انتهاك خصوصية الضحايا: مبادئ كي لا يفقد الإعلام رسالته 

بواسطة فادي الحسني
Aug 12, 2024 في تغطية الأزمات
صورة

دعنا نتفق عزيزي القارئ بدايةً، أننا لا نطلق حكماً افتراضياً حول انتهاكات خصوصية الضحايا عبر التغطية الإعلامية للحرب المستمرة، ربما لسنا في حاجةٍ لإجراء دراسة مسحية لإظهار حجم التجاوز الأخلاقي والقانوني الحاصل. بإمكانك الآن أن تجري بحثاً عبر فئة الصور في محرك البحث جوجل مثلاً، عن أطفال "غزة" مثلاً بوصفها منطقة نزاع تشغل العالم الآن: كيف تبدو النتيجة؟  

دعك من ذلك، قم بتصفح العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية وعاين عن كثب الصور التي تتصدر عناوين الأخبار المتعلقة بمستجدات الحرب الدائرة في القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في غالبيتها صور للضحايا عموماً، والأطفال والنساء بوجه خاص. 

يتجسد انتهاك الخصوصية أو الخرق القانوني في توثيق الضحايا لحظة وقوع الكوارث أو الأحداث المفجعة، ففي الغالب يركض المصورون خلف الضحية بحثاً عن لقطة أكثر تأثيراً وهذا مفسرٌ أحياناً بأنه عائد للمنافسة بين الزملاء ومن يلتقط صورةً أقوى للحدث. لكن في المقابل، ماذا عن غرف تحرير الصور، وفي أي درجٍ تتكدس رزمة محاذير السياسات التحريرية ومدونات السلوك الأخلاقي واللوائح القانونية التي تؤطر للعمل المهني؟ 

أشكال الضحايا حول العالم كثيرة، منهم أناس جرى إخراجهم من تحت أنقاض مبان أسقطها زلزال مدمر، أو ضحايا فيضان أو إعصار، أو ناجون على متن مراكب الهجرة، أو مهاجرون ألقت بهم الأمواج جثثاً هامدة على الشواطئ.  

كما أن هناك ضحايا مسجون على أسرة المستشفيات بأطراف مبتورة تقطر دماً نتيجة الحرب، وصغاراً يبكون بين الركام، أو قتلى بين الأنقاض أو هياكل عظمية لقبور نبشت، أو نساء ضحايا للعنف الجنسي، وغيرها الكثير.  

هذه في مجملها مشاهد قاسية لابد من نقل ظروفها وملابستها ومعاناة ضحاياها ومكلوميها، بوصف الإعلام صوتاً للناس، لكن السؤال: كيف نكون أمناء على نقل المشهد بما لا يتجاوز حدود المهنية؟    

القواعد النظرية

بالعودة إلى قواعد عملية الاتصال وفقاً لنظريات الإعلام التقليدية القديمة، فإن شكل الرسالة الإعلامية يأخذ سياقاً متسلسلاً يبدأ بالمرسل والرسالة والمستقبل، ومن ثم رجع الصدى أو الأثر المتحقق من هذه الرسالة.  

ولضمان وصول الرسالة الإعلامية للجمهور بالشكل الأمثل، اشترط واضعو النظريات أن يكون هناك ما يعرف بـ"حارس البوابة" وهو المرسل، أي الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين يقبلون بتمرير أو رفض الرسالة الموجهة للجمهور، وفقا لمجموعة من "الفلاتر" والمقصود هنا هو السياسة التحريرية ومدونات السلوك الأخلاقي واللوائح القانونية.   

وتلك الفلاتر بطبيعة الحال، يجب أن تكون الناظم لعمل هيئات التحرير في مختلف وسائل الإعلام، بما يعزز مهنية نقل الأحداث ويضمن عدم إيقاع أي شكل من أشكال الانتهاكات بحق الضحايا.  

وبالتالي، فإن السياسات التحريرية الواضحة والتي تتسم بأعلى معايير الدقة والشفافية والمهنية في النقل هي التي تحفظ للضحايا حقوقهم، هذا في المقام الأول. أما في المقام الثاني: فإن وجود أشخاص أكفاء في هيئات التحرير سواء كانوا مستشاري تحرير أو مستشارين قانونيين، أو محررين يمتلكون ثقافة قانونية واسعة يجنب وسائل الإعلام الوقوع في فخ الانتهاك، لأنهم يعون تماماً ما هي موجبات عدم النشر التي تضمن عدم السقوط في فخ المساءلة القانونية.    

وثالثاً، يشكل التزام المصورين الصحفيين بقواعد العمل المهني ومدونات السلوك الأخلاقي والإحاطة الكاملة بالمحاذير القانونية للتغطية الإعلامية، صمام أمان لوسائل الإعلامي بما يضمن عدم المساس بحقوق الضحايا.  

