خطوات أساسيّة لإنتاج "بودكاست" استقصائي

Dec 1, 2021 في الصحافة متعددة الوسائط
صورة

بحضور أكثر من 320 صحفي وصحفية، أقامت شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) بالتعاون مع الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية GIJN جلسة تدريبية بعنوان "كيف تنتج بودكاست استقصائيًا؟"، قدّمت فيها المدربة ومنتجة التحقيقات الاستقصائية سوزان ريبر خلاصة لخطوات ومراحل إنتاج بودكاست استقصائي.

وبدأت ريبر بعرض ملخص حول تطوّر البودكاست في العالم، إذ أصبح نصف سكان الولايات المتحدة الأميركية يستمعون إليه بشكل منتظم، وتزداد نسبة استماعه بشكل لافت بحسب تقرير يصدر كل 6 أشهر، موضحةً أنّ هذا النوع من التدوين الصوتي ينمو في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بشكل كبير ويمكن للصحفي والباحث في مجال الإعلام أن يلمس ذلك إلا أنه لا توجد أرقام حقيقية وواضحة عن هذا النمو وخاصةً في منطقتنا العربية.

ثم انتقلت المدربة إلى الأسباب التي جعلت من البودكاست ينتشر بسرعة، وذكرت منها أنه سهل التناول وقريب من الجمهور حيث أنك تستطيع تصفح ما تشاء من البرامج الصوتية بواسطة هاتفك المحمول وفي أي وقت تريد، كما أنه يسمح للصحفي بأن يبني علاقة مع المستمعين الذين يصبحون أوفياء له ولما يقدّمه.

وما يميّز البودكاست الاستقصائي هو أنه يسمح للمستمع بأن يكون جزءًا من القصة إذ أننا كصحفيين يجب أن نربط المستمع بما وراء القصة وبالأشخاص الحقيقيين الذين يشكلون أجزاء القصة أو السلسلة الصوتية التي شبهتها بالفيلم الصوتي المبني بطريقة سردية والذي يكون وراءه تقرير استقصائي، إذ أننا يجب أن ننقل المستمع إلى عالم الأحداث ونجعله يتفاعل معنا بشكل تلقائي وغير متكلف.

وركزت المدربة في هذا الجزء على أمرين مهمين يجب أن ننتبه لهما حين نفكر في إنتاج بودكاست استقصائي وهما:

- التلقائية: حيث أنها تسمح بنقل الأحداث وسردها بطريقة عفوية تخلو من المقدمات الطويلة، بل نحاول سرد القصة بطريقة تدريجية ومتسلسلة.

-المفاجأة: حيث أنّ عنصر المفاجأة من أهم ما يحمله البودكاست الاستقصائي الذي يسمح لنا بمفاجأة المستمع وهذا غير موجود في البرامج الإخبارية بسبب وجود العنوان، لكننا في البودكاست ننقل المعلومات بطريقة انسيابية ونحتفظ ببعض المعلومات حتى يأتي وقتها المناسب ليبقى المستمع متفاعلاً معنا ومنصتاً ينتظر الأحداث القادمة وهذا يحقق عنصر المفاجأة.

تطرّقت المدربة ومنتجة البودكاست الاستقصائي أيضًا إلى أسئلة يجب أن نفكر فيها حين نبدأ بإنتاج هذا النوع من التدوين وهي: لماذا سأنتج هذا البودكاست، ما هي الأسئلة التي أحاول الإجابة عليها وكيف سأجعل الناس يهتمون بما أنتجه، ما الذي يعنيهم أو يؤثر عليهم ومن هي الشخصيات التي أريد التركيز عليها ولماذا؟

إذ أننا لا يجب أن نكون نحن الأبطال بل يجب أن نبحث عن المتضررين أو الضحايا في قضية معينة والذين أحدثوا تغييراً على الأرض ليكونوا هم أبطال قصتنا الحقيقيين، وعلينا أن نفكر كثيراً في هؤلاء الأبطال وهل سيكونون قادرين على الحديث، ونقل ما حصل لهم.

وليكون الأمر واضحاً أكثر، ضربت المدربة مثالاً حياً وتحدثت عن سلسلة podcast Verified التي تتكوّن من 3 مواسم تم التركيز في الموسم الأول على موضوع العنف الذي تتعرض له النساء في المنزل، وتطرقت إلى الظروف التي رافقت إنتاج وعرض هذه السلسلة في شباط/فبراير 2020 مع بداية الجائحة العالمية.

أما الموسم الثاني من Verified فتحدث عن تأثير بودرة الأطفال التابعة لإحدى الشركات العالمية المعروفة على آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة وأصبحت هذه القضية قضية رأي عام في الولايات المتحدة، ونصحت بمتابعة هذا الموسم والاطلاع على خفاياه الملهمة والتي قد تجعلنا نفكر في أمور موجودة في بلداننا وتحتاج إلى تحرٍّ واستقصاء.

