في كلّ عام، ينشر معهد رويترز لدراسة الصحافة (RISJ) تنبؤاته حول اتجاهات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا في العام الجديد، وذلك استنادًا إلى مقابلات مع قادة صناعة الأخبار في العالم.
في تقريره هذا العام، المكوّن من 48 صفحة، استطلع معهد رويترز آراء 246 من قادة الأخبار من 52 دولة أو إقليم، للوصول إلى الاتجاهات التي يجب أن ينتبه إليها الناشرون والعاملون بالصناعة في 2022.
في هذا المقال، تقدّم شبكة الصحفيين الدوليين أبرز النقاط التي شملها التقرير والتي ترسم ملامح الصحافة والإعلام في العام الجديد.
الاشتراكات والعضويات هي الأولوية
على الرغم من انخفاض استهلاك الأخبار في عام 2021 في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فإنّ غالبية الناشرين الذين شملهم الاستطلاع من قبل رويترز "73 في المئة" متفائلون بشأن الوضع في عام 2022. ويعود السبب الأساسي إلى أنّ الصحفيين أصبحوا يشعرون بأنّ عملهم يحظى بتقدير أكبر من قبل الجمهور منذ بداية جائحة كوفيد 19، على الرغم من أنّ مستويات الثقة في الصحافة بلغت (60٪)، لا سيما في الدول التي يوجد فيها استقطاب سياسي وضعف اقتصادي، حيث يتعرض الصحفيون أنفسهم للهجوم.
بعد عامين من عدم اليقين، شهد أكثر من نصف الناشرين الذين شملهم الاستطلاع (59 في المئة) نموًا في الإيرادات. ويعود جزء كبير من هذا النمو إلى الأرباح الناتجة عن نماذج الاشتراك والعضوية. وشهدت الشركات العملاقة والصغيرة نموًا ملحوظًا في الاشتراكات، في المقدّمة نجد صحيفة "نيويورك تايمز" التي وصلت مع نهاية العام الماضي إلى 8.4 مليون اشتراك، بينما تراهن العلامات التجارية الرقمية الأصغر مثل Dennik N في سلوفاكيا أو Daily Maverick في جنوب إفريقيا على الاشتراكات كنماذج للإيرادات المستدامة.
وتؤكّد المؤشرات أنّ العديد من الأشخاص حول العالم غير مستعدين للدفع مقابل الأخبار أو دعم جميع وسائل الإعلام. في المقابل، يقول أربعة من كل خمسة ناشرين (79 في المئة) إنّ الاعتماد على الاشتراك كنموذج ربحي، هو أولويتهم في العام 2022.
من جانب آخر، يبحث كثيرون عن نموذج مختلط لتحقيق الأرباح، يشمل الاشتراكات والإعلانات والأحداث والأنشطة التي ترعاها المنصات. وما يقرب من نصف قادة الأخبار قلقون من أنّ نموذج الاشتراك مقابل القراءة سيستهدف فقط الجماهير الأكثر ثراءً وتعليمًا، ما يؤدي إلى استبعاد الآخرين.
لمواجهة ذلك، سوف يقدّم العديد من الناشرين صفقات وعروضًا خاصة لغير القادرين على دفع ثمن الاشتراك مقابل القراءة، مثل The Daily Maverick في جنوب إفريقيا التي تبنّت عرضًا للعضوية بعنوان "ادفع ما يمكنك تحمله"، أو موقع Correio da Manhã في البرتغال الذي يقدّم اشتراكات مجانية للأشخاص الذين يعيشون في دور الرعاية.
وتتوقع رويترز أن ينمو هذا الاتجاه في عام 2022.
وسائل الإعلام الرئيسة ستستعيد المواهب من المنصات
شهدت السنوات السابقة انفصال العديد من الصحفيين عن غرف الأخبار الكبيرة التي كانوا يعملون بها، وتأسيس أعمالهم التجارية الخاصة بهم على منصة Substack ومنصات أخرى مدفوعة الأجر، لكن بعضهم فقط استطاع أن يحقق نجاحًا.
