الصورة النمطية للصحفي في الدراما والسينما: بطل خارق أم ناقل للأخبار 

بواسطة أصيل سارية
Mar 28, 2025 في أساسيات الصحافة
صورة

سلطت الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية الضوء على شخصيات الصحفيين بصور متباينة، والتي تأرجحت بين البطولة والنزاهة من جهة، والانتهازية والتضليل من جهة أخرى. ففي السينما والدراما العالمية، قد يجسد الصحفي كبطل مغوار لا يدخر جهدًا في ملاحقة الحقيقة وكشف الفساد مهما كلفه الأمر، أما في الدراما العربية، فتتباين صورة الصحفي ما بين قيامه بالسعي نحو الإثارة والشهرة أو التمجيد المطلق للسلطة.

وهناك صور مختلفة لتجسيد صورة الصحفي في هوليوود والإنتاجات التلفزيونية الغربية، فقد يتم تقديمه كبطل يسعى لكشف الفساد ومواجهة السلطة، أو كصحفي انتهازي يلاحق الإثارة بأي ثمن، وهناك أعمال أخرى متنوعة سلطت الضوء على الأدوار المختلفة التي يقوم بها الصحفيون، وهذه الصور قد تتكرر في الدراما العربية، لكن مع فارق جوهري، حيث يظل تصوير الصحفي مرهونًا برؤية الكاتب والمخرج. وفي المقابل، ألقت بعض الأفلام السينمائية العالمية الضوء على قصص حقيقية لصحفيين خاضوا تجارب شاقة لكشف الفساد والتلاعب بالمال العام.

الصحفي كبطل اجتماعي يخدم العدالة
تميل الأفلام الاستقصائية إلى إبراز الصحفي كبطل يعمل بلا كلل لكشف الحقائق، حتى لو عرّضه ذلك للخطر، ونستعرض هنا أبرز تلك الأعمال التي خلقت صورة إيجابية عن الصحفيين لدى الجمهور.

فيلم All the President’s Men  
يُعتبر من أبرز الأعمال التي قدّمت الصحافة الاستقصائية في إطار بطولي، حيث يروي الفيلم القصة الحقيقية للصحفيين بوب وودورد، وكارل بيرنشتاين، من صحيفة واشنطن بوست، اللذين نجحا في كشف تفاصيل فضيحة ووترغيت، مما أدى في نهاية المطاف إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون.

فيلم الصحافة في مواجهة الفساد Spotlight
يُعد هذا الفيلم واحدًا من أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت الصحافة ودور الصحفيين، حيث يجسد الفيلم القصة الحقيقية لفريق التحقيقات في صحيفة Boston Globe، الذي نجح في كشف فضيحة الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية. وقد أثار هذا التحقيق ضجة عالمية وأدى إلى  إصلاحات مؤسسية داخل الكنيسة.

يُظهر الفيلم الصحفيين كأشخاص ملتزمين بالبحث العميق، ومواجهة السلطة بلا خوف، وإعطاء صوت للضحايا، ورغم الضغوط والتهديدات، يواصل الفريق عمله بإصرار، معتمدًا على التوثيق الدقيق، والتحقيقات الميدانية، والعمل الجماعي ليبرهن على قوة الصحافة الاستقصائية في محاسبة أصحاب النفوذ وكشف الحقيقة.

مسلسل The Newsroom 

يُقدّم هذا المسلسل الذي أنتج خلال 2012-2014، صورة واقعية عن كواليس الصحافة التلفزيونية، حيث يكشف التحديات التي يواجهها الصحفيون بين نقل الحقيقة ومواجهة الضغوط السياسية والتجارية. وتدور أحداث المسلسل حول مذيع الأخبار ويل ماكافوي (جيف دانيلز)، الذي يسعى بدعم من مديرة الأخبار ماكنزي ماكهيل إلى تقديم صحافة مسؤولة تُعلي من قيمة الحقائق بدلاً من الإثارة، إلا أنه يصطدم بضغوط المعلنين، ومصالح ملاك القناة، ونفوذ السياسيين. 

