في الذكرى الثلاثين للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة والذي يدور موضوعه هذا العام حول "تشكيل مستقبل الحقوق: حرية التعبير محرك لجميع حقوق الإنسان الأخرى"، نظمت "شبكة الصحفيين الدوليين" جلسة عبر تطبيق "زووم" لمناقشة أهمية اليوم العالمي لحرية الصحافة، والتحديات التي تواجه الصحفيين، استضافت فيها روان الضامن، المديرة التنفيذية لشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، ومجدولين حسن المحررة العربيّة للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائيّة، وجاد شحرور المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير.
في بداية الجلسة، قدّمت سارة عبد الله، المحررة المسؤولة عن شبكة الصحفيين الدوليين بنسختها العربية ومديرة برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نبذة مختصرة عن "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، ففي عام 1993، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 3 مايو/أيار، للاحتفاء به من كل عام، وذلك بناءً على توصية تقدمت بها منظمة اليونسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 1991. وأشارت إلى أننا نشهد الكثير من الانتهاكات الجسدية والنفسية والرقمية التي تمارس ضد الصحفيين، على الرغم من الجهود الآيلة إلى تعزيز حرية العمل الصحفي.
وأضافت: "هناك الكثير من التحديات التي تواجه الصحفيين في عالمنا العربي، وذلك بحسب التصنيف العالمي الجديد لحرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، والذي يُقَيّم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلداً، حيث أشار إلى أنّ الوضع "خطير للغاية" في 31 بلداً، و"صعب" في 42، و"إشكالي" في 55، في حين أنه "جيد" أو "جيد نوعاً ما" في 52 بلداً. وقد أشار المشاركون في الاستبيان والذي شمل (118 بلدًا أي ثلثي البلدان التي شملها الترتيب)، إلى ضلوع فاعلين سياسيين في حملات تضليلية واسعة النطاق أو في عمليات دعائية كبيرة ببلدانهم؛ ما يضع الحق في الوصول إلى المعلومات على حافة مستنقع خطير، إذ تُسخَّر إمكانيات غير مسبوقة في صناعة التضليل بغرض تقويض قدرة الفاعلين الإعلاميين الذين يجسدون روح الصحافة النوعية، بل وإضعاف الصحافة برمتها، كما أفاد تقرير الأخبار الرقمية الصادر عن معهد رويترز بأنّ ثقة الجماهير بوسائل الإعلام التقليدية قد تناقصت بمقدار 5 نقاط في 18 بلداً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة".
وفي هذا الإطار، قدّم المركز الدولي للصحفيين برنامجًا لمكافحة المعلومات المضللة خلال المؤتمر العالمي لتمكين الحقيقة خلال شهر نيسان/إبريل، وذلك بهدف تعزيز قدرات الصحفيين والطلاب على مكافحة التضليل.
في القسم الأول من الجلسة، هنأت "روان الضامن" الصحفيين/ات بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وتحدثت عن مجموعة من الموضوعات المهمة وهي: حرية التعبير المحرك لجميع حقوق الإنسان الأخرى، أهمية تأهيل الصحفيين الاستقصائيين عبر مساقات التعلُم المجانية عبر "أكاديمية أريج"، وإطلاق "أريج" لجائزة التحقيق الصحفي الجامعي، والإفصاح عن شعار مؤتمر أريج السادس عشر لعام 2023 وأهميته في التشبيك بين الصحفيين على مستوى العالم، كما وجهت الدعوة للصحفيين للتوقيع على إعلان أريج من "أجل إعلام عربي مستقل".
حرية الصحافة هي محرك لحقوق الإنسان الأخرى
وانطلاقًا من شعار "اليوم العالمي لحرية الصحافة" ركزت روان الضامن في حديثها على أهمية حرية التعبير بالنسبة للمواطنين والصحفيين على حدٍ سواء من أجل الوصول إلى المعلومات الدقيقة، واتخاذ قرارات ديموقراطية سليمة وخصوصًا في ظل صعوبة العمل الصحفية الميداني عربيًا ودوليًا.
أما مجدولين حسن فأشارت إلى أهمية الصحافة الاستقصائية في المدافعة عن حقوق الإنسان، وذلك من خلال منهجيتها القائمة على البحث والتقصي، وتدقيق المعلومات، ومراجعة الحقائق.
من جهته، ركز جاد شحرور على أن حرية الإعلام أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى؛ وخصوصًا في ظل التحديات التي يواجهها الصحفيون في البيئات الخطرة والتي قد تعيق أداء عملهم.