ستشهد المنافذ الإخبارية الرئيسة في 2022 عودة بعض تلك المواهب إلى غرف الأخبار، وقد يضطر الناشرون إلى السماح للمبدعين المستقلين بمواصلة برامجهم الصوتية "بودكاست" والنشرات الإخبارية، بجانب عملهم في غرف الأخبار.
هناك اتجاه آخر يمكن أن نشهده في 2022، هو تجمع عدد من الصحفيين المعروفين في شركات أو كيانات للعمل سويًا من أجل كسب المزيد من الأرباح من الجماهير الكبيرة التي جمعوها على مواقع التواصل الاجتماعي. وأحد الأمثلة على ذلك Puck، الشركة الناشئة التي أنشأها جون كيلي المحرر السابق لـ Vanity Fair، والذي جمع في منصته عددًا من الكتاب الذين اشتهروا في إصداراتهم.
مع ذلك، تواجه هذه المجموعات الجماعية المشكلات نفسها التي تواجهها غرف الأخبار، لا سيما العثور على عدد كافٍ من الأشخاص المستعدين والقادرين على الدفع مقابل محتواها.
البودكاست والنشرات الإخبارية ومقاطع الفيديو الرقمية أكثر أهمية
يؤكد التقرير أنّ الناشرين بحاجة للوصول إلى المزيد من القراء والمشاهدين والمستمعين من أجل تحقيق الأرباح من جميع منتجات الاشتراك والعضوية لديهم.
لتعزيز مشاركة الجمهور، يخطّط أربعة من كل خمسة ناشرين شملهم الاستطلاع للاستثمار في 3 قطاعات مختلفة، أولها البودكاست والبرامج الصوتية الرقمية الأخرى، تليها النشرات الإخبارية (70 في المئة) ثم تنسيقات الفيديو الرقمية (63 في المئة).
تستثمر المنصات الاجتماعية أيضًا في أدوات جديدة للإبداع والتدوين الصوتي التي تفتح سوق صناعة المحتوى لأي شخص لديه هاتف ذكي. وستخلق هذه الأدوات منافسة قوية ولكنها ستحفز أيضًا الاستهلاك الكلي للمحتوى الصوتي، مع توقعات بزيادة التحديات المتعلقة بالاعتدال في المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنّ مراقبة الصوت أصعب بكثير من مراقبة النص المكتوب.
للتميز في ذلك الفضاء الصوتي المزدحم، يؤسس بعض الناشرين مثل نيويورك تايمز وSchibsted منصات وتطبيقات صوتية خاصة بهم، لكنّ الميزات المدفوعة من منصات مثل Apple وSpotify ستفتح أيضًا السوق للمبدعين الفرديين، مثلما فعلت منصة Substack للكتاب، وزادت من المنافسة.
وستشهد فيديوهات البث المباشر نهضة كبيرة في 2022، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ازدهارها خلال الوباء في نقل الأحداث الافتراضية، وتغطية الأحداث الإخبارية الصادمة مثل اقتحام مبنى الكابيتول.
يزدهر أيضًا الفيديو القصير بفضل تطبيقات مثل سناب شات وتيك توك التي وصل عدد مستخدميها الآن إلى مليار شخص حول العالم، لكن ليس من الواضح حتى الآن كيف يمكن أن تفيد هذه المنصات الصحفيين، لأنّ مستخدمي هذه التطبيقات يتبعون المؤثرين والمشاهير بشكل كبير، كما رصد تقرير رويترز من قبل.
في 2022، لا يزال الناشرون حريصين على الوصول إلى الجماهير الأصغر سنًا والذين هم أيضًا مستخدمون رئيسيون لمنصات الفيديو القصيرة، لذا يخطط حوالي نصف الناشرين الذين شملهم الاستطلاع لبذل المزيد من الجهد في تطبيقات ومنصات مثل انستجرام، تيك توك ويوتيوب والتركيز بشكل أقل على تويتر وفيسبوك. ومن المتوقع أيضًا أن يتفوق المبدعون المستقلون على الصحفيين في هذه الفضاءات.
