عُقدت جلسة متخصصة في تدقيق المعلومات وكيفية عمل غرف الأخبار وتأثير انتشار الأخبار المضللة على الرأي العام وكيفية استعادة ثقة الجمهور، خلال منتدى مصر للإعلام الذي أقيم في القاهرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتحدث فيها ديفين ويندلسبشت، مدير التحرير في شبكة الصحفيين الدوليين ومحمد الحمادي، رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية، ومحمد سعيد محفوظ، رئيس مركز تدريب القنوات الإخبارية في "المتحدة للخدمات الإعلامية"، وأدارت الجلسة المذيعة المصرية دينا عبد الكريم.
استهلّت دينا الجلسة بسؤال محفوظ عن الهواة والمحترفين الذين يمارسون الإعلام وكيف يمكن التفريق بينهم. فأجاب أنّ "المحترف في عالم الأخبار هو من يلتزم بالسياسة التحريرية، ومعايير الجودة الصحفية، وأخلاقيات المهنة إضافةً إلى جودة المحتوى المقدم".
وانتقلت إلى الحمادي الذي سألته عن مدى صحة الاعتقاد الشائع بأنّ مصدر الخبر هو المسؤول عن دقته، فأجاب أنّ اهتمام الإعلام منذ سنوات كان منصبًا على كيفية إيصال الخبر ونشره، لكنّ المعادلة اختلفت اليوم وأصبح التحدي الحقيقي يكمن بكيفية إيقاف الخبر الكاذب، لا سيما مع وجود كم هائل من البيانات التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي، مضيفًا أنّه يتمّ نشر 500 ساعة فيديو في الدقيقة الواحدة على "يوتيوب"، متسائلًا عن عدد المعلومات الصحيحة في هذه الفيديوهات، ونسبة المعلومات الدقيقة في هذا المحتوى.
وسألت عبدالكريم مدير التحرير في شبكة الصحفيين الدوليين عن تدقيق المعلومات في الولايات المتحدة والمؤسسات الكبرى وإذا كانت كل غرفة أخبار تضمّ وحدة لتقصي المعلومات والتحقق من صحتها. فأجاب ويندلسبشت أنّ وحدات التدقيق موجودة في المؤسسات الإعلامية الكبيرة في الولايات المتحدة، لكنّ الكثير من غرف الأخبار والمؤسسات الصغيرة لم تنشئ وحدة خاصة وتعتمد على مدققين مستقلين، وأضاف أنّ "المستقبل ليس فقط تجاه وجود هذه الوحدات في غرف الأخبار بل بتشبيكها معًا وتدريبها على أحدث وسائل التكنولوجيا وكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي".
ثمّ انتقلت مديرة الجلسة إلى سؤال عن مدى ضرورة وجود طرف ثالث، أي مدقق خارج المؤسسة، فأجاب محفوظ شارحًا دور وكالات الأنباء كمصدر من مصادر الأخبار، ولكن للاعتماد عليها يجب طرح أسئلة عن معايير الدقة، التي تتحقق من خلال التأكد من مصدرين مستقلين، كل منهما يؤكد المعلومة، وإذا لم يتسنَّ للصحفي ذلك يجب أن يبحث عن الخبر نفسه في وكالة أخرى.
أما الحمادي، فرأى أنّ مدققي المعلومات المستقلين هم طرف مساعد في عملية التحقق من الأخبار في المؤسسة، مؤكدًا أنّ المؤسسات الكبيرة يجب أن تقوم بالتحقق من المعلومات بنفسها، ويتأكد رئيس التحرير أنّ كل خبر له مصدر موثوق، مضيفًا أنّ "التحدي هنا هو وجود جهات تعمل على نشر الخبر الكاذب، كما أنه من السهل أن يتحول خبر غير مدقق إلى معلومة والمعلومة إلى حقيقة وبالتالي يصعب نفيها".
وهنا علّق ديفين على كيفية استعادة الثقة بعد نشر المؤسسات أي خبر كاذب، من خلال القدرة على الوقوف للعلن والاعتراف والاعتذار للجمهور أننا كنا على خطأ.
الصورة بعدسة لينة الشريف.
