"الإستثمار في مجال الإعلام" أو "تطوير نماذج مبتكرة في المجال الإعلامي"، مفاهيم كانت ولا زالت مصدرًا للنقاش والبحث بشكل دائم، كما أنّ الحديث عن التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية في خلق نماذج اقتصادية جديدة دائمًا ما يتكرر، ولكنّ البحث عن الحلول المبتكرة هو ما يهم أكثر. وهناك العديد من الوسائل والطرق التي يمكن الإستعانة بها لتحسين أداء المؤسسات الإعلامية في خلق موارد دخل جديدة أو لاجتذاب فئات جديدة من الجمهور.
حاولنا البحث عن بعض هذه النماذج في حوار مع الموجّه في برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلاميّة الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحمد عصمت بصفته خبيرًا في مجال ريادة الأعمال في الإعلام، وله تجارب عديدة في المجال، انطلقت منذ سنة 2006 بالمساهمة في إطلاق مبادرات إعلامية سواء محلية بالإسكندرية بمصر أو على مستوى الوطن العربي والتي كان من بينها منتدى الإسكتدرية للإعلام الذي خصّص محوره حول ريادة الأعمال في الإعلام عام 2015.
عصمت قدّم لشبكة الصحفيين الدوليين خلاصة للتجارب التي عايشها والتي استنتج منها أنّ الإستثمار في مجال الإعلام يحتاج لحسّ المغامرة وأنّ للتعلم بالتجربة أهمية كبيرة، خصوصًا وأنه قد بدأ في المجال بوقت لم تتوفّر مراجع كثيرة يمكن الإعتماد عليها. وشدّد على أهمية الإطلاع على التجارب العالمية من أجل البدء من حيث انتهى الآخرون، ولكنه أشار إلى ضرورة إقران فكرة "فكّر عالميًا وطبّق محليًا" بالتفكير محليًا أيضًا لفهم ما يحتاجه الجمهور المحلي، وهو ما قد يتصادف بأن تكون أول من سيخوض هذه التجربة في بلدك، خصوصًا في العالم العربي.
كما ركّز على أهمية أن يكون رائد الأعمال في مجال الإعلام ملمًا بأساسيات ريادة الأعمال، والجمع بينها وبين عالم الصحافة وهو ما قد يتسنى بخوض تجارب تدريبية مثل تجربة التدريب والتوجيه التي يقدّمها مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما يتيح من التشبيك والتعرف إلى التجارب المتنوعة من أجل التعلم وتبادل الخبرات، كذلك تعلم أساسيات مهمة من بينها: التخطيط، دراسة المنافسين، تحليل الجمهور، ودراسة السوق. وارتباطًا بما تقدّم، عرضَ عصمت بعض النماذج لفهم احتياجات السوق مثل ما تشير له الإحصائيات في الحاجة للصوتيات كالبودكاست في ظل الإنتشار الكبير لمنصات تتيح الربح من هذا النوع من المحتوى الذي قد يكون ربحيًا وإخباريًا.
وبالحديث عن الترفيه في مجال الإعلام، أكد عصمت أنّ دور الإعلام لا ينحصر فقط في تقديم المعلومات والأخبار بل يتعداه إلى الترفيه كوسيلة لبث رسائل لبناء المجتمع أولًا ولتحقيق مداخيل مادية للمؤسسات الإعلامية.
ومن الإرشادات التي قدّمها عصمت هي وجوب التفكير العميق في الإستفادة من دمج التكنولوجيا في مجال الإعلام والإمكانيات التي تمنحها وسائل التواصل الإجتماعي والتي تتجدد بشكل مستمر مثل آخر أفكار شركة META في إطلاق مشروع Metaverse والذي ينبأ بثورة في كل المجالات التي تشمل بطبيعة الحال المجال الإعلامي، على المستوى العربي وبرغم الصعوبات التقنية، فقد حدثنا بأنه يتمنى تواجد كيان عربي بتمويل عربي يدعم ريادة الأعمال في مجال الإعلام، خصوصًا لما هو مبتكر ومتجدد مثل صحافة البيانات واستثمار العالم الإفتراضي مثل الـ AR وVR لخلق نماذج إعلامية عربية متفردة.