استمرار العمل الهجين
على الرغم من أنّ الصناعة تتعافى من الوباء، إلا أنّ القليل من غرف الأخبار تسعى للعودة مرة أخرى إلى المكاتب والمقرات وغرف الأخبار التقليدية.
في العام 2022، تخطط معظم المؤسسات لمزيج من العمل المادي والعمل عن بُعد، بينما ستعمل بعض المؤسسات بشكل افتراضي بالكامل. ورغم أنّ العديد من الموظفين يجدون توازنًا أفضل بين العمل والحياة أثناء العمل من المنزل مع قدرة أكبر على الإنتاجية، فإن الرؤساء يشعرون بالقلق إزاء فقدان الإبداع والتعاون والاتصال.
لإنجاح غرف الأخبار الهجينة وجعلها أكثر فاعلية، يجب على القادة إيجاد طرق أفضل للتحدث مع فرقهم والعناية بصحتهم العقلية والنفسية.
المزيد من صحافة الحلول
يعاني الصحفيون والجمهور من الإرهاق بسبب دورة الأخبار السلبية التي استمرت خلال عامين بلا هوادة. وتتوقع رويترز مزيدًا من التركيز على الأشكال البناءة للتغطية الإخبارية وصحافة الحلول في 2022، التي سيقودها جزئيا تنوع أكبر من قادة غرف الأخبار الذين لا يفضلون الطرق التقليدية لإنتاج الأخبار.
بجانب ذلك، يجب أن تستمرّ الجهود المبذولة لزيادة التنوع في المناصب القيادية داخل المؤسسات الإخبارية مع تعيينات وترقيات للنساء والأشخاص الملونين.
التركيز على السلامة
مع استمرار الهجمات على الصحفيين في الواقع وعبر الإنترنت، يكثف الناشرون دعمهم لأمن الصحفيين، وذلك عبر دعم طرق الحماية والسلامة الجسدية والرقمية والتدريب على الأمان رقميًا أو أثناء التغطيات.
تخضع التفاعلات عبر الإنترنت والمناقشات الاستقطابية أيضًا للتدقيق، وتتطلع العديد من المؤسسات الإخبارية إلى تشديد قواعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للمساعدة في كبح إساءة الاستخدام والحد من الانتهاكات وتعزيز ثقة الجمهور.
تغطية تغيّر المناخ
على الرغم من أنّ الأدلة العلمية التي تؤكد أنّ هناك ضرورة ملحة لاتخاذ إجراءات تمنع العواقب الوخيمة لتغير المناخ، إلا أن الناشرين يكافحون من أجل جذب الجمهور بالمحتوى المناخي.
هناك أسباب كثيرة لذلك يرصدها التقرير، أبرزها بطء وتيرة التغير المناخي الذي يجعل من الصعب تغطيته كقصة إخبارية، بجانب المعلومات العلمية المعقدة والنظرة القاتمة والكئيبة التي تثيرها تلك الأنواع من التقارير، بالإضافة إلى النقص الشديد في الصحفيين ذوي الخبرة في تغطية المناخ، والنقص الشديد أيضًا في المال اللازم للسفر إلى أماكن نائية لتغطية التغيرات؛ وأخيرًا الضغط من الملاك والمعلنين.
لذا، سيركز الناشرون في 2022 على تعيين صحفيين من ذوي الخلفية العلمية بشكل كبير.
وقد يرغب الصحفيون أيضًا في استخدام صحافة الحلول والصيغ البناءة لتغطية قضايا المناخ بدلًا من الشكل التقليدي الذي يبعث على الكآبة وينفر القراء من المحتوى المناخي.
يمكن معالجة نقص المال والتمويل للمحتوى المناخي، بشكل أفضل، عبر مشاركة المحتوى، وهو توجه جديد يصف تجمع مجموعة من العلامات التجارية والصحفيين والمذيعين والناشرين والمنتجين لإنشاء مشاريع محتوى مرئي وصوتي عبر أي منصة إعلامية.