وخلال حديثها عن تأثير الذكاء الاصطناعي على تدقيق المعلومات، وجهت عبدالكريم سؤالًا لـمحفوظ إذا ما كانت عملية التدقيق والتحقق من المعلومات أسهل في وجود الذكاء الاصطناعي، فردّ قائلًا إنّ "المؤسسات الكبيرة استعانت بالذكاء الاصطناعي في صناعة القصص البسيطة، بهدف منح الوقت للصحفيين للعمل على قصص أهم، لكن لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تدقيق الأخبار بشكل آلي فهذه هي المهمة التي يجب أن يقوم بها إنسان".
وأضاف ديفين: "بسبب كثرة المعلومات، يمكن أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي في تصحيح السرد، لكنه لن يساعدنا على التحقق بشكل خاص من كل معلومة على حدة".
أما الحمادي فيرى أنه علينا أن نكون حذرين عند استخدام الذكاء الاصطناعي، لا سيما أنّ مدخل هذه البيانات هو من يتحكم بطريقة استخدامها ولا يكون هناك حياد.
تأثير الأخبار المضللة على الرأي العام
ويستكمل الحمادي أنّ جزءًا من المشكلة في الأخبار غير المدققة هو أنها تؤثر على تحرك الرأي العام، وينصح الحمادي الأفراد بالتحقق قبل مشاهدة أي خبر وعدم مشاركة الأخبار إلا من مصدر معروف، ولفت إلى أنّه على المؤسسات إيجاد آلية لنشر الخبر بالتزامن مع نشره في التلفزيون.
كما شدّد محفوظ على ضرورة التشكيك في المصدر وعدم الثقة في المصدر الذي يطلب مقابلًا ماديًا، بجانب البحث في دوافعه.
استعادة الثقة في الإعلام التقليدي
واختتمت الجلسة بالحديث عن كيفية استعادة الثقة في الإعلام التقليدي الذي كان الأساس لسنوات طويلة، ونصح محفوظ بضرورة توحيد المصادر الرسمية، وتجنب الروايات المتناقضة، حتى لو كانت ستقود إلى سبق، مشددًا على الدقة على حساب السبق، ولكي تكتمل دقة الخبر يجب أن نجيب على كل الأسئلة (متى، أين، كيف، لماذا، وماذا)، وإن لم نجِب عليها كلها، علينا أن نضيف مصدرًا ليقدّم المزيد من المعلومات إلى الخبر، بينما أضاف الحمادي أنّ "الثقة مثل الحبل السري بين المؤسسة والجمهور، التي يجب على المؤسسات أن تهتم بها".
وشدّد ديفين أنّه من المهم أن نتعامل مع الجمهور على أننا نراهم ونسمعهم ونعمل معهم، ولا يكونوا مقصيين عن المشهد كله.
تدقيق الأخبار قبل النشر
من جهتها، عرّفت مها صلاح الدين، رئيسة قسم صحافة البيانات في المصري اليوم، في ورشة أخرى في المنتدى بعنوان "تدقيق المعلومات في غرف الأخبار" عملية التحقق من المعلومات بأنها "التحقق من المعلومات وتقصي الوقائع للتأكد من صحتها، حيث يستخدم مدققو المعلومات منهجيات وأدوات محددة لتحليل الأخبار أو الادعاءات وتقييمها على أنها صحيحة أو خاطئة، من خلال توفير السياق والمعلومات والمصادر الأساسية".
وأكدت أنّ تدقيق الأخبار الصحفية قبل النشر بهدف تأكيدها 100% يعتبر ضمن ممارسات الصحافة الجيدة، ويعزز ثقافة نشر الأخبار المسؤولة والشفافة ويقلص إمكانية انتشار أخبار كاذبة أو مضللة.
كما أشارت إلى أنه عند التدقيق يجب التركيز على تدقيق الوقائع والقوانين والأسماء والأرقام وانتزاع المعلومات من سياقها، بينما لا يمكننا تدقيق الوقائع والأحكام الذاتية والآراء والتوقعات.
وشددت على أنّ مدقق المعلومات يجب أن يتسم ببعض الصفات منها أن يكون مشككًا دائمًا ومتحررًا من التحيز بالإضافة إلى امتلاكه لأدوات التحقق والقدرة على ربط المعلومات.
الصورتان بعدسة وفاء خيري.