في المغرب، أغلقت مؤسسات صحفية أبوابها في وجه صحفييها، وتوقفت صحفٌ ورقيّة عن الصدور، بعدما تضررت بشكل كبير خلال فترة الجائحة بسبب تراجع المبيعات وقلة الموارد. في هذا السياق، يقول الاستشاري في التواصل والإعلام، خالد أدنون في مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين إنّ "أزمة قطاع الصحافة وكما خلصت إلى ذلك دراسات وتقارير عدّة، هي أزمة هيكلية أو بنيوية مرتبطة بوجود أو حياة هذا القطاع في حد ذاته".
يفسر ذلك بالقول: "إذا كانت الصحافة قد ارتبطت في فترات زمنية سابقة بالنضال والتحرير وحتى العمل الاجتماعي والإخبار والتثقيف والترفيه، فيجب ألا تنسينا هذه المهام أنها صناعة خاصة أو من نوع مختلف ومنتوجها فكري وثقافي أي رمزي، وبالتالي يجب أن تتوافر لها كل مقومات الإقلاع الاقتصادي والصناعي من خلال بيئة استثمار ملائمة، من نموذج اقتصادي وعنصر بشري مؤهل وإمكانيات مادية والأكثر من ذلك ضرورة اقتناع الفاعل السياسي والاقتصادي والمواطن وحتى العاملين في القطاع بأهمية الصحافة والإعلام وعدم النظر بذلك المنظور التقليدي بل كصناعة كغيرها من الصناعات فاعلة في بناء العقول والأفكار ونمو المجتمعات".
ولمواجهة هذه الأزمة يؤكد أدنون على:
* التفكير في نموذج اقتصادي مبتكر للصناعات الإعلامية.
* توفر عنصر بشري مؤهل.
* خلق مدن لهذه الصناعات والتحول الرقمي.
* التفكير في مجموعات اقتصادية حاضنة لهذه الصناعات.
* ترجمة كل ما تمت الإشارة إليه في قوانين إطار لضمان استمرارية واستقرار هذه الصناعات حتى لا تخضع للمزاج السياسي.
ويتيح التطور التكنولوجي والتحول الرقمي فرصًا ذهبية للمؤسسات الصحفية، من أجل توسيع دائرة القراء والوصول إلى جمهور جديد، إذ أصبح من الضروري أن تواكب غرف الأخبار هذا التحول وتستغله لصالحها، لما يتيح من فرص للإبتكار والتميز، بالإضافة إلى تلبية حاجة المجتمع في الحصول على معلومة موثوقة وبجودة عالية، وبالتالي تحقق أهدافها في الوصول لمصادر جديدة في التمويل.
صحفية "واشنطن بوست" أعلنت في شهر آب/أغسطس من العام 2021، عن إطلاقها مبادرة جديدة باسم "الجيل القادم" بهدف جذب الجمهور الأصغر سنًا وتطوير القصص والموضوعات الموجهة لهذه الفئة. إذ أعدّت الصحيفة فريقًا من المتخصصين للإنكباب على دراسة وفهم عقلية الجماهير الأصغر سنًا وكيف يستهلكون الصحافة، وكيفية تشجيعهم على إقامة علاقات طويلة الأمد مع الصحيفة.
وعن إمكانية إستفادة المؤسسات الصحفية في المنطقة العربية وفي المغرب خصوصًا، من تجربة "الجيل القادم"، يقول أدنون إنّ هذه التجربة هي جزء مهم في بناء الصناعات الإعلامية والصحفية، لكنه ليس الأساس في المرحلة الحالية في النموذج المغربي، شارحًا أنّ "هذا الأمر مرتبط بالخطط الاستراتيجية والتشغيلية للمقاولات الإعلامية في ظل نسق عادي، أما في الحالة المغربية فالوضع استثنائي، لأن القطاع في غرفة الإنعاش، ولهذا فالمدخل الأساسي هو النظرة الاستراتيجية على المديين المتوسط والطويل من خلال سياسة عامة".
ويشدد على أنّ "القيام بدراسات ودراسة حاجيات الجمهور الحالي وتوقع المستقبل مهم جدًا، لكن ليس هو عمق الإشكال في الحالة المغربية في ظل ضبابية الرؤية وعدم وضوحها".
الصورة المستخدمة حاصلة على رخصة الإستخدام المجاني على موقع PEXELES.