أما في الدراما العربية، فقد قدّم الفنان عادل إمام شخصية هلال كامل في مسلسل عوالم خفية، الذي أُنتج عام 2018، مجسدًا واحدة من أكثر الصور الإيجابية للصحفي في الأعمال الفنية. يجسد هلال كامل دور الصحفي الجريء الذي يعثر بالصدفة على مذكرات فنانة تكشف قضايا فساد خطيرة، ليقرر المُضي قدمًا في تتبع الخيوط وكشف الحقائق، رغم التهديدات التي تلاحقه.

ويظهر المسلسل الصحفي الاستقصائي كشخصية نزيهة، ومثابرة، ومتمسكة بالمبادئ، حيث يخاطر بسلامته الشخصية في سبيل كشف الفساد والدفاع عن الحقيقة، كما يبرز الدور المهم للصحافة الاستقصائية في محاربة الفساد وكشف التلاعب السياسي والاقتصادي.

وقبل ذلك قدّمت السينما العربية فيلم "ضربة شمس" الصحفي في العام 1980، حيث يجسد البطل شمس (نور الشريف) شخصية الصحفي النزيه الذي لا يكتفي بنقل الأخبار، بل يسعى وراء الحقيقة مهما كانت المخاطر. والفيلم لم يعرض الصحفي كناقل أخبار فقط، بل كشخصية فاعلة ومؤثرة في المجتمع، مما جعله من أوائل الأفلام المصرية التي سلطت الضوء على الصحافة الاستقصائية وأهميتها في مواجهة الفساد والجريمة.

أما في الدراما السورية، فقد قدّم مسلسل "عودة غوار"، الذي أُنتج عام 1998، شخصية الصحفي رامز لحام، التي جسّدها الممثل ميلاد يوسف، كصورة للصحفي الجريء الذي لا يخشى مواجهة السلطة، بل يُكرّس قلمه لكشف الفساد والدفاع عن المظلومين.

وهناك بعض الأعمال قدّمت صورة مغايرة للصحفي، حيث يبدو مستعدًا لتجاوز كل الحدود الأخلاقية من أجل تحقيق السبق الإعلامي.

يجسد ستيفن غلاس في فيلم "Shattered Glass" الذي أُنتج عام 2003 صورة الصحفي الذي يختلق قصصًا مثيرة من محض خياله لتعزيز سمعته، مستغلًا عمله في مجلة "ذا نيو ريببليك" لنشر تحقيقات مزيفة عن شخصيات وهمية وأحداث مختلقة. ويكشف الفيلم كيف يمكن للطموح أن يتحول إلى تزييفٍ منهجي للحقائق، خاصة في ظل غياب الرقابة الداخلية والانبهار بالقصص المثيرة.

ويتحول لويس بلوم في فيلم "Nightcrawler" من مجرد لص عادي إلى مصوّر فضائح يسعى لبيع لقطات دموية للقنوات الإخبارية، مستغلًا الحوادث والجرائم. ولم يقتصر دوره على توثيق الأحداث، بل تجاوز ذلك إلى التلاعب بها لضمان حصوله على اللقطة المثالية.

بينما يلاحق الصحفيون المشاهير في فيلم "Paparazzi" الصادر عام 2004. ويطرح الفيلم تساؤلات محرجة حول الخط الفاصل بين "الحق في المعرفة" و"الجشع الإعلامي"، خاصة عندما يصبح الصحفيون مستعدين لاختراق حياة الآخرين بدون أي اعتبار للجوانب الإنسانية.

أما الصحفية إيفا، فتواجه معضلة أخلاقية في الفيلم البلجيكي Image 2014، الصادر عام 2014  وذلك عندما تحاول كسر الصورة النمطية عن العرب في الإعلام الغربي والتي زرعها المناهضين للعرب والإسلام، لكنها تصطدم بآلة إعلامية ترفض نقل الحقيقة الكاملة وتفضل التركيز على الأخبار المُسيَّسة التي تصر على إظهارهم بتلك الصورة النمطية السلبية. الفيلم يوضح كيف تُستغل المنصات الإخبارية أحيانًا لترويج سرديات مُغرضة، مما يحوِّل الصحفي من ناقلٍ للحقيقة إلى أداة في يد السلطة. 