سوف يحقق هذا التعاون بين المنظمات نتائج أفضل فيما يخص التمويل في 2022.
المنصات والتنظيميتزايد الضغط لتنظيم منصات التكنولوجيا وتأثيرها، مع انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت حول فيروس كورونا، بجانب الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في تفاقم بعض الأحداث. ويقود الاتحاد الأوروبي الطريق من خلال قانون الأسواق الرقمية (DMA) الذي مرره البرلمان الأوروبي ويضع قواعد صارمة على الشركات العملاقة، مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وآبل، وذلك بهدف الحد من قوة هذه الشركات، ومعالجة النتائج السلبية الناشئة عن سلوك بعض هذه المنصات.
بينما تخطط المملكة المتحدة لتمرير قانون الأمان عبر الإنترنت الذي يهدف إلى معاقبة المنصات التي لا تحد بما يكفي من المحتوى غير القانوني والضار.
كما أنّ النجاحات التي حققها قانون المساومة الإعلامية في أستراليا، وتوجيه حقوق النشر في أوروبا، في حصول كبار الناشرين على أموال من ترخيص المحتوى للمنصات العملاقة، سيشجع المزيد من البلدان على وضع قوانينهم الخاصة.
مع ذلك، غالبًا ما تفيد هذه القوانين الناشرين الكبار فقط، وتقل فائدتها لحد كبير مع المطبوعات والمنصات الصغيرة والمحلية.
وقد بدأت المؤسسات الإخبارية أيضًا في الشعور بتأثير اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) حيث أصبح تتبع المستخدم أكثر صعوبة، مما يعقد تقديم الخدمات الشخصية وجني الأموال من الإعلانات. ونظرًا لأنّ ملفات تعريف الارتباط للجهات الخارجية أصبحت أقل ربحية، وتخطّط جوجل للتخلص التدريجي منها على أي حال، سيركز المزيد من الناشرين على بناء بيانات الطرف الأول من خلال الميزات والفعاليات والمسابقات التفاعلية.
الذكاء الاصطناعي وmetaverse
يكتسب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي شعبية كبيرة في غرف الأخبار الآن.
قال أكثر من ثمانية من كل عشرة ناشرين شملهم الاستطلاع (85 في المئة) إنّ الذكاء الاصطناعي سيكون عاملًا مهمًا جدًا هذا العام في إنشاء محتوى مخصص لجمهور الأخبار.
وتتطلع المؤسسات أيضًا إلى استخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتسريع بعض مهام غرف الأخبار أو الصحافة الاستقصائية أو تحسين نماذج الاشتراك. ويمكن أن تساعد الأدوات الجديدة للذكاء الاصطناعي في إنشاء الصور ومقاطع الفيديو الأصلية ما يعزز الصحافة المرئية.
ومع تحوّل فيسبوك إلى ميتا (Meta)، سيصبح هناك تركيز أكبر على metaverse، وهي بيئة مشتركة عبر الإنترنت تربط المستخدمين من خلال الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز. وهناك توقعات بإجراء المزيد من المقابلات بواسطة metaverse هذا العام، لكنها ضعيفة، لأنّ الصحفيين لم يقفزوا إلى هذا المفهوم حتى الآن.
أخيرًا، قد ترغب المزيد من المؤسسات في تجربة الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) لتحقيق أرباح، بعد نجاح ناشرين مثل نيويورك تايمز في جمع 860 ألف دولار من بيع NFTs، وهي نوع جديد من الأصول الرقمية، وشكل من أشكال الوثائق الرقمية التي يمكن تداولها عبر الإنترنت.
في عالم الصحافة، يمثل كل رمز غير قابل للاستبدال ملكية عناصر رقمية مثل الرسوم التوضيحية والقصص الإخبارية الأصلية التي يمكن شراؤها وبيعها عبر الإنترنت.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة مارتين سانشيز.