كيف أثّر انتزاع السلطة الرئاسية في تونس على عمل الصحفيين؟

بواسطة Mathilde Warda
Mar 1, 2023 في حرية الصحافة
يد تحمل العلم التونسي

في 25 يوليو/تموز 2021، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، تعليق البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، بينما كانت تونس تعاني من أزمات سياسية وصحية واقتصادية على مدى شهور.

واستند سعيد إلى المادة 80 من الدستور التونسي لعام 2014، والتي تمنح الرئيس سلطة اتخاذ "الإجراءات التي تفرضها حالة الطوارئ" في حالة وجود "خطر وشيك"، وواجه الرئيس التونسي انتقادات واسعة بشأن تفسيره لهذه المادة، كما شكك الخبراء في دستورية أفعاله.

وبعد مرور أكثر من عام على هذه الإجراءات، عزز سعيد سلطته بإصدار دستور جديد في أغسطس/آب 2022، والذي يشكل عودة "لنظام رئاسي على غرار ما كانت عليه البلاد قبل ثورة 2011"، وفقًا لهيومن رايتس ووتش، وذلك في إشارة إلى الفترة التي غادر فيها الرئيس آنذاك زين العابدين بن عليّ - الذي حكم تونس لمدة 24 عامًا - من البلاد بعد تظاهرات حاشدة.

وفي الوقت الذي زادت فيه سلطة الرئيس، تراجعت حرية الصحافة، إذ تراجع تصنيف تونس من 73 إلى 94 في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، في الفترة ما بين 2021 و2022. ومن جانبها، أطلقت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين (SNJT)، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حملة مناصرة لمعارضة "قمع الصحفيين" و"حماية حرية الصحافة والرأي".

وفي ظلّ هذه البيئة السياسية حيث تواجه الديمقراطية منعطفًا خطرًا، يواجه الصحفيون المزيد من التحديات، ويتنقل المراسلون ما بين القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات، والقيود الجديدة المفروضة على التمويل، والتهديدات بتعريض سلامتهم وحريتهم للخطر.

قلعة منيعة

"الرئاسة قلعة منيعة".. هكذا قال ثامر مكي، رئيس تحرير "نواة" - وهي منصة جماعية مستقلة تأسست في أبريل/نيسان 2004، في ظل البيئة السياسية الخاضعة للرقابة الصارمة تحت حكم الرئيس بن عليّ. وأشار مكي إلى أنّه على الرغم من أنه كان يوجد بعض الصعوبات في الوصول إلى المعلومات في تونس قبل انتخاب سعيد في 2019، إلا أن الأمر ازداد صعوبة في ظل إدارته.

فعلى سبيل المثال، فرض سعيد قيودًا على وصول الصحفيين للقصر الرئاسي بعد فترة وجيزة من انتخابه، وأجرى عددًا قليلًا من المقابلات الصحفية منذ ذلك الحين، وبدلًا من ذلك، يعتمد مكتب الرئيس الآن على صفحة الرئاسة على فيسبوك لنشر الخطابات الرسمية.

ويؤدي الافتقار إلى التواصل فضلًا عن سلطات الرئيس الجديدة إلى إحباط عمل الصحفيين. ومن جانبها، ترى هيفاء مزلوط رئيسة تحرير النسخة الفرنسية من منصة التحقيقات الاستقصائية، إنكفاضة، أنّ "هذا الأمر لا يشكل مفاجأة". وأوضحت: "كان هناك بالفعل صعوبة في الوصول إلى بعض الوزارات من قبل، ولكن الآن صوت الرئاسة حاضر بقوة، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى المعلومات".

وأشار مكي إلى أنّ الافتقار إلى الوصول إلى المعلومات أبطأ أيضًا من سرعة تقديم الصحفيين لتقاريرهم، مشيرًا إلى أنّه "بسبب كل هذه القيود، نحتاج إلى أسبوعين لكتابة مقالة بدلًا من كتابتها في يومين أو ثلاثة".

وفي غضون ذلك، شهد الصحفيون تضييقًا لنوع المعلومات التي يمكنهم الوصول إليها، وقالت مزلوط: "عندما كانت تتم مناقشة قانون في البرلمان كان بإمكانك متابعة المناقشات، واليوم عندما يصدر مرسوم رئاسي الساعة الثانية صباحًا، إلى ماذا تسعى أيضًا؟".

وفي أغسطس/آب الماضي، وصفت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الفترة الحالية التي تعيشها تونس بأنها "أزمة اقتناء المعلومات"، وبالفعل، فإنّ المسار القانوني للوصول إلى المعلومات، وهو المعادل التونسي لطلب قانون حرية المعلومات الأميركي، لا يتم الالتزام به كثيرًا. وعلى الرغم من أنّ حق الوصول إلى المعلومات مقنن بموجب قانون رقم 22، إلا أنّ مكي لاحظ زيادة في طلبات الوصول إلى المعلومات التي لم يتم الرد عليها أو كانت الإجابات على هذه الطلبات غير كاملة.