ظهرت في الدراما والسينما العربية بعض الشخصيات التي تجسد الصحفي الانتهازي والفاسد، مما قد يساهم في تشكيل صورة سلبية عن الصحفيين لدى الجمهور ومع ذلك لا يمكننا التعميم، إذ إن هناك أيضًا أعمالًا قدمت صورًا إيجابية أو متوازنة عن المهنة. 

ويُعتبر فيلم "اللص والكلاب" الذي أنتج عام 1962 من أشهر الأعمال التي ظهر فيها الصحفي بصورته السلبية، ويجسِّد الفيلم (المُقتبس من رواية نجيب محفوظ) شخصية الصحفي الانتهازي  الذي يتحالف مع السلطة لخيانة صديقه بعد خروجه من السجن، وهنا يستخدم الصحفي منصبه لتشويه سمعة صديقه عبر مقالات مُزيَّفة، وصفته بـ "الخطر الاجتماعي"، ليس خدمةً للحقيقة، بل لترسيخ مكانته بين النخبة وإرضاء النظام.

أما في مسلسل "سامحوني مكنش قصدي" من إنتاج عام 2000، فقد أقدم الصحفي سيد الجهني الذي جسد شخصيته الممثل أحمد راتب على خيانة صديقه أيضًا، حيث تورط في الفساد الإداري ولعب دورًا في تزوير المستندات المالية وإخفاء التلاعبات التي يقوم بها مرزوق، وتمثل شخصية الجهني إنهيار القيم الأخلاقية لدى بعض الصحفيين الذين يغلّبون مصلحتهم  الشخصية على حساب المصلحة العامة، من خلال التستر على قضايا فساد مقابل وعود بوظيفة دائمة في هيئة التحرير والحصول على عضوية نقابة الصحفيين.

وفي السياق نفسه، فقد تخلت الصحفية الطموحة زهرة غانم في المسلسل الأشهر عربيا "ليالي الحلمية " عن الكثير من القيم والمبادئ للوصول إلى منصب رئيسة التحرير، كما استخدمت الصحفيين الشباب لتحقيق مصالحها الخاصة، مقابل وعودٍ زائفة بالعمل الصحفي الثابت والحصول على عضوية نقابة الصحفيين.

وقد أشار الكاتب طاهر عبد الرحمن في مقالته المنشورة بعنوان "كوميدي وانتهازي ومنافق.. صورة الصحفي في السينما المصرية" في موقع إعلام دوت كوم بتاريخ 9 مارس/آذار  2018، إلى الصورة السلبية التي قدمت بها شخصية الصحفي في السينما والدراما، وإلى الطريقة التي تُختزل بها طبيعة المهنة لخدمة الحبكة الدرامية، كما ذكر أنه من المستغرب هو الإصرار على تقديم تلك الصورة السلبية فقط، في ظل غياب نماذج أكثر مهنية.  ويرى عبد الرحمن أن هذا الخلل، قد يعود إلى إلى تقاعس الصحفيين أنفسهم عن تقديم صورة حقيقية لمهنتهم وأجوائها ومخاطرها، مستشهدًا بمحاولة الروائي الراحل فتحي غانم في روايته الشهيرة "زينب والعرش"، والتي تحولت إلى مسلسل عام 1979، حيث قدّم كواليس العمل الصحفي بسلبياته وإيجابياته، وكانت أقرب المحاولات وأصدقها، لأن كاتبها عاش تفاصيلها في الواقع قبل أن يكتب عنها.

ونختتم حديثنا بأهمية تقديم صورة واقعية للصحفي من أجل بناء وعي جماهيري أكثر نضجًا حول أهمية مهنة الصحافة، كما أنه يقع على عاتق صُنّاع السينما والتلفزيون، والمؤسسات الإعلامية، والنقاد، وحتى الصحفيين أنفسهم مسؤولية تقديم صورة متوازنة للصحفي، بعيدًا عن المبالغات السلبية أو المثالية، لضمان صورة أكثر دقة وموضوعية لدور الصحافة في المجتمع.

الصورة الرئيسية مُولدة بالذكاء الاصطناعي بواسطة ChatGpt4.