تشهد مهنة الصحافة والإعلام في هذه الأيام طفرة في عدد الصحفيين الذين يتخرّجون كلّ عام، من مختلف الجامعات والمعاهد. بعضهم يترك هذه المهنة ليعمل في مجال مختلف تماماً، وبعضهم الآخر يمارس هذه المهنة لسنوات عديدة ويشغلون مناصب مرموقة في أهم الصحف أو الإذاعات أو التلفزيونات.
لكن على الرغم من ذلك، لو سألكم أحدهم عن أبرز الصحفيين في العالم العربي، سيتردّد الى أذهانكم أسماء عدد قليلِ جداً منهم. لماذا فقط هؤلاء نجحوا في حفر أسمائهم في ذاكرة الناس؟ وما هو السرّ الكامن خلف احتفاظهم بمكانة خاصة لدى الجمهور؟
نجح بعض الصحفيين في بناء "علامة شخصيّة" خاصة بهم، أو ما يعرف بالإنجليزية بـ"Personal Brand"، وهي عبارة عن تحويل اسمهم ومسيرتهم في عالم الصحافة الى "علامة مسجلة". يرتبط هذا المفهوم بشكلٍ أو بآخر بشهرة الصحفي وسمعته وسعة انتشاره وحضوره.
ظهر مصطلح "العلامة الشخصية" لأول مرة تاريخياً في كتاب "فكّر واصبح غنياً" أو بالإنجليزية Think and Grow Rich لكاتبه نابوليون هيل، الذي قام ببحث على مدى عشرين عاماً شمل أشخاصاً ناجحين حققوا نجاحاً باهراً في مسيراتهم المهنية.
يعتمد بناء "العلامة الشخصيّة" على تشابك العديد من الاستراتيجيات واتباع خطوات مدروسة. في هذا السياق التقت شبكة الصحفيين الدوليين الإعلامي "زافين قيومجيان" وذلك ليشارك الصحفيين بخبرته ونصائحه لبناء علامة شخصيّة في مجال الصحافة والإعلام. يُعتبر زافين أحد أبرز الإعلاميين العرب ومن القلائل الذين يمتلكون علامة شخصيّة مميّزة تمكّن من الحفاظ عليها وتطويرها طيلة مسيرته المهنية.
افتتح زافين المقابلة بالحديث عن متابعة دراساته العليا في مجال التسويق والإعلان، قائلاً: "بعد أكثر من عشرين عاماً من الخبرة في المجال الإعلامي، قرّرت أن أخوض تجربة جديدة وتغييراً بمتابعة دراسة الماجستير ولكن في الإعلان، واخترت عنوان ’كيف ترسم التلفزيونات اللبنانية علاماتها التجارية في لبنان ما بعد الحرب‘ لرسالتي التي أعمل عليها حالياً".
يعتبر قيومجيان أن بإمكان كلّ صحفي أن يمتلك "علامة شخصيّة" شرط أن يعرف نقاط الضعف والقوة في شخصيته الإعلامية، من ثم يعمل على تطوير نقاط قوته وإعطائها العديد من الأبعاد كي لا تموت.
يضيف زافين قائلاً: "ليس من السهل أن تحافظ على العلامة الشخصية، خاصةً إن لم تتمكّن من تطوريها. فأنا مثلاً واجهت إحدى أكبر التحديات بالانتقال إلى برنامج منظم بشكلّ دقيق، بعد أكثر من عشرين عاماً من تقديم برامجٍ حوارية تعتبر منتدياتٍ ومنصَات مفتوحة، مثل ’برنامج سيرة وانفتحت‘ على شاشة المستقبل وبرنامج ’5/7‘ على شاشة تلفزيون لبنان".
بالانتقال الى الشقّ الإلكتروني من عملية بناء وتطوير العلامة الشخصيّة، تطرّقنا إلى الحديث عن تطوّر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي حيث نعيش حالياً في العصر الثالث من الويب. بدايةً، في العصر الأول، كان أصحاب المواقع الإلكترونية يقومون بنشر المحتوى الذي يتداوله المستخدمون. في العصر الثاني أصبح مستخدمو الإنترنت يشاركون رأيهم وتعليقاتهم على المحتوى الذي يتغيّر تبعاً لتوجهاتهم واهتماماتهم. أما في الجيل الثالث فأصبح مستخدمو الإنترنت هم صانعو محتوى في الوقت عينه، كالمدوّنين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية المبنية على التعهيد الجماعي والقنوات التلفزيونية والإذاعية على الإنترنت.