تأهيل ودعم الصحفيين عبر مساقات التعلُم المجانية
وأشارت الضامن إلى أنّ "أريج" تعمل على توفير الدعم الكامل للصحفيين الاستقصائيين، ومدققي الحقائق، ومطلقي الصفارة (الصحفيين المبلغين عن الفساد) منذ 15 عامًا، وأشارت إلى أنّ أكثر من ثلث من يعملون مع الشبكة ينشرون بأسماء مستعارة، لأنها جزء من معادلة حساب المخاطر.
وتهتم أريج بصقل مهارات الصحفيين وإعدادهم قبل تأدية تحقيقاتهم الاستقصائية، وذلك عبر مساقات التعلُم المجانية المتاحة في "أكاديمية أريج" مثل: مساق "الأمن والسلامة المهنية الصحفية"، و"مساق تدقيق المعلومات الإلكتروني"، ومساق "الأمن النفسي" ومساق "الأمن والسلامة الرقمية"، كما تقدّم الشبكة عيادات فردية للصحفيين في خمسة قطاعات وهي: الأمن الشخصي والميداني، والأمن النفسي، والأمن الرقمي، والأمن القانوني، والأمن المهني career safety لمساعدة الصحفيين على بناء مسارهم المهني.
في إشارة إلى سؤال عبد الله حول كيفية مساعدة "أريج" الصحفيين على مكافحة التضليل، ذكرت الضامن أنه" يجب أن يكون لدى كل صحفي أساسيات تدقيق المعلومات لأننا نعيش في عصر المعلومات المضللة والكاذبة والمغلوطة، وفي هذا الإطار أسسنا الشبكة العربية لمدققي المعلومات"، والتي تضم أكثر من 37 منظمة ومبادرة في أكثر من 11 دولة عربية، وهناك أكثر من 250 مدقق معلومات من كل أنحاء الوطن العربي يعملون معًا لنشر ثقافة تدقيق المعلومات، ومكافحة المعلومات المُضللة؛ لأن التضليل يؤدي إلى فقدان ثقة الجمهور في المحتوى الإعلامي الذي نقدمه".
مهارات الصحفيين في العصر الرقمي
من جانبها، أوضحت مجدولين حسن أنّ الصحفي ينبغي أن يتسلح بمجموعة من الأدوات والمهارات لعمل تغطيات صحفية متعمقة، وذلك بدءًا من تعلُم كيفية الوصول إلى مصادر القصة الصحفية، وأن تكون مصادر المعلومات متوازنة، وموضوعية، وأن يتعاون الصحفي مع جهات إعلامية ومؤسسات دولية تحمي حقوقه، وأن يقوم بتقييم المخاطر لمواجهة المخاطر المترتبة على نشر قصته، ويمكن لجميع الصحفيين الاستفادة من الموارد المجانية المتاحة عبر موقع "الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية".
الإعلام الحر ينقذ أرواح المواطنين
نوه جاد شحرور إلى خطورة التعتيم الإعلامي الذي تمارسه بعض الحكومات، وقد عانينا منه في حادثة "انفجار مرفأ بيروت" عام 2020، وفي هذا الإطار أشارت عبد الله إلى إطلاق المركز الدولي للصحفيين "برنامج دعم بيروت: صندوق الاستجابة والتعافي" بالشراكة مع مشروع ميتا للصحافة، وذلك بهدف دعم الصحفيين والمؤسسات الإخبارية التي تضرّرت بسبب الانفجار المدمر.
الانتهاكات التي يعاني منها الصحفيين في الوطن العربي
وبشأن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون، أوضح شحرور أنّ الصحفيين تعرّضوا خلال الست سنوات الماضية في لبنان لعدة انتهاكات مثل: تكسير معداتهم، ورفع دعاوى قضائية بحقهم ومضايقات، وملاحقات، وبعد عام 2019، أصبحت الاعتداءات أكثر دموية حيث تعرض الصحفيون للضرب المباشر على الهواء، وبالرصاص المطاطي، وبالرصاص الحي.
وأضاف: "منذ بداية العام، رصدنا أكثر من 17 انتهاكًا، والذي تضرر منه أكثر من 26 صحفيًا، أما فلسطين فقد رصدنا أكثر من 50 انتهاكًا في الأربعة الأشهر الماضية، وقد تضرر منهم أكثر من 100 صحفيًا، أما سوريا والأردن فقد رصدنا 4 انتهاكات"، موضحًا ظروف توثيق الانتهاكات في كلّ بلد.
