لا يزال العراق يحتلّ المراتب المتدنيّة بتصنيفات المنظمات المعنيّة بحرية الصحافة في العالم، وفق مؤشرات أعدتها تلك المنظمات. ما يعني استمرار التحدّيات التي تواجه العاملين بهذا المجال ومواصلتهم خوض غمار الصعاب التي قد يكون ثمنها حياة الصحفي نفسه أو مصيره المهني في بيئة صُنفت بأنها الأخطر لممارسة مثل هذا العمل حيث القوانين الحامية التي لم تفعّل ولم تتمكن من ردع المنتهكين والمعرقلين لحرية الاعلام، فضلاً عن ممارسة عدد من المؤسسات الاعلامية "الاستبداد المقنع" من خلال عدم تهيئة الضمانات اللازمة للعاملين فيها، حيث الأجور القليلة والتسريح القسري أو الإمتناع عن إبرام العقود القانونية الضامنة للعاملين.
ما هي الأسباب؟
يقول الصحفي المعني بالشأن الإنساني مصطفي سعدون في حديث لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إنّ المؤشرات الحالية كلها تشير إلى أنّ مستقبل الصحافة في العراق بخطر لأسباب عدّة تتعلق بتوسّع دائرة رقعة الإنتهاكات وغياب التشريعات الحامية لعمل الصحفيين، فالتشريعات الحالية ضمنها قانون حماية الصحفيين، بحاجة إلى تعديلات وإلى قانون جديد يتعلّق بحقوق الصحفيين وحق الحصول على المعلومة وأيضًا بعدم السماح لمرتكبي الإنتهاكات من الإفلات من العقاب.
وأضاف سعدون أنّ هناك تحديات تتعلق بعقود العمل بالنسبة للعاملين في المؤسسات الصحفية العراقية وتحديات أخرى تتعلق بالصحفيين أنفسهم من قبيل عدم معرفتهم بحقوقهم وعدم الدراية الكافية بكيفية حماية أنفسهم.
حقوقٌ في مهبّ الريحلا تتوقف حقوق الصحفيين عند الحقوق العامة، بل تتعداها لتشمل بذات الوقت ما يتعلق بحقوق الصحفي لدى المؤسسة التي يعمل معها، ومنها المادية، وحق التأمين من الإصابات أثناء العمل إضافة إلى الضمان الاجتماعي والذي لا نجده في الكثير من المؤسسات الصحفية داخل البلاد، بل أنّ هذه الحقوق والعقود المبرمة مع الصحفيين لا نراها إلا مع العاملين في المؤسسات الإعلامية الدولية العاملة في العراق دون المحلية في مخالفة واضحة للمادة (13) من قانون حماية الصحفيين لعام (2011) والذي نصّ على أن تلتزم الجهات الإعلامية المحلية والأجنبية العاملة في جمهورية العراق بإبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين في تلك الجهات وفق نموذج تعدّه نقابة الصحفيين في المركز أو الأقاليم، ويتم إيداع نسخة من العقد لديها، وهو من أبرز النقاط التي عدها صحفيون بأنّها مجحفة، والتي لا تقل عن الإنتهاكات التي تمارسها المؤسسات الرسمية والسياسية، فيما ذكرت المادة (14) من ذات القانون بأنه لا يجوز فصل الصحفي تعسفياً وبخلافه يستطيع المطالبة بالتعويض وفق أحكام قانون العمل النافذة.
وبالتالي فإنّ موضوع طرد العاملين أو إغلاق المؤسسات الإعلامية يتكرر باستمرار بدون الحصول على الحقوق المادية، ما يستدعي وضع شروط ملزمة للمؤسسات الصحفية بشأن التعامل مع العاملين معها وضمان حقوقهم، ماديةً كانت أم معنوية ومحاسبة المخالفين قانونياً ونقابياً وهناك حقوق يمكن تصنيفها على النحو التالي وهي:
• الحماية من الإعتقال التعسفي.
• حق الحصول على المعلومة.
• حرية إبداء الرأي.
• حماية مصادر المعلومات.
• الضمان من الإصابات.
