منذ نشأة الصحافة في القرن التاسع عشر، وقضية اللغة العربية الفصحى محطّ جدل ما بين المناصرين لها والمنتصرين لغيرها من العامية واللغات الأخرى، لكن وبفضل الصحفيين الغيورين على اللغة انتصرت اللغة العربية الفصحى السليمة من المصطلحات والتعابير الركيكة والأجنبية.
نجد اليوم مواقع صحفية وإخبارية عدة، تهتم بالسبق الصحفي أكثر مما تهتم لسلامة اللغة، وهناك مواقع في المقابل تهتم للاثنين بذات التركيز والوعي، مثلاً على سبيل المثال لا الحصر كـ بي بي سي عربي، فاستخدامهم للغةِ العربية الفصيحة حسب ما يرى ادغارد جلاد، رئيس تحرير تلفزيون بي بي سي عربي، هو من أهم عوامل جذب الجمهور.
ومن الجدير ذكره أيضاً أن بي بي سي عربي تقدم للصحفيين أكاديمية لتعلم مهارات اللغة العربية والصحفية.
قابلنا من شبكة الصحفيين الدوليين الإعلامي عارف حجاوي صاحب برنامج معارف إعلامية الذي يُبث على قناة الجزيرة، وسألناه عن برنامج معارف إعلامية الذي يتحدث عن أسرار اللغة، كيف أننا نجد فيه بساطة السرد ومعلومات قيمة في المقابل، وعن إتقانه اللغة العربية بهذا الجمال، فأجابنا: "كثيرون يتقنون النحو أحسن مني، وكثيرون يعرفون المفردات القديمة أفضل مني، ورأيت من هو أحسن مثابرة مني، وأعظم جلداً على الدرس والتنقيب، غير أنني عندما أكتب نصاً للإذاعة أو التلفزة أتخيل المستمع أو المشاهد أمامي، وأحدثه حديثاً، وعندما أكتب مقالة أو فصلاً في كتاب، أقول ما بنفسي من غير تحفظ، وهذا ما أسميه القلم الحر، فالكتابة الجميلة هي الكتابة الحرة التي تشبه الحديث.
وأضاف: "تعلمت العربية في المدارس الحكومية كغيري، وكنت كثير المطالعة، ومنذ الطفولة، هذا هو سر التعلق باللغة العربية وإتقانها".
وعن واقع الكتابة الصحفية العربية في الوطن العربي بشكل عام، مرئيًا ومكتوبا ومسموعًا أيضاً، كيف يراه، يقول حجاوي: "نحن اليوم أفضل مما كنا عليه قبل خمسين سنة. وعندنا كتابة صحفية جيدة. لكن الفكر عندنا مقيد. وتأخذنا الحماسة لفكرة معينة فنفقد التوازن".
فالكتابة الصحفية الجيدة عنده "هي أسلوب، وإمتاع، لكنها أيضاً فكر نقدي. المسلمات عندنا كثيرة. قد ننتقد عهد رئيس ما في دولة ما، فيشتمنا كثيرون ويمدحنا كثيرون. فماذا لو كتبنا عن عهد الرئيس كتابة متوازنة فيها سرد للحقائق فقط.. ربما عندئذ سيشتمنا الجميع. الناس عندنا متحزبون بشكل لا يدع للكاتب مجالاً لحرية القول".
بعض الصحفيين ضعيفي اللغة، يريدون تحسين لغتهم، ولكنهم دائماً ما يُقابلون نصائح تقليدية جافة، صعبة الممارسة أو ثقيلة على النفس ربما، في هذا المجال يُخبرنا حجاوي: "الوسيلة الأولى الكتاب. اللغة تأتي من القراءة المستفيضة. هناك شيء ينساه الكثيرون عندما يتحدثون عن إتقان اللغة. طبعا الجميع يقول لك: المطالعة والكتاب! مفهوم! لكن الشيء الآخر هو "الكتابة" أن يجلس المرء ويكتب ويكتب، أن يكتب يومياته، ويكتب مقالات ثم يمزقها. أن يكتب قصصاً قصيرة، أن يكتب تقارير للجريدة، أو للموقع، أو للإذاعة.. للتدرب فقط. النصيحة الحقيقة: اقرأ كثيراً، واكتب كثيراً. والتنويع في القراءة مهم. جيد أن يقرأ المرء قليلاً من المنفلوطي، وحتى من القدماء كالجاحظ. وبالطبع ففي الجديد ما هو متين الأسلوب مثل روايات نجيب محفوظ، وكتب مارون عبود وطه حسين والمازني".
حول مشاكل لغة الصحافة العربية، كان جواد علي القاسم نائب رئيس تحرير جريدة الصباح بالعراق، قد قال إن هناك مشكلة تسبق لغة الصحافة وهي مشكلة الصحافة نفسها الآن في العالم العربي، فربما تكون مواقع التواصل الاجتماعي أثرت كثيرا على الصحافة العربية.
وأيضاً نرى العديد من المواقع الإخبارية أصبحت تهتم بالسبق الصحفي أكثر من السلامة اللغوية ويعللون ذلك بالسرعة وعدم الانتباه.. وأهمية الخبر دون الالتفات لسواه.. ما رأيك؟!
يُجيب حجاوي: "المهم في الصحافة الصدق والدقة، ثم السبق، ثم بعد ذلك تأتي اللغة الأنيقة. أما اللغة الصحيحة فهي سلاح الصحفي، والذي لا يعرف كيف يكتب خبراً ليس من أبناء المهنة. وصحافة المواطن يجوز فيها كل شيء: العامية والفصحى والكذب والتسرع، والتطبيل. فإن سار بعض المواطنين. الصحفيين سيرة صحيحة صادقة فهؤلاء من أبناء المهنة".
في ندوة "مشكلات لغة الصحافة العربية المعاصرة":
كانت قد طالبت الدكتورة رجاء الغمراوي وهي أستاذة مساعدة بقسم الإعلام جامعة فاروس، أن تعمل كليات الإعلام في مختلف الدول العربية على تدريس مناهج اللغة العربية بجانب مناهج الإعلام، فضلا عن وضع قانون يلزم جميع الصحفيين بعدم الكتابة في الصحف والمواقع الإلكترونية إلا عقب اجتياز دورات في اللغة العربية من أجل النهوض بلغة الصحافة وصناعة إعلام جيد له رؤية ووجهة نظر.
وربما النصائح ليست بكثرتها، إنما بقيمتها، فمن واقع تجربة الإعلامي عارف حجاوي يُخبرنا بالتالي لتقوية اللغة العربية والاهتمام بسلامتها من العلل لغويا ونحويا: "أهم شيء يساعد الصحفي على تحقيق لغة سليمة نحوياً أن يعرض كتاباته على من يعرف النحو معرفة طيبة، فكلما صحح له خطأ تعلم شيئاً. أما كتب النحو والصرف فهي قليلة الفائدة. ومثلها الدورات. أقول هذا علماً بأنني كتبت كتباً في النحو والصرف وعقدت عشرات الدورات في الموضوع. لكنني اكتشفت أن المرء يتعلم بيديه لا بأذنيه. عليه أن يكتب كثيراً وأن يجد من يصحح له أخطاءه".
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على فليكر.