دروس من مركز التوجيه: كيف تصيغ مقترح مشروع يمكن تقديمه للجهات المانحة؟

Feb 6, 2023 في استدامة وسائل الإعلام
صورة تعبيرية

باتَ تحدي الاستدامة يشكل هاجسًا لدى الكثير من أصحاب المشاريع والمؤسسات الناشئة في مجال الصحافة والإعلام. لهذا السبب، كان أحد أهم أهدافي أثناء تجربتي مع مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين، هو الإجابة على السؤال الملح: كيف يحقق مشروعي الاستدامة؟

من بين الدروس المهمة التي أتعلمها خلال مشاركتي في برنامج مركز التوجيه، هو فهم طبيعة الجهات المانحة وأهدافها ومتطلباتها الرئيسية جيدًا، ومن ثم الاستعداد المسبق والجيد لهذه المتطلبات قبل التقدم بطلب دعم أو تمويل لمؤسستي الناشئة.

ما لاحظته أيضًا، أنّ معظم الجهات المانحة لا تدعم المؤسسات الإعلامية الناشئة لمجرد أنها طموحة أو واعدة، بل تدعم مشروعًا محددًا تتبناه تلك المؤسسة، له خطة واضحة ونشاطات محددة ونتائج قابلة للقياس، ويساهم في التغلب على تحديات ومشاكل موجودة بالفعل عبر مجموعة من الأهداف الطموحة والواقعية في آن، تلبي جميعًا متطلبات الجهات المانحة والجمهور المستهدف معًا.

من أهم ما ترسخ في ذهني خلال جلساتي المتكررة مع الموجه رمزي تسدل هو أهمية التعامل مع هذه المتطلبات بشكل علمي وعملي معًا، وتحويل هذه المتطلبات إلى أفكار أو محددات على الورق، وصياغتها بشكل مناسب، لتتحول في النهاية إلى خطة مقترحة ومكتملة لمشروع جاذب، يتناسب مع أهداف ومتطلبات معظم الجهات المانحة.

في هذا المقال، أضع خلاصة تجربتي الذاتية مع برنامج مركز التوجيه، في هذا الصدد:

أولًا، تحديد التحديات

تبنى مقترحات المشروعات بالأساس على تحديد التحديات والمشكلات التي يسعى المشروع لحلها أو مواجهتها. من خلال التحديات، سوف تتحدد أهداف المشروع، ومن ثم أنشطته أو منتجاته، وجمهوره المستهدف، وميزانيته، وباقي العناصر المكملة لمقترح المشروع.

بشكل عام، تصف التحديات طبيعة الحاجة إلى مشروعك، وأهميته، وتكشف الحاجة الملحة لتدخل من نوع ما لتغيير الوضع القائم.

لصياغة التحديات بشكل جيد، عليك اتباع الآتي:

-       اكتب في البداية وصفًا موجزًا، للمشكلة أو القضية الرئيسية التي يسعى مشروعك إلى معالجتها، بما في ذلك الخلفية والسياق الذي سيتم فيه تنفيذ المشروع.

-        حدد المشاكل والاحتياجات الفرعية، التي تسعى إلى معالجتها من خلال هذا المشروع، في عدد من النقاط المختصرة.

-       ابدأ من المشاكل والاحتياجات على مستوى البلد أو المنطقة التي يستهدفها مشروعك، ثم على مستوى قطاع الإعلام.

-       من المهم أيضًا توضيح كيف تؤثر هذه المشاكل على مؤسستك الناشئة.

مثال:

-       القضية الرئيسية: انتشار الأخبار المضللة بشأن الصحة العامة وحالات الطوارئ الصحية على نطاق واسع على شبكة الإنترنت.

-       المشاكل والتحديات الفرعية: انتشار الأخبار المضللة بين مستخدمي وسائل التواصل العرب بشأن فيروس كورونا- ندرة المحتوى العلمي المدقق في وسائل الإعلام العربية- قلة أعداد الصحفيين المتخصصين في العلوم وافتقادهم للتدريب والدعم- صعوبة الوصول للخبراء والمتخصصين، وهكذا.

ثانيًا، تحديد الأهداف

بناءً على التحديات والمشاكل، نبدأ في صياغة الأهداف الخاصة بالمشروع، والتي من خلالها نسعى لحل المشكلة أو سد الاحتياج.