• الحقوق المادية لدى المؤسسة.
• حرية التنقّل.
العام 2021.. صحفيون في مدنٍ غير آمنة!
وضعت منظمة مراسلون بلا حدود العراق في المرتبة (163) من التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2021 وبتراجعٍ جديد بمرتبة واحدة عن العام الماضي. بدورها أيضاً سجّلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق (PFAA) خلال هذا العام (233) حالة إعتداء طالت الصحفيين من الرجال والنساء على حد سواء، وفي أغلب المدن العراقية، تضمنت حالات اغتيال واختطاف وهجمات مسلحة طالت صحفيين ومؤسسات إعلامية، إضافةً إلى التهديد بالقتل والتصفية الجسدية ورفع دعاوى قضائية، وأوامر ومذكرات قبض واعتقال واحتجاز واعتداء بالضرب، ومنع وعرقلة التغطية، فضلًا عن إغلاق وسائل إعلام وتسريح العاملين بها.
تقول "الجمعية" في بيانها السنوي إنّ أغلب الإنتهاكات سُجّلت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر وتزامنت مع الإحتجاجات الطلابية في إقليم كوردستان، التي شهِدَت تسجيل (40) حالة إنتهاك من مجموع الإنتهاكات البالغ عددها (233) حالة.
كما سجلت الجمعية محاولة اغتيال واحدة، وحالة خطف واحدة، و(139) حالة إعتداء بالضرب ومنع وعرقلة تغطية، و(34) حالة اعتقال واحتجاز، و(15) حالة إغلاق قنوات وتسريح عاملين تعسفياً، وتسجيل (13) إصابة لصحفيين أثناء أداء مهامهم الصحفية.
أما توزيع الإنتهاكات وفق المحافظات فكانت كالعام (2020)، حيث جاءت بغداد بالمرتبة الأولى بتسجيلها (66) حالة انتهاك، وإقليم كوردستان بالمرتبة الثانية بتسجيل (53) حالة انتهاك، وكركوك بالمرتبة الثالثة حيث سجّلت (35) حالة.
ولفتت الجمعية إلى أنّ هناك محافظات لم تُسجل حالات انتهاك، ويعود ذلك إلى تهجير الصحفيين منها على وقع التهديدات والملاحقات، وتركهم محافظاتهم بعد تظاهرات تشرين (2019).
لماذا حرية الصحافة وحقوق الصحفيين؟قد يتساءل البعض لماذا يجب تهيئة الظروف والحقوق الخاصة للصحفيين ولماذا كل هذا التمييز عن غيرهم، إلا أنّ الحقيقة وواقع الحال يختلفان عن هذا التساؤل، لأنّ الأصل ليس تمييزًا، بل هو إظهار وتأكيد لأهمية الدور الذي يلعبه الإعلام ومهمته بتوفير المعلومات ونقل الوقائع اليومية في جميع مناطق العالم، ومن هنا يبرز الدور الهام وغير الإعتيادي للصحفيين لأنّ عملهم مرتبط بالمجتمع وليس بأشخاص محددين وبالنتيجة فإنّ الدفاع عن حقوق الصحفيين يعني إعطاء المجال والفسحة الواسعة من الحرية والإستقلالية للصحفي لغرض أداء مهامه بشكل أمثل، وعلى هذا الأساس فإنّ هناك تشريعات تتعلق بحماية الصحفيين وحقوقهم في ممارسة دورهم ومن تلك التشريعات المهمة قانون حقوق الصحفيين لسنة (2011)، الذي أقرّهُ مجلس النواب العراقي وصادق عليه مجلس الرئاسة استناداً إلى أحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند (ثالثًا) من المادة (73) من الدستور العراقي، إلا أنّ هذا القانون لا زال بحاجة لتعديلات ولتفعيل حقيقي يمكن من خلاله مواجهة المصاعب التي تحد من حرية الصحافة وحرية الرأي بشكل عام، إضافة إلى وجود تشريعات تناقض هذا القانون ويمكن تسخيرها لأجل عرقلة تنفيذه.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة سعد سليم.