كتبت أمل المكّي وهي مشاركة في الدورة السابعة من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لشبكة الصحفيين الدوليين:
كان العالم "قرية صغيرة" حتّى حلّت جائحة كوفيد 19 لتعيد تقييد الحركة ورسم الحدود بين الدّول. وبقدر ما عسّر هذا التقييد مهمّة الصحفيين مانعًا إيّاهم من السفر، فإنه أظهر أهمية التعاون بين الصحفيين والصحفيات حول العالم حتى يتمكّنوا من سرد القصص من دون الحاجة بالضرورة إلى التنقل.
وكما سهّلت الطفرة التكنولوجية التي ربطت العالم بعضه ببعض على الفاسدين ومرتكبي الجرائم بأنواعها عمليات تحويل الأموال أو نقل الأسلحة وحتى الإفلات من العقاب، فإنّها ساعدت بالمثل الصحفيين على كشف عمليات الفساد وإنجاز التحقيقات الاستقصائية عبر التعاون بين المؤسسات والصحفيين في دول مختلفة حول العالم.
مثّل هذا التعاون موضوع جلسة بعنوان "لماذا التحقيقات العابرة للحدود؟" حضرها 200 صحفي/ة على منصّة زوومZoom وحوالي 400 آخرين على منصّة Onvent، وذلك ضمن فعاليات ملتقى شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) الثالث عشر والرقمي الأوّل . وضمّت الجلسة التي أدارتها الصحفية الأريجية سجا مرتضى أربعة خبراء إعلام من الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، الّذين تحدّثوا عن أهمية التحقيقات العابرة للحدود، والفرص المتاحة لتذليل العقبات التي تواجه الصحفيين.
وخلال مداخلته الافتتاحية، تحدّث آندرو ليرين، كبير المحرّرين بقناة NBC News عن شعوره بالسعادة لمشاركته سابقاً في عدد من القصص العابرة للحدود، على غرار التحقيقات التي أنجزها لنيويوك تايمز في علاقة بـ"وثائق تشيلسي" (سجلاّت الحرب) والتي كشفت مقتل الكثير من المدنيين في أفغانستان والعراق. "تلك الوثائق أعطتنا الكثير من المعلومات حول ما يحدث في العالم والشرق الأوسط بطريقة لم نرها من قبل".
وواصل ليرين: "وبعد ذلك كانت هناك "ملفّات سنودان" والتي كشفت كيف يعمل الجواسيس في جمع المعلومات حول العالم. والتي بفضلها تمكّن الصحفيون لأول مرة من رؤية عمق هذه المعلومات من خلال تشاركها بطريقة تعاونية عبر الحدود بشكل أكبر مما يمكن لصحفي بمفرده أن يقوم به"، مستطردا "أنظروا إلى أين وصلت أريج الآن والتحقيقات الاستقصائية التي عملت عليها والتي كنت محظوظا بالعمل على بعضها على غرار كيف يتم تهريب الأسلحة من الولايات المتّحدة إلى سوريا. وكذلك المشاريع التي تعلّقت بالاتّحاد الدّولي للصحفيين الاستقصائيين حيث رأينا كيف يتمّ نقل الأدوية من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وكيف يتم استخدامها هناك. ثمّ كانت "ملفّات فنسن" والتي سمحت لنا بمعرفة كيف يتم غسيل الأموال حول العالم لتصبّ في البنوك بالولايات المتحدّة الأمريكية".
الصحفي الاستقصائي أندرو ليرين شدّد على أنّ "كل هذه التحقيقات ما كانت لتكون ممكنة لولا التعاون مع الصحفيين حول العالم"، مبيّنا أنّ "كلّ مهار بالنسبة للصحفي المحلي يمكن أن تكون مفيدة. وهنا لا أتحدّث فقط عن المهارات اللغوية ولكن أيضا عن الدراية بالمشهد الاستقصائي وكيف يقوم الصحفيون الاستقصائيون بالبحث وجمع المعلومات عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وكذلك فهم ما تقوله الوثائق وكيف يمكن الحصول عليها عبر مساعدة بعضنا البعض".
ياسومي سوا هو أستاذ بقسم الصحافة في جامعة Senshu بالعاصمة اليابانية طوكيو. وخلال عرضه في الجلسة، بيّن أنّ "المشاريع التعاونية في الصحافة الاستقصائية يمكن أن تذهب في اتجاهات متنوعة وأنه لا يوجد حدود للمواضيع العابرة للحدود"، "موضّحا بالقول "نحن نعمل مع منظمات متعددة القوميات إذا نحن نريد لهذه القوميات أن تفهم هذه القصص، ومن المهمّ بالنسبة لنا أن يشارك الكثير من الأشخاص المحلّيين في سردها".
وقصّ سوا تجربته الشخصية مع عالم التحقيقات العابرة للحدود قائلا "بدأ كلّ شيء عندما جاءتني رسالة إلكترونية من عند تشيلاّ (تشيّلا أليتشي، صحفية وعضوة الاتّحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" تقول لي فيها بأن هناك مقترحا لتحقيق ولكنها لا يمكنها أن تخبرني ماهيّته بالضبط. وسألتني سؤالا واحدا: هل تودّ أن تنضمّ إلينا؟ فقلت لها نعم طبعًا".
وعن ردّه ذاك، قال ياسومي سوا إنّ السؤال "كان سؤالا صعبا ولكن أنا كصحفي كان أمامي خياران إما أن أجيب بـ'نعم' أو بـ'نعم'. وكانت هذه البداية لمشروع 'وثائق باناما' الذي مثّل لي فرصة بأن أنجز تحقيقا عابرا للحدود لنربط طوكيو بباريس!"