يمكن أن نعرّف الهدف بأنه جملة ذكية ومختصرة، تُعطي الجهة المانحة فكرة شبه كاملة عن المشكلة التي من أجلها تخطط لمشروعك وحلها، مع إشارة سريعة للمستفيدين أو الفئات المستهدفة وعددها، وكذلك فترة ومكان تنفيذ المشـروع.

التحديات والأهداف معًا هما قلب المشـروع النابض، وفي حالة عدم صياغتهما بشكل جيد، قد يرفض طلبك أو مقترحك.

-       في البداية حدد الهدف العام لمشروعك، وصيغه بشكل يجيب عن سؤالين: لماذا وجد هذا المشروع؟ ومن المستفيد الرئيس منه؟

-       في العادة يصاغ هدف عام واحد فقط للمشروع وهو الذي يكون معبراً عن الحل للمشكلة الرئيسية المذكورة سلفًا.

-       ابدأ بعدها في صياغة الأهداف الخاصة، التي تنبثق من الهدف العام، وضع في ذهنك أنّ كل تحدٍّ أو مشكلة فرعية يجب أن يقابله هدف أو أكثر، يسعى مشروعك المقترح لتحقيقه.

-       حاول أن تكون محدَدًا عند صياغة الأهداف، وواقعي لأقصى درجة.

-        يجب أن تذكر أهدافًا ملموسة وعملية وقابلة للقياس والتطبيق والتحقيق ومرتبطة بزمن محدد إن أمكن.

-       أفضل صياغة للأهداف هي التي تراعي كل ما سبق، مع الحرص على ربطها بالتحديات واحتياجات المستفيدين من جانب، وشروط وأهداف الجهات المانحة من جانب آخر.

ثالثًا، تحديد الجمهور المستهدف

يُعتبر تحديد الجمهور المستهدف أحد أهم محاور المشروع، والتي على أساسِها نحدد الأنشطة والمنتجات التي تحقق الأهداف وتتغلب على التحديات، وكذلك القنوات والوسائل التي سوف نستخدمها.

الجمهور المستهدف عبارة عن مجموعة من الأفراد، بمثابة عملاء أو قراء محتملين، أكثر عرضة أو تأثرًا بالتحديات والمشاكل التي يسعى مشروعك لمواجهتها.

حدد الآتي:

-       من هم المستفيدون من المشروع؟ من هي الجماعة أو الفئة التي تلبي نشاطاتك احتياجاتها؟

-       ما هو النطاق الجغرافي لمشروعك؟ المنطقة أو الدولة التي تسكنها الفئة المستهدفة.

-       ما هي خصائص هذه الفئة؟ المستوى الاجتماعي، العمر، الجنس، المستوى التعليمي، الحالة الاجتماعية، الاهتمامات، التفضيلات، وغيرها من العناصر.

انتبه: بعد جمع البيانات، سوف يكون عليك إنشاء صورة رمزية مفصلة للجمهور المستهدف، ويمكنك هنا استخدام شخصية المستخدم User persona canvas، لرسم ملامح الشخصية المتخيلة.

رابعًا، تحديد الأنشطة أو المنتجات

يمكن أن نعرف الأنشطة الرئيسية بأنها استراتيجيات التدخل التي سيعتمدها المشروع لتحقيق الأهداف المرجوة، والتغلب على التحديات. لذا لا يجوز أن نحدد الأنشطة أو المنتجات الرئيسية التي يخطط المشروع لتنفيذها قبل تحديد التحديات والأهداف والجمهور المستهدف.

كل هدف من أهدافك الخاصة يجب أن يقابله منتج أو نشاط واحد على الأقل.

مثال:

إذا كان مشروعك يواجه تحديات خاصة بندرة المحتوى الاستقصائي حول قضايا النساء في المنطقة العربية، وهدفك هو زيادة هذا النوع من المحتوى، سيكون أحد منتجاتك أو نشاطاتك في هذه الحالة: إنتاج 20 تحقيق استقصائي يركز على قضايا المرأة في المنطقة العربية خلال عام واحد.