ويصنَف زافين أحد أبرز مستخدمي الإنترنت في العالم العربي، مع أكثر من 48 ألف متابع على حسابه على تويتر ونالت قناته على موقع يوتيوب أكثر من 4 ملايين ونصف المليون مشاهدة. في هذا الموضوع، يقول زافين: "كنت من الأشخاص الذين آمنوا بالإنترنت والإعلام الجديد، وقد أصبح هذا الموضوع جزءاً من علامتي الشخصيّة.
كنت أول من استخدم الكومبيوتر المحمول في برنامج تلفزيوني، وأول من استقبل رسالة إلكترونية من المشاهدين عام 1995". أمّا عن الإعلام الإجتماعي، يقول: "مؤخراً أصبحت أركزّ كثيراً على الإعلام الإجتماعي والتفاعل مع المتتبعين لي، وقد أثمرت نتائج هذا الاهتمام بفوزي بجائزة ’أفضل شخصية إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي‘ في لبنان، في الحفل الذي نظمته ’SMA Beirut‘ في النسخة الأولى".
تجدر الإشارة أن زافين حاز في الأشهر الستة الأخيرة على خمس جوائز في مجال الإعلام الاجتماعي، ويشير الى أهمية البحث الدائم عن قنوات جديدة للتواصل مع المجتمع، وأهمية اختيار الموقع المناسب للتواصل مع الجمهور المستهدف.
نترك لكم بعض النصائح التي تساعدكم على بناء علامتكم الشخصية:
1- ابقوا على طبيعتكم: من الطبيعي أن تمتلك المؤسسة الإعلامية التي تعملون لحسابها قنوات على المواقع الإلكترونية، لكن يجب أن يكون لديكم حساباتكم الخاصة التي تسمح لكم بالتواصل مع الجمهور كأفراد. من المهم أن تحافظوا على عفويتكم وشخصيتكم الطبيعية وأن تبتعدوا عن التصنع والتكلّف وادِعاء المثالية.
2- اصنعوا شعاراً خاصاً لاسمكم: لا تغفلوا أهمية تصميم شعار مميز وأنيق لاسمكم، لزيادة الأبجدية البصرية المرتبطة بعلامتكم الشخصيّة. ربما لن يصبح شعاركم ماركة مسجلة مثل شعار "أوبرا وينفري" ولكنه دون شكّ سيجعل علامتكم الشخصيّة ترسخ في أذهان الناس.
3- عدّلوا الأدوات لتشبه شخصيتكم: يؤمن زافين بضرورة تجربة عدّة أدوات لبناء علامتكم الشخصيّة، ويقول: "ليس هناك قانون، ليس هناك خطأ أو صواب في هذه العمليّة، لكن الأهم هو أن يتناسب ما تفعله مع شخصيتك، وأن تقوم بتعديل جميع الأدوات لتندرج ضمن النطاق الطبيعي لعملك وشخصيتك".
4- اصنعوا مجتمعكم الخاص: من الضروري أن تمتلكوا مدوّنة أو موقعًا إلكترونيًا تضعون فيه أعمالكم وسيرتكم الذاتية وحساباتكم على مواقع التواصل الاجتماعي. لا تتردّوا في نشر أعمالكم على موقعكم الخاص، فحين يصبح لديكم مجتمع خاص سيقومون بمتابعة ما تنشرونه كأفراد عوضاً عن المؤسسة التي تعملون لصالحها.
5- ابقوا على إطلاع: لا أحد يريد أن يتابع خبراً كان قد سمعه منذ أسبوع أو حتى منذ يومين. لا بد من البقاء على اطلاع وإدراك لكل ما هو جديد في نطاق عملكم، بهدف تقديم كلّ ما هو جديد ومفيد لمتابعيكم.
ختاماً، قدّم زافين توضيحاً أكاديميّاً للفرق بين مفهومي "هوية العلامة الشخصيّة" و"صورة العلامة الشخصيّة"، حيث أن الأولى هي كيف الصحفي يرى نفسه، والثانية كيف يراه الجمهور. وقال قيومجيان: "لنجاح العلامة الشخصيّة يجب خلق توافق بين هويتها وصورتها، وعدم محاربة صورة العلامة الشخصيّة. في البداية مثلاً، كنت أنزعج كثيراً من التعليقات على سؤال ’شو حسيت؟‘، ولكن بعدها استخدمته لصالحي وأصبحت أول صحفي يمتلك سؤالاً مسجلاً له".