وعن التحقيقات العابرة للحدود في زمن الجائحة، ضربت فابيولا توريس، مؤسّسة ومديرة موقع Salud Con Lupa مثلا منصّتها الرقمية التي أسّستها قبيل تفشّي الجائحة. وكانت توريس قد نجحت مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وبفضل خبرة الصحفيين المتعاونين في أمريكا اللاتينية، في إنجاز قصص عابرة للحدود حول الفساد والأنظمة الصحية المتردّية.
وعندما استجدّت الجائحة في أمريكا اللاتينية قرّرت توريس أن تعمل على مشاريع تعاونية كبيرة، مبيّنة أنّه "في بداية الجائحة كان لدينا نوع من عدم اليقين ونقص في المعلومات وتقييد على حركتنا. ومع ذلك حققنا في حالة الطوارئ وطريقة إنفاق الأموال في ظلّها، وأنجزنا قصصا عن استخدام القوّة والإفراط في استخدامها، وعن كيفية التعامل مع المشاكل في ظلّ الجائحة خاصّة في مجال الصناعة الطبية."
وبفضل التعاون بين صحفيين ومؤسسات من دول مختلفة، نجحت صاحبة منصّة "الصحّة بالعدسة المكبّرة" في "فهم كيف نتتبّع الأموال في حالة الطوارئ، وحصلنا على كثير من قواعد البيانات. كما حاولنا أن ننجز تقريرا، يعمل عليه عشرة صحفيين، لنبيّن أين هي الشركات التي تتعامل في هذا السوّق من ناحية الأسعار والجودة والشهادات المعتمدة لكشف أي نوع من الفساد القائم".
من جهته، قال مارك لي هانتر الشريك المؤّسس لمبادرة Story-Based Inquiry إنّ العمل على التحقيقات العابرة للحدود يعتمد على مهارات الصحفي في تحليله للبيانات والمعلومات وربطها مع القضايا المتعلّقة بالقضية التي يستقصي عنها في الدول الأخرى. ووضّح أنه لا يوجد حدّ للقصص أو المواضيع التي يمكن أن تنجز بشكل عابر للحدود، قائلا "أعداؤنا يعملون بشكل عابر للحدود ، لذلك فنحن نحتاج إلى تحالفات دولية لفهم طريقة عملهم. وهناك مكان دائما لهكذا تعاون".
وقدّم هانتر نصائح للصحفيين/ات الراغبين/ات في العمل على تحقيقات عابرة للحدود:
-لا تحتاج أن تكون عضوا في منظمة أو مؤسسة ما.
- كلّ ما تحتاجه لتبدأ هو فكرة واضحة عمّا ترغب في العمل عليه
-حدّد مجالا غير مستهلك كثيرا وليس هناك من يعمل فيه بالفعل. تحتاج العمل على موضوع لم ينجز من قبل لتفتكّ مكانك
-عليك أن تختار فريقا من الأشخاص الذين تثق بهم
-عيّن مديرا للمشروع، ومديرا للشؤون التكنولوجية، ومديرا للتحرير حتى تبقي عملك منظّما
-ضع مجموعة قواعد للعمل ضمن الفريق.
وعن المواضيع التي يجب التركيز عليها ما بعد جائحة كوفيد 19، قال ياسومي سوا إنّه يجب الاشتغال على تضييق حكومات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي ومحاولات أطراف عديدة إسكات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان ومهاجتهما لهم على الإنترنت وفي السويشل ميديا. وبيّن أنه لا يمكن إنكار وجود جهات خارجية تتعاون مع هذا الأطراف من أجل التأثير على الرأي العامّ، الأمر الذي يجعل التعاون بين الصحفيين لكشفه أمرا بالغ الأهمية.
وفي ذات السياق، قالت فابيولا توريس إنّ كثيرا من المواضيع التي نعتقد أنها محلية هي ليست كذلك في واقع الأمر، شارحة أنّه من الضروري أن تركّز التحقيقات الاستقصائية على تداعيات الوباء على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأوضاع الصحية ومشاكل السكّان المحليين والأقليات والفئات الهشّة. إذ "سيمكّننا العمل بشكل تعاوني على هذه المواضيع من فهمها بشكل أكبر وتبيان أهميّتها في ظلّ الجائحة" حسب تعبيرها.
وردّا على سؤال إحدى الحاضرات حول طرق وصول غرف الأخبار الصغيرة إلى فرص المشاريع الاستقصائية الكبرى، أجاب مارك لي هانتر بأنّه على الصحفيين العاملين فيها أن يشاركوا في المؤتمرات ويلتقوا بالصحفيين الآخرين، ويكونوا على دراية جيّدة بالمنطقة وبالعاملين في المنظمات غير الحكومية أو المدعومة حكوميا فيها. كما يتوجّب عليهم الوصول إلى السجلاّت والتحقق منها بعد تحديد الشخص الذي يمكن الوثوق به. وأشار إلى أنّنا كصحفيين ما زلنا في مرحلة التعلّم، ولكنّنا نتعلّم بسرعة والاجتهاد أمر مهمّ جدّا في هذا الصّدد.
وأخيرًا، خلص هانتر إلى ضرورة إيجاد مديري مشاريع لقصص تعاونية عابرة للحدود راجيا أن تأخذ أريج بزمام المبادرة التي من شأنها أن تقدّم خدمة للصحافة العربية والعالمية وفق تعبيره.
الصور من جلسة بعنوان "لماذا التحقيقات العابرة للحدود؟" ضمن ملتقى أريج الرقمي الأول