انتبه: عند وصف الأنشطة، يجب أن تحدد مخرجاتها (20 تحقيق) والجمهور المستهدف (المنطقة العربية) والحيز الزمني (عام واحد).

كن مستعدًا: تطلب العديد من الجهات المانحة الإجابة على سؤالين مهمين، كيف ستساهم استراتيجيات التدخل والأنشطة الرئيسية الخاصة بمؤسستك في تحقيق المساواة بين الجنسين؟ وفي تعزيز سلامة الصحفيين؟

خامسًا، تحديد القيمة المضافة للمشروع

تحرص الجهات المانحة على معرفة جوانب التميز في مشروعك، والتي تجعله يحظى بأفضلية لدى الجمهور المستهدف عن المشروعات الأخرى الشبيهة.

هذه الجوانب أو النقاط أو المقترحات تسمى بـ"عرض القيمة المقترحة للمشروع".

يتكون كل عرض للقيمة من مجموعة من المنتجات أو الخدمات أو الخصائص التي تلبي احتياجات الجمهور المستهدف وتميز المشروع عن غيره من التجارب الشبيهة.

صياغة عرض القيمة المقترحة هو نقطة فارقة في إقناع الجهات المانحة بأهمية مشروعك.

ستساعدك هذه النقاط في تحديد عرض القيمة الخاص بك:

-       يجب صياغته بشكل مقنع واحترافي، يبرز أهمية منتجك وكيف سيضيف قيمة أكبر أو يحلّ مشكلة بالنسبة للجمهور المستهدف بشكل أفضل من العروض الأخرى المماثلة.

-       يجب صياغته بشكل واضح ومحدد. بمعنى أنه يجب عليك أن تُحدد ما هي الفوائد المحددة التي سيحصل عليها جمهورك من أنشطتك ومنتجاتك.

-       يجب أن يُبرز الطريقة التي سيُصلح بها منتجك مشكلة ما يعاني منها الجمهور المستهدف.

-       يجب أن يشمل عناصر حصرية، لا يجدها الجمهور المستهدف في مشروعات أخرى.

سادسًا، الميزانية

تعدّ ميزانية المشروع المفصلة واحدة من أهم العناصر المطلوبة من الجهات المانحة، لذا من المهم الاستعداد بنموذج مفصل لميزانية المشروع قبل تقديم طلبات المنح.

في البداية، اسأل نفسك، كم سيكلفك تحقيق كل نشاط أو عنصر في هذا المشروع؟

ما هي أوجه الإنفاق المحتملة ليخرج هذا النشاط أو المنتج في أفضل صورة ممكنة؟

مثلًا:

 تتضمن أنشطتك إنتاج حلقة بودكاست أسبوعية، إذًا حدد بالأرقام:

-       أجور جميع العاملين على إنتاج البودكاست "محرر، مقدم، موسيقى، باحث، مكساج، إلخ".

-       تكلفة الاستشارات الخارجية من خبراء أو مشرفين.

-       تكلفة تأجير مساحة أو استوديو للتسجيل 4 مرات بالشهر.

-       تكلفة شراء أو تأجير معدات "ميكروفون، برامج، تطبيقات، إلخ".

بعد ذلك، قم بتضمين كل عنصر من هذه العناصر في الخانة المخصصة له في الميزانية.

ضع قيمة الأجور تحت بند الرواتب Salaries، وضع تكلفة تأجير استوديو تحت بند المساحة المكتبية والمرافق Office Space and Utilities، ضع أجر الاستشارات تحت بند الاستشارات والخدمات Consultancies and Services، وهكذا.

كرر الأمر مع كل منتج أو نشاط في قائمة أنشطتك، وتأكد من تحديد كافة القيم المادية لكل العناصر التي تحتاجها ليخرج المنتج للجمهور في شكله النهائي.

بعد ذلك، حدد التكاليف العامة الأخرى والتي لا ترتبط بالمنتجات بشكل مباشر، مثل إيجار مقر للشركة أو لإدارة المشروع، وتكلفة الاتصالات والإنترنت، وتكلفة التدريب والضرائب، إلخ. ثم ضع كل قيمة تحت البند المخصص لها في الميزانية.

نصيحة: كن واقعيًا فيما يخص القيمة المادية لكل بند من بنود الميزانية، يجب أن تكون مبررة ومنطقية.

