استخدام العصي الكهربائية التي تسببت لي ولزميلي المصور البولاني بأضرار جسدية ما استدعى نقلنا للمستشفى لتلقي العلاج"، بحسب ما ابلغ به الفتلاوي.
من جهته، تحدّث المصور التلفزيوني حسنين المياحي الذي يعمل في قناة التغيير الفضائية عن توجيه مجموعة من افراد الامن البنادق نحوه واقدامهم بهجوم وصفه بـ"الهيستيري" لأنهم شاهدوه يمسك بكاميرا التصوير التي يستخدمها، مضيفا انهم قاموا باعتقاله ومصادرة معدات التصوير العائدة له ومنعه وزميله المراسل محمد الزرفي من اتمام مهمتهم الصحفية، الا ان مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يتواجدون لنقل الاحداث ساهمت بتخليصه من قبضة تلك القوات التي لم تكتف بحذف مشاهد التصوير التي قام بتسجيلها بل صادرت شريحة الذاكرة RAM ولم يتم ارجاعها اليه وهو ما دفعه ورفاقه لرفع دعاوى قضائية ضد تلك القوات في المحاكم العراقية اضافة لمنظمات حقوقية.
وفي السياق ذاته قال هشام وسيم وهو مراسل لقناة السومرية الفضائية لشبكة الصحفيين الدوليين انه اصيب في يوم 25 اكتوبر/تشرين الأول 2019 بقنبلة دخانية بشكل مباشر وهشمت انفه وتسببت بجراح كبيرة بمنطقة الرأس، وقال انه كان متواجدا على احد الجسور التي تصل ساحة التحرير بالمنطقة الخضراء المحصنة في بغداد والتي تعتبر مركز الحكم، وقال: "أثناء تقدم المحتجين من جانب وقوات الامن من جانب اخر تلقيت اصابة مباشرة بقنبلة دخانية خلفت اضرارا جسدية بالغة، ما دعا الى نقلي الى العاصمة اللبنانية بيروت لتلقي العلاج واجراء التداخلات الجراحية".
وقد رفع وسيم دعوى قضائية ضد قوات الامن في بغداد يطالبهم بالتعويض المالي والمعنوي ومحاسبة المتسببين وبانتظار ان يتم البت فيها، بحسب ما ذكر.
تصفية جسدية
جانب مظلم يعيشه الصحفيون العاملون في العراق بعدما وصل الامر لتصفيتهم جسديا وبشكل علني بعد تجاوز المسلحين مرحلة التهديد والتنمر، كما حدث مع الاعلامي احمد عبد الصمد ورفيقه المصور صفاء غالي عقب انتهائهما من تغطية الاحتجاجات وسط مدينة البصرة جنوب العراق في العاشرمن يناير/كانون الثاني من العام الحالي، وهذه الجريمة وغيرها من الاعتداءات لم توجه بسببها اصابع الاتهام لفرد او مجموعة على الرغم من فتح تحقيقيات عاجلة بهذا الشأن.
فاجعة اخرى تشهدها الصحافة العراقية بعد إقدام مسلحين مجهولين على اغتيال نزار ذنون المشرف العام على مؤسسة الرشيد الاعلام والتي لها مكاتب فرعية في عدد من الدول العربية ومنها دولة الإمارات العربية ومصر والأردن اضافة إلى انتشار مكاتبها في عموم محافظات العراق، وذلك أمام منزله في العاصمة بغداد .
الانتهاكات امام القضاء
وفي هذا السياق، أدانت مفوضية حقوق الانسان الانتهاكات بحق الصحفيين وتضامنت معهم وقامت بتوثيق الانتهاكات التي حصلت اثناء التظاهرات، فيما توجه الصحفيون الى القضاء لاقامة الدعاوى ضد من اعتدى عليهم واعترض عملهم اثناء التظاهرات ودونت افادتهم قضائيا بهذا الشأن الا أن تلك القضايا لم تحسم بعد من قبل القضاء العراقي بسبب اغلاق الدوائر الرسمية والمحاكم بسبب جائحة كورونا.
الصورة الرئيسية من إحدى تظاهرات العراق لنبيل الجبوري