حقوق الضحايا 

وأمام هذه المقامات الثلاثة، يطرح سؤال نفسه: ما هي المحددات الواجب اتباعها تجنباً للوقوع في فخ الانتهاكات؟ 

أولاً، دع الكرة في ملعب الضحية   

في الحالات التي يقوم فيها الصحفيون والمصورون بالتقاط صورٍ للضحايا والذين غالباً ما يكونوا واقعين تحت تأثير الصدمة، عليهم أن يسألوا أنفسهم سؤالاً أخلاقياً: ماذا لو كنا مكان هؤلاء الأشخاص، هل نقبل بنشر صورنا ونحن في مثل هذه الحالة؟ 

وحتى لا يتسع الخرق على الراتق، ويبدو الجواب فضفاضاً، فإن حقيقة الهيئة التي يكون عليها الضحايا ودراسة البيئة العامة التي يعيشون فيها، هي التي تستوجب نوعية المشهد أو شكل الصورة الملتقطة، بمعنى إذا كانوا هؤلاء الضحايا ينتمون لبيئة تفرض التزاما دينياً كالحجاب مثلاً، فهل يقبل من الناحية الأخلاقية التقاط صورٍ للنساء وهن بدون حجاب؟  

كما أن الضحايا في الغالب يكونون محاطين بمجموعة من الأصدقاء والأقرباء، وبالتالي هذا يتطلب استئذان هؤلاء الأشخاص، إذا كان من المسموح التقاط صور للضحايا، خصوصاً أنهم يعيشون صدمةً وليس بإمكانهم التميز بين صوابية قرار القبول بالتصوير أو الحديث أو رفضه.  

ثانياً، لا يجب أن يألف المشاهد صور الدماء  

يختلط الأمر أحيانا على بعض وسائل الإعلام في تقديم الصورة الأكثر تأثيراً، أو ربما في محاولة منها للتنويع بين الصور، فتقوم باختيار صورٍ تقشعر لها الأبدان، والمقصود هنا هو صور ومشاهد الدماء وهي تقطر من أجساد الضحايا، وهذا بطبيعة الحال أمر يثير الأذى النفسي سواء للضحايا أنفسهم أو للمشاهد أو المتصفح عموماً.  

علينا إدراك حقيقة أن شبكة الانترنت في نهاية المطاف هي مستودع أرشيفي سواء للصور أو الفيديو، يمكن الرجوع إليه في أي وقت، وأن الضحية في الغالب كلما رأت صورها بعد التعافي منشورة على الانترنت حتى بعد مرور سنوات فهي لا تتعامل معها على قاعدة ألبوم ذكريات وإنما كشريط كوابيس، وهذا قد يتسبب لها بأذى نفسي بليغ وربما يطيل أمد التشافي.   

وبالتالي، ينبغي أن يقدر الصحفي الموقف، وأن يتم التعامل مع النشر بحس مرهف في مثل هذه الأوقات وبخاصة في التعامل مع المصابين والجرحى، وكذلك مع نشر الصور الحساسة أو المؤذية للمشاعر، ولكن لا يجب تفسير ذلك بأنه تقييد للحق في الكتابة عن الإجراءات القضائية.  

ثالثاً، حافظ على خصوصية الأطفال  

كثير ما يجري تصدير صور الأطفال في نقل مجريات النزاع، على اعتبار أنها تثير الانتباه وتستفز المشاعر، لكن في المقابل يشكل التقاط هذه الصور وقوعا في فخ المحاذير القانونية، وبخاصة إذا ما اعتبرنا أن غالبية القوانين تفرض مجموعة من الضوابط التي تضمن عدم انتهاك حقوق الأطفال، ومنها الحصول على موافقة أولياء الأمور أو أقرباء من الدرجة الأولى أو التوقيع الخطي على إفادة تسمح بنشر صورهم خصوصا إذا ما كانوا ضحايا.  

وللاستعاضة عن ذلك، بإمكان المصورين أن يقوموا بالتقاط صور لا تظهر ملامح وجوه الأطفال أو تشويش الملامح أحياناً، أو اللجوء لالتقاط مشاهد ذات دلالات معينة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تصوير أيدي الأطفال وهم يحملون "قنينة الرضاعة" في أيديهم، التقاط الصور بتقنية Out focus للأطفال وهم على أسرة المشافي، أو الاكتفاء بالتقاط صورة للأسورة الملتفة حول معصم الطفل المصاب أو المقتول واسمه مكتوب عليها.  

رسالة سامية   

علينا أن نعي دائما أنه في ظل الكوارث الطبيعية والصراعات المسلحة والأزمات الإنسانية، يبرز دور الإعلام كقوة ناعمة فاعلة في تخفيف معاناة المتضررين من الأزمات وتحسين أوضاعهم، من خلال خلق رأي عام يبرز الأوضاع الإنسانية وتقديم صورة واضحة عن الكارثة أو الوقائع الميدانية وإبراز معاناة المتأثرين منها، من أجل دعم حماية حقوق الإنسان، لأن الرسالة الإعلامية هي في أصلها ذات أبعاد سامية تدفع لخدمة الناس، لا أن تنتهك حقوقهم.  

الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة عمر يلديز