سابعًا، نتائج المشروع

تعدّ نتائج المشروع جزءًا لا يتجزأ من أي طلب منحة أو دعم، وتشترط جميع الجهات المانحة ذكرها بوضوح في استمارات التقديم.

يقصد بنتائج المشروع التغييرات والحصائل المتوقَّعة لمشروعك، والتي ستثبت من خلالها أن أهداف المشروع قد تحققت.

تتألف نتائج المشروع من نتيجة عامة (على المدى الطويل)، ونتيجة أو أكثر على المدى القصير.

النتائج قصيرة المدى هي التغييرات المباشرة التي تريد تحقيقها على المدى القصير، في حين أنّ النتيجة العامة هي عبارة عن تغيير أكبر أو أشمل على المدى الطويل يساهم به المشروع بدلاً من إحداثه بمفرده.

يجب أن تكون النتائج المتوقعة:

-       شاملة: تغطي جميع الأهداف المذكورة، فكل هدف لا بد أن يساهم في تحقيق نتيجة أو أكثر، كذلك كل نتيجة قد تكون نتاج تحقيق هدف أو أكثر.

-       قابلة للقياس: أن تتضمن المؤشرات الكفيلة بقياسها، والتي من خلالها يمكن الحكم بوضوح هل حققتم الأهداف والنتائج المرجوّة أم لا، ويجب أن تكون المؤشرات ذكية، أي أنها: محددة، قابلة للقياس، يمكن تحقيقها، ذات صلة ولها إطار زمني محدد.

-       مرتبطة بالأنشطة: أن تكون ذات صلة بالأنشطة بالمذكورة.

-       خاضعة للتقييم: صف آلية مراقبة تنفيذ المشروع وتقييم نتائجه وحدد الأدوات والأحداث التي تنوي استخدامها لقياس النتائج.

ثامنًا، المخاطر

تحرص أي جهة مانحة على معرفة نوعية المخاطر التي قد تواجه المشروعات المقدمة إليها، وأن تتعرف على آليات وأفكار وقدرات العاملين على المشروع للتغلب على هذه المخاطر المحتملة.

يقصد بالمخاطر هنا، أي تهديد أو تأثير سلبي قد يواجه المشروع ككل، سواء على تنفيذ الأنشطة، أو على الأفراد العاملين به، أو على النتائج المتوقعة للمشروع.

حاول الإجابة على الأسئلة التالية، ثم صغ ما توصلت إليه في نقاط واضحة:

-       هل هناك أي مخاطر قد تواجه تنفيذ الأنشطة في إطار المشروع؟

-       ما هي المخاطر الرئيسية التي قد تؤثر على نتائج المشروع؟

-       ماذا ستفعل للتقليل من تلك المخاطر؟

تاسعًا، القدرات

تكمن أهمية تحديد قدراتك على تنفيذ المشروع المقترح في كسب ثقة الجهات المانحة، ما ينعكس بشكل إيجابي على طلبك من ناحية القبول أو الرفض.

لذا من المهم ذكر العناصر التالية في مقترح المشروع:

-       ما هو حجم مؤسستك أو فريقك؟ "عدد الأعضاء، عدد العاملين والموظفين، عدد المتطوعين والمشاركين".

-       هل لديك مقر ثابت أو مكان تجتمع فيه بأعضاء المؤسسة؟

-       هل سبق ونفذت أي أنشطة سابقة أخرى؟ "نبذة مختصرة عن أبرز أنشطتك السابقة، ونتائجها والإنجازات التي حققتها".

-       ما هي الخبرة السابقة التي تمتلكها للعمل على القضايا ذات الصلة بهذا المشروع؟

-       كيف ساهمت النتائج السابقة في إعداد المقترح الحالي من حيث التعلم والتحليل التنظيمي من التجارب السابقة؟

-       هل تلقيت دعمًا أو تمويلًا سابقًا؟ "اذكر الجهات المانحة، وحجم التمويلات التي حصلت عليها، ومدة المشاريع التي نفذتها".

-       لماذا تعتقد أن لديك القدرة على تنفيذه؟ "مؤهلات القادة أو الموظفين، الإنجازات، إشادات خارجية". 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام بواسطة مايا ماسيكا.