أما في الموسم الثالث، فتمحورت سلسلة حلقات البودكاست حول التطرف والعنصرية ضد ذوي البشرة الملوّنة، وكشف مجموعة من الوقائع والأحداث المتصلة بهذه القضية في الولايات المتحدة.

وفي مرحلة الإنتاج وإجراء المقابلات، ركزت المدربة على التفكير بالجمهور إذ أننا أحياناً نهتم بالوثائق والبيانات وننسى التفكير بمستمعينا، كيف سيتفاعلون معنا، كيف سنربطهم بالشخصيات الأساسية في قصتنا، كيف سنجعلهم يبنون علاقة وثيقة مع مختلف أجزاء القصة، ما المشاعر التي يشعرون بها وهذا كله يأتي بهدف المحافظة على هذا الجمهور حتى نهاية القصة.

كما تحدّثت عن إجراء المقابلات وقالت: "علينا أن نختار الأشخاص الذين سنقابلهم وما نوع تلك المقابلات التي سنجريها معهم"، مضيفةً أنّه "من المهم أن نفكر من الشخصية الأساسية وما دور الشخصيات الأخرى إذا كانت شخصيتنا الأساسية هي الضحية، وعلينا أن لا نطلب من تلك الشخصيات أموراً صعبة، إنما يجب علينا أن نكون مستمعين باهتمام لنسخة هؤلاء الأشخاص من رواية القصة ووجهات نظرهم ثم ندوّن ملاحظاتنا ونحاول أن نسأل الأسئلة الكافية والتي تعود بالأحداث إلى الوراء وتجعلنا نعرف خلفية القضية، ومن واجبنا كصحفيين التأكد من كل المصادر والتحقق من كل الوقائع بعد الاستماع لكل الأطراف".

وعرّجت المدربة إلى أهمية أن نستمع بأذن المتلقي ونحاول فهم مشاعره ونرتّب القصة بطريقة منطقية ومترابطة، بحيث تتطور القصة وصولاً إلى الذروة. أمّا الحل كما تقول فإنه ليس بأيدينا دائماً إنما يكون في الكثير من الأحيان بالتغيير الذي أحدثه بطل قصتنا أو في وصول القضية إلى المحاكمة وانتظار الحكم. وتقول: "علينا ألا ننتظر دائمًا نهاية جميلة أو مأساوية لكلّ القصص الاستقصائية التي ننتجها إذ كيف لنا أن ننتظر ذلك والقضية التي نحقق فيها لم تنتهِ أصلاً، وهذا يفرض علينا أمراً مهماً وهو عمل الخارطة الذهنية أو البصرية لقصتنا وترتيب المشاهد بشكل متسلسل كما في الفيديو، ويجب أن نمضي وقتاً أطول في التفكير في البداية والنهاية للسلسلة ولكل حلقة، وكيف سنجعل المستمع ينتظر كل حلقة بشوق".

وتؤكد على النقطة التي سنلتقط بها الجمهور ونجذبه إلى الاستماع لقصتنا، إذ أنها تمثل الطريقة التي سنأخذه معنا وننقله إلى عالم الأحداث ونحافظ عليه حتى النهاية وشبهتها برأس السنارة التي يلتقط بها الصياد السمكة حيث أنه ينتظر اللحظة المناسبة لالتقاطها.

الجدير ذكره أنّ المدربة تحدثت عن إخفاء هوية الأشخاص وقالت: "إذا كان لدينا شخصية مهمة لكنها ترفض ظهور صوتها فإنه يمكن استبدال صوتها بصوت ممثل آخر على أن يكون صوتها الفعلي موجوداً معنا، كما أنّ علينا أن نكون صادقين مع جمهورنا ونخبرهم بالسبب الذي جعلنا نلجأ إلى إخفاء صوت الشخصية الحقيقي وهو حمايتها من الخطر، ويجب ألا يكون هذا بشكل متكرر لكي لا نفقد ثقة الجمهور كما أنه من المهم أن يكون هناك نقاش وقرار إداري قبل اللجوء إلى هذا الأمر".

ولفتت المدربة إلى التسجيل المخفي الذي قد نضطر لعمله للكشف عن أمر معين، وهذا حسب قولها يشبه التصوير المخفي لكنه قد يكون أسهل ويجب علينا قبل عمل ذلك أن نتأكد إذا ما كان هذا الأمر أخلاقياً ومقنعاً.

وختمت بتأكيدها أنّ أسئلتنا يجب أن تكون مفتوحة النهاية ولا تكون إجابتها نعم أو لا، كما أكدت أننا يجب ألا نعرّف الشخصيات بأسوأ ما حدث لها، إنما سيكون من الأفضل أن نبدأ بسرد ما يمكن أن يشجع المستمع على الاستماع إلينا وهي الأحداث التي تعطيه الأمل وبأن الحياة كانت طبيعية قبل أن ننتقل إلى الأحداث التي من المتوقع أن تكون مأساوية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة لاري جورج.