التمويل يواجه منعطفًا خطرًا

إنّ نواة وإنكفاضة، مثل أغلب المؤسسات الإعلامية المستقلة في تونس، ممولتان جزئيًا من منظمات أجنبية مثل منظمة دعم الإعلام الدولي، والصندوق الأوروبي للديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المنفتح.

إلا أنّه في مارس/آذار الماضي، تم تسريب مشروع قانون بشأن تنظيم المؤسسات، والذي ذكر فرض حظر على التمويل الأجنبي. ومن جانبه، أكد سعيد فيما بعد رغبته في حظر التمويل الخارجي، متهمًا المؤسسات بتلقي التمويل ليكونوا "امتدادًا للأحزاب السياسية".

ويرى مكي أنّ "هذا الحظر سيشكل أزمة كبيرة للصحافة المستقلة في تونس".

سيف مُسَلَّط على الرقاب

وقال تقرير "مراسلون بلا حدود" لعام 2022، إنّه منذ 2019، "أصبح الصحفيون ووسائل الإعلام هدفًا لهجمات المسؤولين المنتخبين، ويواجهون فيضًا غير مسبوق من الكراهية والعنف".

ووفقًا لمركز الأمن في عمل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الذي يتابع الهجمات التي يتعرض لها الصحفيون، فهناك أمثلة شهرية لمواقف استفزازية تحدث ضد الصحفيين والمصورين الصحفيين، فضلًا عن وقائع لحدوث عنف لفظي وجسدي، وتهديدات، و"معوقات تقف أمام ممارستهم لوظيفتهم". وسجّل المركز 250 حالة اعتداء على الصحفيين في الفترة ما بين أغسطس/آب 2021 ويوليو/تموز 2022، وهو ما يشكل زيادة عن العدد الذي كان 216 العام الماضي.

وأشار مكي إلى أنّه على الرغم من عدم تعرض صحفيي نواة للاعتداءات الجسدية، إلا أنّ قوات الأمن احتجزت اثنين من صحفيي المنصة لفترة وجيزة في مارس/آذار 2022. وأوضح أنّ هذا الاحتجاز حدث بينما كان الصحفيان يقومان بتغطية تظاهرة في جنوب تونس في رادس، ومنع ضباط الشرطة الصحفيين من التصوير.

ويتمتع الصحفيون بالحماية الاسمية بموجب مرسوم قانون رقم 115 بشأن حرية الصحافة، إلا أنّه غالبًا ما تتم مقاضاتهم بموجب قانون العقوبات أو أمام المحاكم العسكرية. وفي أغسطس/آب، حكمت المحكمة العسكرية على الصحفي التونسي صلاح عطية بالسجن ثلاثة أشهر بعدما قال على قناة الجزيرة إنّ الرئيس التونسي قيس سعيد طلب من الجيش إغلاق مكاتب الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يُعد الاتحاد الرئيسي للبلاد.

وفي سبتمبر/أيلول، سُنّ قانون بشأن نشر المعلومات المضللة على الإنترنت في تونس، وبالتحديد تعاقب المادة رقم 24 من القانون على انتشار "الشائعات والأخبار المزيفة" بأحكام تصل إلى 10 سنوات في السجن إذا كان "الشخص المستهدف موظفًا حكوميًا أو ما شابه".

إلا أنّ القانون لم يحدد معنى مصطلحي "الشائعات" و"الأخبار المزيفة". ومن جانبه، قال ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال إفريقيا، خالد دراريني، في بيان صحفي: "هذا القانون الجائر يهدف إلى ردع الصحفيين عن القيام بوظيفتهم، وإلى خلق مناخ من الخوف، ويدفع الصحفيين لفرض رقابة على أنفسهم".

واستخدمت السلطات هذا المرسوم لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني، ضد رئيس تحرير موقع Business News، نزار بهلول، الذي استدعته الشرطة للتحقيق بعد نشره مقالة عن رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن.

ووصف مكي المرسوم بأنّه "سيف مُسَلَّط على الرقاب" ببساطة، مشيرًا إلى أنّ "المرسوم يُصعب للغاية من إمكانية الممارسة الصحفية اليومية، لدرجة تشكيله عقبة خطيرة أمام حرية الصحافة". 

وفي ظل الأوضاع الحالية، يتساءل الصحفيون عن دورهم في وقت الأزمات، حيث تستمر زيادة الضغط عليهم. وقالت مزلوط، إنّه منذ تعليق البرلمان التونسي في 2021، تتساءل "كيف يستمر المرء في أنّ يكون قوة مضادة" للتوجهات الاستبدادية؟

وفي أثناء ذلك، فإنّ إنكفاضة ونواة من بين المنظمات الإعلامية المستقلة التي تواصل نشر المقالات التي تنتقد الرئيس وإدارته على الرغم من وجود المخاطر. وقال مكي: "لا نتجنب في نواة الكتابة عن موضوعات محددة خوفًا من الانتقام؛ لأن الجرأة متأصلة فينا دائمًا".


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة لاتراش ميد جميل.