نصائح للصحفيين الذين يغطون أماكن النزاع
وقدم شحرور بعض النصائح للصحفيين لحمايتهم من الاعتداءات الجسدية والرقمية، مثل:
-أن يدرك الصحفيون بأن لديهم رسالة سامية يدافعون عنها، ولكنهم يعملون في مهنة لها مخاطر وعواقب كثيرة.
- أن يعي الصحفيون الذين يغطون مناطق النزاعات آلية وكيفية نشر قصصهم.
- أن يُسلح الصحفيون أنفسهم بدورات السلامة المهنية والتي تُمكنهم من التعامل مع الاختطاف، وكيفية استخدام الأدوات الإلكترونية.
- الاستفادة من المُخيم التدريبي الذي تعقده مؤسسة سمير قصير سنويًا.
- عدم نشر أي معلومات شخصية على الشبكات الاجتماعية لحماية عائلاتهم من الهجمات الالكترونية حتى لا يتعرضوا للابتزاز الرقمي.
وحول دور مؤسسة "سمير قصير" في دعم العاملين في قطاع الإعلام، أشار شحرور إلى أنهم قاموا بدعم المؤسسات الإعلامية الناشئة في لبنان وفلسطين على مدار العامين الماضيين، وذلك من خلال مساعدتهم على استخدام التكنولوجيا في صناعة المحتوى الإعلامي وتسويقه، وكيفية فهم قطاع الإعلانات، والشراكة مع المؤسسات الإعلامية الأخرى، وسيتم نشر تقرير مفصل قريبًا حول هذا الأمر.
أهمية التعاون العابر للحدود بين الدول والمؤسسات الصحفية
خلال الجلسة التي نظمتها شبكة الصحفيين الدوليين، أفصحت الضامن عن أنّ شعار ملتقى أريج السادس عشر (1-3 ديسمبر 2023) سيكون "التعاون العابر للحدود في عالم منقسم" لأهمية التعاون العابر للحدود بين المؤسسات الصحفية والدول وخصوصًا في ظل المعلومات المغلوطة والمضللة التي تنتشر بسرعة في دولنا العربية، كما تبرز أهميته في قطاع التكنولوجيا، والصحافة الاستقصائية، وتدقيق المعلومات، والتمويل، والنشر. وسيبدأ التسجيل في الملتقى ابتداءً من شهر يونيو/جزيران وفقًا لما أشارت إليه الضامن.
وعقبت عبد الله بأنّ شبكة الصحفيين الدوليين تنظّم المُخيم التدريبي لمركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة كل عام بالتعاون مع أريج، لكي يستفيد المشاركون من فرصة التشبيك، والالتقاء بالخبراء في المنطقة العربية خلال الملتقى.
من أجل إعلام عربي مستقل
وانطلاقًا من مطالبة عدد كبير من الصحفيين والمفكرين في المنطقة العربية بالحد من الديكتاتورية والسيطرة التي تؤدي إلى الرقابة الذاتية، أطلقت "أريج" إعلان "من أجل إعلام عربي مستقل"، والذي يدعو الحكومات إلى توفير الضمانات الأساسية للصحفيين ومدققي الحقائق لممارسة عملهم بدون خوف، ويمكنك التوقيع على الاستمارة من خلال النقر هنا.
واختتمت روان الضامن حديثها قائلةً: "ينبغي على الصحفي أن يكون مجتهدًا ومطّلعًا على كل ما هو جديد في مهنة الصحافة، وأن يطوّر أدواته باستمرار، وأرى أن الجيل الجديد لديه فرص ذهبية للخروج من سيطرة منصات النشر الكبرى، وتسويق وعرض منتجه الإعلامي، وعليه الاستفادة أيضًا من خدمات البث المتاحة عبر المنصات، والأجهزة التكنولوجية"، وأشارت إلى أهمية قيام الشباب بتطوير مهاراتهم من خلال مساقات التعلُم المجانية والموارد المتاحة عبر "شبكة الصحفيين الدوليين"، و"أكاديمية أريج"، و"الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية".
المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية
كما تحدثت مجدولين عن أهمية "المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية" الذي عقد لأول مرة عام 2003، وسيعقد هذا العام في الفترة من 19 إلى 22 سبتمبر/أيلول في مدينة جوتنبرغ في السويد، وهو أكبر تجمع دولي للصحفيين الاستقصائيين، ويضم تجارب صحفية من مختلف أنحاء العالم، ويعد فرصة ذهبية لتعلُم أساسيات الصحافة الاستقصائية من قبل خبراء وذلك عبر ورش عمل خلال المؤتمر.